القاهرة- رويترز
يدعو كاتبان سوريان إلى حماية مدنية الدولة من "خطر" وصول تيارات أو أحزاب تتبنى أيديولوجيات شمولية ذات طابع ديني إلى الحكم بحجة أن هذه التيارات تنطلق في سياساتها من "أطر مغلقة" تحول دون تفاعلها مع غيرها من التيارات والأحزاب السياسية التي ربما تصبح "عدوا" يصعب مد جسور الثقة معه.
فيقول المفكر صادق جلال العظم إن الإسلام "التكفيري الجهادي العنيف... هو الإسلام الذي احتل الكعبة سنة 1979 بقيادة جهيمان العتيبي واغتال (الرئيس المصري الأسبق) أنور السادات سنة 1981 وخاض معارك دموية خاسرة في سوريا ومصر والجزائر" مضيفاً أن معتنقي هذا الفكر المتشدد هم الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر أيلول 2011 داخل الولايات المتحدة.
ويفسر سلوك المتشددين في ضوء اليأس من بلوغ أي أهداف أو برامج بأسلوب "غير أسلوب ومنهج التكفير والتفجير الإرهابي الانتحاري شبه الأعمى" واصفاً نهج الإسلام السياسي في كل من مصر وتونس بعد نجاح ثورتيهما عام 2011 في إنهاء حكم حسني مبارك وزين العابدين بن علي بأنه "اليوم في وضع لا يحسد عليه من التخبط والتعثر والتناقض والإخفاق والغضب الشعبي المتصاعد". وواجه الرئيس المصري المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي اعتراضات شعبية واسعة منذ إعلانه الدستوري المثير للجدل في 21 نوفمبر 2011 وتوالت الاحتجاجات التي انتهت بحشود مليونية في 30 يونيو الماضي وأدت إلى عزله في الثالث من يوليو.
ويقول العظم في دراسة عنوانها (الربيع العربي والإسلام السياسي) إنّ مرسي بإعلانه منح نفسه "سلطات مطلقة وحصانات تجعله هو وقراراته فوق أي نوع من أنواع المساءلة أو الطعن" واصفاً الاحتجاجات الشعبية الحاشدة بأنّها رفض "لنوع من الحكم المطلق... بينت للعالم كلّه أنّ مصر اليوم متحرك وفاعل وصاحب موقف". ولا يتوقع العظم "اكتساح" أي من تيارات الإسلام السياسي إذا ما أجريت انتخابات في سوريا التي تستمر فيها الاحتجاجات ضد حكم الرئيس بشار الأسد منذ مارس 2011.
ونشرت الدراسة في العدد الجديد من مجلة (دمشق) الأدبية الفكرية التي يرأس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح وتصدرها مؤسسة دمشق للدراسات والنشر في لندن وصدر عددها الجديد في القاهرة.
ويقول إبراهيم الجبين مدير تحرير المجلة إنّ أبرز أخطاء الإخوان في مصر إضاعتهم "لحظة تاريخية فارقة" فلم ينخرطوا "في الدولة الحديثة" مضيفاً أنّ الجماعة بنت تصوراتها منذ تأسيسها عام 1928 "على فكرة أنّ الدين في خطر وأن الإسلام محاصر" وظلت تهدف لإعادة إحياء الخلافة الإسلامية في أي مكان في العالم بعد انتهائها في تركيا على يد كمال أتاتورك.
ويسجل أن حسن البنا مؤسس الجماعة قسم الدعوة إلى "مرحلة الدعاية والتعريف. مرحلة الإعداد والتكوين. مرحلة العمل والتنفيذ. مرحلة الدولة. مرحلة التمهيد للخلافة. مرحلة استعادة الكيان الدولي أو الخلافة. مرحلة الأستاذية" ويرى أن مشكلة الإخوان لا تخص الأفراد وإنما التنظيم "القائم على البيعة والسمع والطاعة... غير قابل للتطور" إذ يفرض على الأعضاء العودة في أي شأن إلى المرشد العام أو المراقب العام.
ويضيف في دراسة عنوانها (مصر تخلي سبيل الإخوان) أن "النكبة" التي تعرض لها الإخوان في مصر ترجع إلى فكر الإخوان أنفسهم إذ "ليس بمقدور الإخوان منح الثقة للآخرين من غير الإخوان مما يتسبب في هدم أية جسور قد تنشأ بينهم وبين أولئك الآخرين فالآخر مغاير وقد يبتعد تدريجياً حتى يصبح بالضرورة عدوًا". ويقول "إنّ التجمعات والتشكيلات السياسية التي تقوم على أطر مغلقة لا بد وأن تصل إلى طرق مغلقة مسدودة في نهاية الأمر وهو ما ينسحب على التشكيلات السياسية غير الدينية".
وفي حين يسجل صادق جلال العظم ملاحظة أن أي حكم في مصر يحتاج "إلى عبقرية فائقة (في صنع الأعداء) حتى يصطدم بالأزهر والكنيسة في لحظة واحدة ناهيك عن المؤسسة العسكرية والقضائية والاتحادات المهنية والنقابية والطلابية في البلاد" يشدد الجبين أن مصر كانت دائمًا أكبر من حكامها منذ رمسيس إلى مرسي.
ويضيف "مصر الكبيرة.. صدرت للعالم قيماً ثقافية وحضارية خالدة" مسجلاً أن طه حسين ومصطفى لطفي المنفلوطي وعباس العقاد ونجيب محفوظ وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وأحمد زويل لم يكونوا من الإخوان المسلمين الذين كان عليهم "أن يدركوا أن مصر أكبر منهم وأن زمن الحرية والربيع العربي لم يعد يسمح بتنميط المجتمع وسكبه حسب وصفات تتحكم بها البيعة والسمع والطاعة وما تبقى من أوامر وعتاد الدولة الثيوقراطية".