من الدول القلائل التي استطاعت تحقيق قفزات سريعة نحو التقدم والرقي في فترة وجيزة
تحتفل المملكة العربية السعودية، اليوم، باليوم الوطني للمملكة، وهي الذكرى التي تتزامن مع تأسيس المملكة، وبدء مرحلة جديدة من المجد والوحدة؛ بفضل مُؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله وطيَّب ثراه.
ففي الثالث والعشرين من سبتمبر من العام 1932م، المتوافق مع العام 1351هـ، سجَّل التاريخ مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على مدى 32 عاماً بعد استرداده لمدينة الرياض عاصمة ملك أجداده وآبائه في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م؛ حيث صدر في 17 جمادى الأولى 1351هـ مرسومٌ ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21 من جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932م يوماً لإعلان قيام المملكة العربية السعودية.
الرؤية - خاص
... واليوم، تتجدد الذكرى الـ83 لليوم الوطني للمملكة العربية السعودية لتستعيد الأذهان مسيرة تأسيس المملكة العربية السعودية كدولة حديثة على يد الملك المؤسس الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيب الله ثراه. وقد واصل أبناؤه البررة تحقيق الإنجازات المتواصلة سياسياً واقتصادياً وتنموياً في المملكة لتجسد مسيرة البناء والرخاء للدولة الفتية، وتتواصل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ونائبه وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز. ورغم أن عقودا من الزمن لا تمثل شيئاً في حياة الأمم والشعوب، إلا أن هناك دولاً قلائل -ومنها المملكة العربية السعودية- استطاعت خلال مدة وجيزة من مولدها أو إنشائها أو وحدتها وتوحيدها، تحقيق قفزات سريعة من التقدم والرقي ومواكبة كل التطورات والتحولات التي يشهدها العالم في مختلف نواحي الحياة.. عبر مسيرة على أسس ومنطلقات ذات علاقة وثيقة بمولد ونشأة وتوحيد هذه الدولة الشقيقة.
... 83 عاماً حافلة بالإنجازات على الأرض الطيبة والتي وضع لبناتها الأولى الملك المؤسس وواصل أبناؤه البررة من بعده استكمال البنيان ومواصلة المسيرة، فكانوا خير خلف لخير سلف.
إنجازات حضارية
ومن أهم الإنجازات الحضارية للمملكة، عندما تمكن الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -يرحمه الله- من توحيد معظم أراضي شبه الجزيرة العربية وإعلان قيام المملكة العربية السعودية بعد توحيد البلاد، وتثبيت كيانها، مُنهيا بذلك حالة انعدام الأمن والاستقرار في تلك المناطق. ويمثل هذا اليوم منعطفا تاريخيا مهما، وحد فيه -المغفور له- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود هذا الكيان الكبير؛ حيث قام الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- قبل ثلاثة وثمانين عاما بخطوات ثابتة نحو إرساء دعائم التأسيس لهذا الكيان الشامخ؛ مستندا في ذلك إلى مبادئ وقيم الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة، وإعلاء كلمة الحق أولا، ثم ضمان وحدة هذا الكيان الكبير وحقوق المواطنين.
نشأة الملك عبد العزيز
وفي عام 1293هـ/1876م، ولد الملك عبدالعزيز في مدينة الرياض، ونشأ تحت رعاية والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وتعلم القراءة والكتابة على يد الشيخ القاضي عبدالله الخرجي وهو من علماء الرياض، فحفظ بعضاً من سور القرآن الكريم ثم قرأه كله على يد الشيخ محمد بن مصيبيح، كما درس جانباً من أصول الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ. وكان الملك عبدالعزيز في صباه مولعاً بالفروسية وركوب الخيل، وعرف بشـجاعته وجرأته وإقدامه وخلقه القويم وإرادته الصلبة، وقد رافق والده في رحلته إلى البادية بعد الرحـيل من الرياض، وتأثر -رحمه الله- بحياة التنقل خاصة فيما يتعلق بالجدية وصلابة العود وقوة التحمل. وعندما حل الأمير عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بالكويت كان عبدالعزيز الابن في الثانية عشرة من عمره، وقد بقي في الكويت مع والده وأسرته لمدة عشر سنوات، درس خلالها القرآن الكريم وخبر السياسة وإدارة المعارك.
