- ظهور الصناعات الجديدة يشعل الطلب على الغاز
- تعزيز الاحتياطيات المحليّة من الغاز بتكثيف عمليات الاستكشاف
- خبير : دول الخليج ستضطر لاستيراد الغاز بأضعاف سعر التصدير
لا يمكن لدول الخليج الاستمرار في تطبيق سياسة بيع الغاز محلياً للصناعات المختلفة بأسعار زهيدة
- لابد من اعتماد سياسات تسعيرية أكثر نجاعة لمساعدة "دول التعاون" على ترشيد الاستهلاك وتلبية الزيادة الكبيرة في الطلب.
-إيران تمتلك أكثر من 33 ترليون متر مكعب من الغاز تمثل 18% من الاحتياطيات العالمية
الرؤية - نجلاء عبدالعال
كيف ننتج الغاز ونصدره، وفي ذات الوقت نبحث عن مصادر لنستورد منها هذا "العنصر الحيوي"؟
البعض يرى في ذلك لغزًا، إلا أنّه ليس كذلك على الإطلاق..
والسلطنة ليست استثناء في هذا الواقع الذي يحمل في طيّاته الكثير من المستجدات، وخاصة مع ازدياد الطلب العالمي على الغاز لظهور استخدامات جديدة له، وتفضيله في كثير من الأحيان على أنواع الوقود الأحفوري، مع بروز المفاهيم البيئية، وعوامل التكلفة المادية..
وهنا بعض الحقائق الأولية حول ثنائية تصدير واستيراد الغاز: إنّ اتفاقيات الغاز في الأغلب الأعم تكون طويلة الأجل وتستمر لعشرات السنين أحيانا، ومع تزايد الطلب المحلي والعالمي على الغاز ومحاولة كثير من الدول المصدرة للنفط تعديل الأسعار شكلت الدول المستوردة أو الطرف الآخر من العقد مجموعة ضغط قوية رفضت بشكل قاطع تعديل الأسعار في هذه الاتفاقيات أو مدتها، وتعاني غالبية الدول المصدرة للغاز من نفس المشكلة، خاصة أنّه لم يكن هناك تصور لتنامي الحاجة المحلية للغاز بعد فترة قليلة، ليتم تشغيل المصانع ومحطات الكهرباء وغيرها والتي استطاعت التقنيات الحديثة تحويلها للعمل بالغاز.
ولمقابلة الاحتياجات المتنامية،عمدت السلطنة إلى البحث عن مصادر لاستيراد الغاز، وفي هذا الصدد يجيء توقيع مذكرة التفاهم بين السلطنة وإيران لتصدير الغاز الإيراني إلى عمان لمدة 25 عاماً على أن يبدأ التصدير من عام 2015 بعقد قيمته نحو 55 مليار دولار.
ولم يوقف تصريح معالي محمد بن حمد الرمحي وزير النفط والغاز في العاصمة الكورية الأربعاء الماضي الجدل حول جدوى مشروع استيراد السلطنة الغاز من إيران، أو جدوى مشروع الاشتراك في خط الأنابيب البحري بين البلدين لنقل الغاز، ولم يهدئ من تساؤلات العمانيين حول ما بات في نظرهم "ألغازًا" تحيط بموضوع الغاز الطبيعي. وأكّد معاليه أنّ العمل في خط نقل الغاز المسال من إيران إلى عمان لن يبدأ قبل عامين على الأقل، وأضاف أنّ بناء الجزء الخاص بالسلطنة من خط الأنابيب عبر مضيق هرمز سيستغرق الإعداد له على الأقل عامين قبل بدء الحفر، ليدخل تنفيذ الاتفاقيّة مرة أخرى إلى دائرة "سوف" بعد أن طال الحديث حول نفس الاتفاقية منذ سنوات عديدة.
ولتفكيك مصاعب الغاز لابد من العودة لأصل الموضوع وبدءًا من نص قانون النفط والغاز الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم 8 لسنة 2011 الذي يقول إنّ "المواد البترولية في حالتها الطبيعية وأيًا كان مكانها في سلطنة عمان ملك لها، ولا يجوز قبل استخراجها نقل ملكيتها للغير أو كسبها بالتقادم"، وتؤكد المادة الرابعة منه على أنّه "يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي القيام باستيراد أو تصدير أو نقل المواد البترولية أو تخزينها أو توزيعها أو تصنيعها أو تسويقها أو غير ذلك من العمليات إلا بترخيص من الوزارة وفقا للضوابط والشروط والرسوم التي يصدر بها قرار من الوزير (وزير النفط والغاز) بعد التنسيق مع مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة".
