مشروع القانون الجديد ينبغي أن يتضمن توسعا في اتفاقيات التعاون الدولي
تعدد المشتركين ووحدة الجرم.. من شروط "الجريمة المنظمة"
الإيداع وإعادة الإقرض في مقدمة آليات ارتكاب جريمة غسل الأموال
بعض النصوص الحالية "طويلة نسبيًا" و"متداخلة"
ضرورة توسيع دائرة التعاون الدولي وتسليم المجرمين.. والتصدي للبنوك الوهمية
عصابات غسل الأموال تستغل الخدمات البنيكة
الرؤية - سميّة النبهانيّة
أكدت إيمان بنت خليفة حمد الوحشية الباحثة في مجال غسل الأموال بالسلطنة أنّ القانون الحالي لمكافحة غسل الأموال يعاني من بعض "الثغرات"، نتيجة للنصوص الطويلة نسبيًا والمتداخلة، الأمر الذي يؤدي إلى تضييق نطاق تطبيق العقوبة.
وقالت الباحثة إنّ البداية الناجحة لمكافحة هذه الجريمة تنطلق من المؤسسات المالية التي تعد الملعب الرئيسي لغاسلي الأموال، مشيرة إلى أنّه ومن أجل المكافحة الفعلية لهذه الجريمة، يجب اتخاذ خطوات جادة من قبل جميع الجهات. وشددت على ضرورة أن ينص قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب في السلطنة على إنشاء وحدة مستقلة من قانونيين وأصحاب اختصاص تجاري ومالي؛ بحيث تعمل هذه الوحدة بشكل مستقل عن شرطة عمان السلطانية.
وتأمل الوحشية، الحاصلة على ماجستير في غسل الأموال، أن تتم يشمل مشروع غسل الأموال الجديد- والذي يجري العمل عليه من قبل الجهات المعنية- جميع المسائل التي يحتاج إليها القانون الحالي. وتسلط الباحثة- في حوار مع "الرؤية"- الضوء على أبرز الوسائل التي يتم من خلالها اختراق الجهاز المصرفي من قبل مرتكبي هذه الجريمة، وكذلك معالجة القانون العماني لها.
** ما أهم النتائج والتوصيات التي خرجتم بها من خلال بحوث جريمة غسل الأموال في السلطنة؟
بالنسبة لجريمة غسل الأموال في القانون العماني، فإنّه يلزم حتى تقوم الجريمة أن يسبق ركنها المادي ارتكاب جريمة أدت إلى إنتاج المال الذي وقعت عليه عملية الغسل، وهذا ما يطلق عليه الركن المفترض.
ومن الضروري للمسؤولين القائمين على مشروع قانون غسل الأموال إنشاء وحدة مستقلة من قانونيين وأصحاب اختصاص تجاري ومالي، بحيث تعمل هذه الوحدة بشكل مستقل عن شرطة عمان السلطانية. كما أنّه يجب أنّ تختص هذه الوحدة بتلقي البلاغات والمعلومات عن العمليات التي يشتبه فيها بغسل الأموال والعمل على تحليلها، كما تقوم بتبادل ما لديها من معلومات مع الجهات المختصة وغيرها من الجهات في الدول الأجنبية. وهذا النص قد أوصت به الاتفاقيات الدولية والتي دعت إلى استقلال وحدات غسل الأموال ماليا وإداريًا.
كما يتعيّن تكثيف التدريب والتأهيل في هذا الجانب؛ حيث أوصى بإنشاء معاهد متخصصة لبرامج التأهيل لتدريب العاملين في المؤسسات المالية في مكافحة غسل الأموال تحت أيدي خبراء في مكافحة هذه الجريمة. بجانب ضرورة تأهيل الكوادر القضائية في هذا الجانب.
** كيف يرى القانون العماني جريمة غسل الأموال؟
نتيجة لانتشار ظاهرة غسل الأموال على الصعيدين الوطني والدولي وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة، فإنّ المشرع العماني يتدخل في مرحلة أولية لمواجهة هذه الظاهرة عبر الاستعانة بأحكام بعض نصوص قانون الجزاء العماني أو بعض نصوص القوانين الخاصة. ثم في مرحلة ثانية يتدخل المشرع العماني لمكافحة غسل الأموال من خلال إصدار قانون غسل الأموال بالمرسوم السلطاني الملغي رقم 34/2002، ومن ثم إصدار قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمرسوم السلطاني رقم 79/2010.
ورغم صدور قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب المرسوم السلطاني رقم 79/2010، إلا أنّه لا زال العمل جاريًا على اللائحة القديمة الصادرة بموجب المرسوم السلطاني رقم 72/2004، لذلك فإنّه من المهم استصدار لائحة تنفيذية للمرسوم الأخير، وكذلك التعجيل في مشروع قانون غسل الأموال.