وانطلق الفتى اليافع عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من الكويت على رأس حملة من أقاربه وأعوانه صوب الرياض وكان عمره 26 عاماً، وكانت الجزيرة العربية في ذلك الوقت تعج بالفوضى والتناحر، وبزغ فجر يوم الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، إيذاناً ببداية عهد جديد، حيث استطاع البطل الشاب استعادة مدينة الرياض ليضع بذلك اللبنة الأولى لهذا الكيان الشامخ، وتسلم مقاليد الحكم والإمامة بعد أن تنازل له والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل عن الحكم والإمامة في اجتماع حافل بالمسجد الكبير بالرياض بعد صلاة الجمعة. وبعد ذلك؛ شرع الملك عبدالعزيز في توحيد مناطق نجد تدريجياً، فبدأ في الفترة 1320/1321هـ بتوحيد المناطق الواقعة جنوب الرياض بعد انتصاره في بلدة الدلم القريبة من الخرج، فدانت له كل بلدان الجنوب، الخرج والحريق والحوطة والأفلاج وبلدان وادي الدواسر.
توحيد المملكة
وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ، صدر مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من نفس العام الموافق 23 سبتمبر 1932م يوماً لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية وهو اليوم الوطني للمملكة. واختارت السعودية في عهد الملك عبدالعزيز شعار الدولة الحالي "سيفان متقاطعان بينهما نخلة". أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل تتوسطه شهادة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله" باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض.
وفي العام 1357هـ/1938م استخرج النفط بكميات تجارية في المنطقة الشرقية مما ساعد على ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها، وأنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي بعد أن بدأت العملة السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الأخرى، وهكذا أرسى القائد المؤسس قواعد دولته الفتية على أرض الجزيرة العربية مستمداً دستورها ومنهاجها من كتاب الله الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبدل خوفها أمناً، وجهلها علماً، وفقرها رخاءً وازدهاراً.
التضامن الإسلامي
ومن منطلق ما أمر الله تعالى به عباده المسلمين من الإخاء والتضامن، كان الملك عبدالعزيز أول حاكم مسلم يدعو إلى هذا التضامن ويضعه موضع التطبيق، وكان أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام هو الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز عام 1345هـ وحضرته وفود من الدول الإسلامية، وكان هذا المؤتمر أول مناسبة جمعت ممثلي المسلمين في بعض الأقطار الإسلامية.
ويمكن القول بأن السياسة التي رسمها الملك عبدالعزيز وصارت إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية هي العمل على وحدة كلمة المسلمين والتضامن فيما بينهم ومواجهة أعدائهم صفاً واحداً والتعاون والتكافل، وفي هذا قال يرحمه الله: "إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير".
وفي الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م، انتقل الملك عبدالعزيز إلى رحمة الله راضياً مرضياً بعد جهاد طويل كان له بالغ الأثر في التاريخ الإسلامي والعربي، وبعد أن أقام دولته الإسلامية العصرية التي تأخذ بكل نافع ومفيد من إنجازات العصر ضمن حدود شريعة الله واستهدافاً لخدمة دين الله وخدمة المسلمين في كل مكان.