وبهذا التشديد خطّت السلطنة قواعد حاسمة في بيان أهمية النفط والغاز لكل مواطن فيها، لذلك لم يكن من المنتظر أن تمر مرور الكرام مذكرة التفاهم التي تقضي بالتعجيل في التوصل إلى اتفاقية لتصدير الغاز الإيراني إلى سلطنة عمان وإنشاء خط أنابيب بحري في الخليج يربط بين البلدين لنقل الغاز.
تكثيف عمليات الاستكشاف
وتؤكد وزارة النفط والغاز على أنّ الطلب الكبير على الغاز الطبيعي جاء بعد ظهور الصناعات الجديدة المرتكزة في منطقة صحار الصناعية كصناعة الألومنيوم وصناعة البتروكيماويات، مما دفع الحكومة ممثلة في وزارة النفط والغاز إلى تكثيف جهودها وتشجيع الشركات البترولية العالمية للاستثمار في عمليات استكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي، حيث أثمرت تلك الجهود عن توقيع اتفاقية في عام 2006م مع شركة بي جي عمان (BG) للتنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة أبو الطبول بالمربع رقم (60)، بعدها حصلت شركة النفط البريطانية (BP) في عام 2007م على عقد لتطوير حقلي خزان ومكارم اللذان اكتشفا في عام 1993م في المنطقة الوسطى.
ويبلغ عدد الشركات المنتجة للغاز الطبيعي حاليًا أربع شركات بترولية هي: شركة تنمية نفط عمان، وشركة أوكسيدنتال عمان، وشركة راك بتروليوم، وشركة بي تي تي إي بي عمان، أمّا بالنسبة لشق النقل في قطاع الغاز الطبيعي، فقد تمّ إنشاء خطوط أنابيب ومحطات تخفيض الضغط والعديد من المرافق الأخرى الهامة لإنتاج ونقل الغاز الطببعي، وتمّ تأسيس شركة الغاز العمانية في عام 2001م لتشغيل وصيانة شبكة إمداد الغاز في كافة أرجاء السلطنة، وقامت هذه الشركة بتنفيذ العديد من المشاريع الهامة والتي من بينها مشروع خط أنابيب الغاز من فهود إلى صحار بسعة 32 بوصة وبطول (300) كيلومتر، ومشروع خط أنابيب الغاز من سيح رول إلى صلالة بسعة 24 بوصة وبطول نحو (700) كيلومتر، ومشروع خط أنابيب الغاز إلى الحدود مع دولة الإمارات العربية المتحدة بسعة (24) بوصة وبطول (45) كيلومتر، إضافة إلى إنشاء العديد من محطات تخفيض ضغط الغاز في صلالة وصحار وبركاء، كما تعمل الشركة حاليا على عملية توسعة كبيرة في مرافق نقل الغاز وإنشاء محطات أخرى لتخفيض ضغط الغاز.
تنامي الطلب المحلي
لكن هذه الجهود جميعها لم تستطع مواكبة الطلب المحلي المتنامي على الغاز ليس في السلطنة وحدها لكن في معظم دول مجلس التعاون وكان هذا وراء مشروع دولفين الذي تمّ خلاله مد خط أنابيب لنقل الغاز تستورد عبره عمان والإمارات حاليا نحو ملياري قدم مكعب يومياً من الغاز القطري، وذلك للمساهمة في تلبية الطلب المحلي على الغاز الطبيعي خاصة في قطاع إنتاج الكهرباء وتحلية المياه وكذلك المشاريع المقامة في المناطق الصناعية المختلفة، خاصة وأنّه على مستوى الأسعار فإنّ وزارة التجارة والصناعة بالاتفاق مع الجهات المعنية المختلفة اتفقت على تخفيض أسعار الكهرباء والمياه والوقود المستخدم لأغراض الإنتاج في المنشآت الصناعية؛ ولتحفيز الصناعة تم الاتفاق على سعر بيع مدعوم للغاز لا يتجاوز 20.4 بيسة للمتر، وحتى عندما بدأت مؤخرا مسألة تحريك أسعار المحروقات والوقود تجنب معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية الحديث عن تحريك لأسعار الغاز أو رفع الدعم عنه.