كذلك على المشروع الجديد أن يتوسع في اتفاقيات التعاون الدولي وتبادل المعلومات وتسليم المجرمين. كما يجب محاربة ظاهرة البنوك الوهمية والتي تقوم بدور خفي في عمليات غسل الأموال من خلال وضع ضوابط دقيقة في إنشاء البنوك وضمان عدم انهيارها. وكذلك ضرورة تكثيف التدريب في التعرّف على العملاء ومصدر أموالهم.
أنا بالنسبة للقانون الساري حالي، فهناك بعض الملاحظات على نصوص القانون العماني، حيث جاءت بعض نصوص قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب طويلة نسبيًا، ومتداخلة؛ كنص المادة الثانية والتي استخدم فيها مصطلحات تحوي نفس المعنى، بينما كان الأجدر أن تكون هذه النصوص القانونية أكثر إيجازًا.
ويؤخذ على المشرع العماني تحديد معنى المال في محل التحريم في النص الأول، وهذا التحديد يؤدي إلى تضييق هذا النص، وخروج الكثير من المدلولات التي ينطبق عليها وصف المال بالمعنى القانوني أو التي تطرأ في المستقبل.
كما يؤخذ على المشرع العماني أنّه تطلب في الفقرة الأولى من المادة الثانية توافر القصد الجنائي الخاص لتقرير المسؤولية الجنائية عن جريمة غسل الأموال، وهذا الأمر أدى إلى تضييق نطاق التجريم مما يتعارض مع رغبة المشرع في مكافحة غسل الأموال، وأرى أنه كان يجب على المشرع العماني الاكتفاء بتوافر القصد الجنائي العام، وهذا الاتجاه أخذت به الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية فيينا، حيث لم تشترط نية خاصة يمكن أن تضاف للقصد العام.
ولقد اهتم المشرع العماني بالجانب الوقائي لجريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب،  كما أنّها وضعت عقوبات مشددة لهذه الجرائم، والتزامات كبيرة على المؤسسات المالية بالسلطنة، إيمانًا من المشرع العماني بأنّ هذه المؤسسات هي الوعاء لهذه الجرائم.
** وما هي أبرز العقوبات التي وضعها المشرع العماني لهذه الجرائم؟
حدد القانون العماني العقوبات الأصليّة المقررة لجريمة غسل الأموال في المادة 27؛ حيث نصت على أن يعاقب كل من يرتكب جريمة غسل الأموال أو يشرع أو يشارك في ارتكابها بالسجن المؤقت مدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد عن 10 سنوات، والغرامة لا تقل عن 5000 ريال عماني، ولا تزيد عن ما يعادل قيمة الأموال محل جريمة غسل الأموال.
وبذلك وضع المشرع العماني جريمة غسل الأموال جنائية، وقرر لها عقوبة أصلية سالبة للحرية، كما أنّ الجمع بين العقوبة السالبة للحرية والغرامة هو أمر وجوبي. وهذه العقوبة في جريمة غسل الأموال مقررة سواء أكانت الجريمة تامة أو في صورة الشروع، وذلك لأنّ   العقوبة قد تساوت لخطورة الجاني وليس على الفعل. ولقد التزم المشرع بتطبيق عقوبات مشددة على هذه الجريمة قد تكون قانونية شخصية، مادية، قضائية وغيرها. فيما نصت عدد من النصوص على الإعفاء من العقوبة في حالات حددها القانون، والمنصوص عليها في المادة 38.
** بالنسبة لجريمة غسل الأموال.. متى يطلق عليها "جريمة منظمة" وفق القوانين؟
تعتبر جريمة غسل الأموال من الجرائم المنظمة؛ حيث إنّ الجرائم المنظمة يتعدد فيها الجناة، الذين يسهمون في تحقيق عناصر الجريمة للوصول إلى النتيجة الجرمية، وذلك بسبب توحد جهود الأشخاص الذين مارس كل منهم وبإرادته الحرة جزءًا من مجموع العناصر التي تكوِّن الركن المادي للجريمة، بالإضافة إلى توافر الإرادة الجرمية في النفس الآثمة لتحقيق النتيجة وإخراجها إلى حيز الوجود عن طريق هذه الأفعال المادية.
ولابد من توافر شرطين أساسيين حتى نطلق على الجريمة بأنّها جريمة منظمة وهما تعدد المشتركين في الجريمة. وكذلك وحدة الجريمة، والتي تعني الوحدة المادية، والوحدة المعنوية للجريمة على السواء، وتتحقق وحدة الجريمة إذا ما نتج عن العناصر المكونة للركن المادي نتيجة واحدة محددة. فالأصل أن يقوم كل فاعل بنشاط واحد أو بمجموعة من النشاطات مع جهود غيره لتحقيق نتيجة جرمية واحدة. أمّا الوحدة المعنوية فإنّه يقصد بها توافر الرابطة النفسيّة والذهنيّة التي تجمع ما بين الفاعلين في ارتكاب الجريمة الواحدة، أمّا إذا لم تتحقق الوحدة المعنوية للجريمة، فإننا سنكون أمام تعدد الجرائم.