وحسب آخر تقرير لشركة بريتش بتروليم فإن أسعار الغاز الطبيعي خاصة المسال شهدت ارتفاعًا مستمرًا منذ 2003 وكانت في هذا العام عند 4.77 دولار للمليون وحدة حرارية من الغاز المسال، ثمّ شهدت طفرة غير عادية في عام 2008 بتخطيها 12.55 دولار لتعاود الهبوط في السنة التالية إلى 9 دولارات وتصل في نهاية 2012 إلى 16.75 دولارا، وهذه الأسعار تشمل سعر الخام والشحن والتأمين
امداد طويل المدى
وربما يثار التساؤل حول لماذا تبحث السلطنة عن تعاون ثنائي مع إيران في الغاز، وهذا يذهب بنا إلى مقارنة على عدة مستويات لكن يسبق ذلك معلومة موثقة في جميع البيانات والدراسات وهى أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمتلك مخزونا هائلا من الغاز، ووفقا للإحصائيات فقد كانت تملك بنهاية 1992 احتياطات مؤكدة من الغاز الطبيعي تقدر بـ 20.7 تريليون متر مكعب، وفي نهاية عام 2002 وصلت الاحتياطات المؤكدة إلى 26.7 ترليون متر مكعب وزادت في نهاية 2011 إلى 33.6 ترليون متر مكعب وكذلك تقدر بنفس الكمية بنهاية 2012 وتشكل هذه الكمية 18% من الاحتياطيات العالمية من الغاز الطببيعي ويقدر لها البقاء لأكثر من مائة عام قابلة للاستخراج.
الاحتياطيات المحلية ومعدل الإنتاج
أمّا على مستوى الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في سلطنة عمان فكانت بنهاية عام 1992 بالسلطنة تبلغ 0.2 تريليون متر مكعب، وفي نهاية عام 2002 وصلت الاحتياطات المؤكدة إلى 0.9 ترليون متر مكعب وبقت على نفس الحجم في نهاية 2011 وكذلك تقدر بنفس الكمية بنهاية 2012 وتشكل هذه الكمية 0.5% من الاحتياطيات العالمية من الغاز الطببيعي، ويقدر معدل بقاء الاحتياطات نسبة لحجم الانتاج، بأن يبقى المخزون متوفرا لمدة 32.8 سنة.
أما من حيث الانتاج فإن إنتاج سلطنة عمان للغاز في عام 2011 بلغ 26.5 مليار متر مكعب، وفي عام 2012 وصل إلى 29 مليار متر مكعب بنسبة ارتفاع 8.9% على أساس سنوي وهو ما يشكل 0.9% من الإنتاج العالمي، أمّا الاستهلاك فهو أقل كثيرًا بالنسبة للسلطنة، وعلى الجانب الآخر بلغ الإنتاج الايراني من الغاز في 2011 نحو 151.8 مليار متر مكعب ووصل في 2012 إلى 160.5 مليار متر مكعب بنسبة ارتفاع 5.4% بين العامين وتبلغ حصتها من الإنتاج العالمي في نهاية 2012 نسبة 4.8%.
أمّا الاستهلاك في إيران فوصل المعدل عام 2011 إلى 153.5 مليار متر مكعب، وزاد إلى 156.1 مليار متر مكعب في نهاية 2012 بارتفاع 1.4% وتبلغ حصة استهلاك إيران من إجمالي الاستهلاك العالمي 4.7% وهي نسبة أعلى من نسبة استهلاك الصين نفسها من الغاز حيث تستهلك الصين 143.8 مليار متر مكعب وبنسبة 4.3% من الاجمالي العالمي، وإيران بذلك في المركز الثالث بعد الاتحاد السوفيتي السابق الذي يستهلك 12.5% من الاستهلاك العالمي والولايات المتحدة التي تستهلك قياسًا على عام 2012 نحو 654 مليار متر مكعب والتي كانت أعلى الأعوام استهلاكًا في تاريخها.
مع ذلك فإنّ عمان قد صدّرت في 2012 إلى كل من اليابان وكوريا والشمالية والصين ما مجموعه 11.2 مليار متر مكعب من الغاز المسال وهو ما يأتي ضمن اتفاقات سابقة، أما إيران فاستوردت خلال نفس العام من تركمنستان وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابقة 9.4 مليار متر مكعب من الغاز عبر خطوط أنابيب.
ارتفاع حركة تجارة الغاز عالميًا
وبشكل عام تظهر البيانات حول حركة تجارة الغاز عالميًا ارتفاعًا في حركة تجارة الغاز عبر أنابيب الغاز مقابل انخفاضها عبر الشحن بين عامي 2011 و2012 حيث كان حجم ما تم تبادله من غاز بين دول العالم عبر الأنابيب يبلغ 700 مليار متر مكعب مقابل 329.8 مليار متر مكعب عبر الشحن في 2011، وفي الوقت الذي زادت فيه كمية الغاز الطبيعي المصدر عبر الأنابيب إلى 705.5 مليار متر مكعب و327 مليار متر مكعب من الغاز المسال في 2012.
وسجلت الإحصائيات الدولية على مدى أطول نمو للطلب العالمي على الغاز المسال منذ عام 2000 يصل إلى نسبة 7.6 في المائة سنوياً، في الوقت الذي كانت نسبة نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي في نفس الوقت بنسبة 2.5 في المائة كل عام، إلا أنّ نمو الطلب العالمي لنفس الفترة وهذا يعني أنّ الطلب العالمي على الغاز المسال ينمو أعلى بثلاث مرات من نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي بما يؤكد على أهميّة وجدوى أنابيب الغاز على المدى الطويل.
استيراد
إن حجم الطلب المحلي العماني في تزايد مستمر، والسلطنة وفي ظل الوضع الراهن من النمو الاقتصادي بحاجة إلى مزيد من الغاز، ومن أقرب الدول التي تتوفر فيها هذه السلعة هي إيران بعد أن ثبت أنّ الغاز القطري لا يمكنه الوصول مباشرة ويحتاج لمسافة أطول ما جعل مشروع دولفين الذي يمر بالغاز عبر الإمارات يستغرق سنوات عدة وكلفة كبيرة.
سياسات تسعيرية أكثر نجاعة
ويرى الدكتور سليمان الخطاف مدير مركز التكرير والبتروكيماويات بمعهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالمملكة العربية السعودية، إنّه لا يمكن لدول الخليج أن تستمر في تطبيق السياسات القديمة ببيع غازها محلياً للصناعات المختلفة بأسعار زهيدة، وأنّ اتخاذ سياسات تسعيرية أكثر نجاعة وجدوى من شأنه مساعدة هذه الدول على ترشيد الاستهلاك، وعلى تلبية الزيادة الكبيرة في الطلب على الغاز من خلال الاستكشاف والتنقيب والاستثمار في الطاقة المتجددة، وأوضح أنّ الاستراتيجية الأخيرة بعد استراتيجية إعادة النظر في الأسعار وزيادة الإنتاج المحليين، فتتمثل في استيراد الغاز من إيران، وفي هذا الصدد يقول "حاولت شركة دانة غاز الإماراتية الاتفاق مع إيران لتوريد الغاز من حقل سلمان المجاور للشارقة، ولكن لم يلتزم الجانب الإيراني بالاتفاق، وظل المشروع بمثابة أنابيب تحت مياه الخليج لكن دون غاز. وحاولت البحرين أن تصل إلى اتفاق مع إيران لتحصل على الغاز القريب البعيد عبر الأنابيب، ولكن لم يتم الوصول إلى اتفاق رغم وصول الجانبين إلى مراحل متقدمة ووقعا مذكرة إطارية وتم تحديد أماكن استيراد الغاز؛ إلا أنّه إلى الآن لم يتم الاتفاق على السعر لأنّ الجانب الإيراني لن يقبل بأسعار أقل من الأسعار العالمية المرتبطة بأسعار النفط. ووقعت أخيراً مذكرة تفاهم بين إيران وعمان لتصدير الغاز إلى السلطنة بدءاً من عام 2015 وذلك في اتفاق مدته 25 عامًا".