** تتعدد وسائل غسل الأموال.. فما هي الأساليب المتبعة في القطاع المصرفي؟ وما هي أكثر القطاعات التي تتعرض لهذه الجريمة بالسلطنة؟
تتعدد أساليب غسل الأموال في القطاع المصرفي، فهناك وسيلة الإيداع أو التحويل عن طريق البنوك؛ حيث يقوم غاسلوا الأموال بإخفاء العائدات غير المشروعة عن طربق إيداعها في أحد الحسابات البنكية أو في مجموعة من الحسابات البنكية في بنوك ودول مختلفة، وبعد عمليات الإيداع يقوم المجرمون بتحويل الأموال إلى حسابات بنكية في بلد الاستثمار، وغالبًا ما يكون البلد الحقيقي للمودعين، وهنا تكون عملية غسل الأموال قد وقعت عن طريق البنك، وقد يتواطأ موظفو البنك مع الجاني أو مع المنظمة الإجرامية.
كما أنّ هناك وسيلة إعادة الإقراض في القطاع المصرفي، وهنا يقوم مرتكب نشاط غسل الأموال بإيداع الأموال المتحصلة من جريمة في أحد البنوك الموجودة في دولة يتميز نظمها المصرفي والمالي بعدم التعقيد، وتنعدم فيها الرقابة على البنوك وتتوافر فيها التكنولوجيا الحديثة والسريعة كاستخدام الحاسب بتقنيات عالية ومتطورة. ومن ثمّ يتقدم الجاني بطلب قرض لدى أحد البنوك المحلية بضمان الأموال المودعة في بلد البنك الأجنبي، وهنا يحصل الجاني على أموال نظيفة من القرض، ثمّ يقوم بشراء ممتلكات بهذه الأموال التي حصل عليها عن طريق ضمان الأموال غير المشروعة، لتظهر هذه الممتلكات بصورة مشروعة تمامًا.
كذلك هناك أسلوب استغلال الخدمات المصرفية، ومنها خدمة تحصيل وخصم الأوراق التجارية سواء كانت بين أطراف محلية أو دولية. وتتمثل الأوراق التجارية في الكمبيالات والسندات والشيكات. ويقصد بتحصيل الورقة التجارية أن يقوم البنك بتقديم الورقة التجارية المسلمة له من المستفيد (الدائن) إلى المدين في موعد استحقاقها لتحصيل قيمتها لصالح المستفيد. أمّا خصم الورقة التجارية فإنّه يعني أن يستلم البنك الورقة التجارية من المستفيد (الدائن) قبل موعد استحقاقها لتحصيل قيمتها في موعد الاستحقاق، ويدفع البنك إلى المستفيد قيمة الورقة قبل موعد الاستحقاق مخصومًا منه الفائدة بين تاريخ  الدفع وتاريخ استحقاق الورقة، مضافًا إليها أجر البنك عن عملية التحصيل، ثمّ يقوم البنك بتقديم الورقة إلى المدين وتحصيلها منه في ميعاد الاستحقاق، وإذا لم يتم تحصيل الورقة التجارية في الحالتين يسترد البنك من العميل ما دفعه له. لذا يمكن لعصابات غسل الأموال أن تستغل الخدمات البنكية المتمثلة من خلال نقل الأموال إلى الخارج وبطريقة آمنة عن طريق البنوك.
وبالنسبة لأكثر القطاعات التي تتعرض لجريمة غسل الأموال في السلطنة، فقد كانت البنوك من أكثر جهات الإبلاغ عن هذه الجريمة، والتي تلقتها وحدة التحريات المالية من عام 2008 إلى عام 2010؛ حيث وصل عدد البلاغات إلى 182 بلاغًا وبمعدل 94% من إجمالي عدد البلاغات التي تلقتها الوحدة. تليها شركات الصرافة بنسبة 4% من مجموع البلاغات.
** انتشرت في الآونة الأخيرة وسيلة "الكارت الذكي" في جرائم غسل الأموال، فما هي مميزات هذا الكارت؟
نشأت تكنولوجيا الكارت الذكي في إنجلترا تم امتد العمل بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والكارت الذكي يقوم بصرف النقود التي سبق تحميلها من العميل مباشرة إلى القرص المغناطيسي عن طريق ماكينة تحويل آلية. وتتكون البطاقة الذكية من تقنيات تساعد في الحفاظ على أمنها وسريتها، ومن رقائق لها برامج خاصة بأنظمة التشغيل، حيث تتمكن من القيام بعدة مهام كوظائف النقود المعدنية وبطاقات الخصم وبطاقات الائتمان وبطاقات تعريف الهوية وحتى سداد الفواتير. كما تحمل هذه البطاقة صفحات عديدة من المعلومات الشخصية لمستخدمي البطاقة، وبمجرد إدخال البطاقة في المركز الخاص بالمعاملة المصرفية تنتقل البيانات التي تحتويها البطاقة ويظهرها المركز للقراءة. مما يجعل هذه التكنولوجيا وسيلة مثلى لمرتكبي جرائم غسل الأموال.