تواصل المسيرة
وبعد وفاته -رحمه الله- تحمَّل أبناؤه البررة المسؤولية من بعده في مسيرة العطاء والنماء وتدعيم بنيان الدولة مسترشدين بمنهاج الشريعة الإسلامية وملتزمين بها كنظام للحكم والشورى؛ استمراراً لنهج الوالد المؤسس ولما أرساه من القيم الإسلامية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة في المجتمع؛ ففي عهد الملك سعود -يرحمه الله- ظهرت ملامح التقدم واكتملت هياكل عدد من المؤسسات والأجهزة الأساسية في الدولة. وفي عهد الملك فيصل -يرحمه الله- تواصلت مسيرة التقدم وتحققت الكثير من الإنجازات وقامت المملكة بتنفيذ أولى خطط التنمية، كما تجددت الدعوة إلى التضامن الإسلامي ونصرة قضايا الأمة. وفي عهد الملك خالد -يرحمه الله- استمرت الدولة في خطواتها التنموية الشاملة ونفذت خطة التنمية الثانية وجزءاً من الخطة الثالثة. وكان عهد الملك فهد -يرحمه الله- عهد خير ونماء وإنجاز في كافة المجالات، وها هي مسيرة البناء والرخاء للدولة الفتية تتواصل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وعلى نفس النهج "ملحمة بطولة ونهضة أمة".
وفي يوم الإثنين 26/6/1434هـ الموافق: 6/5/2013م، مرَّت ثماني سنوات زاهرات مضيئات منذ مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظة الله- ملكاً للمملكة العربية السعودية شهدت خلالها المملكة العديد من الإنجازات التنموية العملاقة في زمن قياسي، شملت مختلف القطاعات، الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والصحية، إضافة إلى نقلات هائلة في جميع مجالات الحياة. كما اتسم عهده المبارك بسمات حضارية من أهمها وأبرزها تطوير دولة المؤسسات العصرية التي تقوم على تسهيل حياة الناس، وتطوير الخدمات، والعمل على تحقيق العدالة في التنمية المتكاملة بين مناطق المملكة المختلفة، كما نجح الملك عبدالله بن عبدالعزيز بحكمته وقيادته أن يعزز دور المملكة في جميع المجالات الإقليمية والعالمية، مما جعل للمملكة دورا كبيرا ومؤثرا في القرار الإقليمي والعالمي. فقد اهتم -حفظه الله- اهتماماً كبيراً بالتعليم من خلال رؤيته الشفافة لما سيقدمه التعليم من فتح لآفاق واسعة للمستقبل، ومن ذلك قراراته الحكيمة بإنشاء المزيد من الجامعات، ومتابعته المستمرة لما يتطلبه ذلك من دعم مادي ومعنوي، ورعايته الكريمة للطلاب والطالبات، كما أنه فتح لخريجي الجامعات آفاقاً واسعة للالتحاق ببرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي يعد أكبر برنامج حكومي للابتعاث الخارجي في العالم.
أما في القطاع الصحي، فقد أولاه عناية كبيرة، تمثلت في زيادة الإنفاق بشكل كبير على القطاع ونشاطاته ومرافقه التي تغطي مناطق المملكة. فضلاً عن التطوير الكبير الذي أنجز في القطاع القضائي، إضافة لعدد من الخطوات الإصلاحية. أما على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، فقد كانت للمملكة وقفاتها المشهودة التي تميزت بالشجاعة في قول الحق والصراحة المطلقة وهي من طبائع المليك ومكارم أخلاقه، فقد ناصرت المملكة ولا تزال الفلسطينيين وقضيتهم المشروعة، ووقفت إلى جانب الشعب السوري، وقالت للعالم أجمع إن الشعب السوري يذبح يومياً، ولم تأخذها في الحق لومة لائم. وعلى الصعيد الإسلامي كان خادم الحرمين الشريفين مدافعاً عن قيم الإسلام الخالدة.
النقل والمواصلات
وتشهد المملكة نهضة عمرانية واسعة، وتطورا غير مسبوق في قطاع الطرق والنقل والمواصلات، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى توقيع وزير النقل في المملكة هذا الشهر (ذي القعدة 1434هـ) عقود عدد من مشاريع الوزارة المعتمدة لهذا العام في مجال التنفيذ والصيانة والأعمال الكهربائية والدراسة والتصميم والحاسب الآلي بجميع مناطق المملكة مع عدد من الشركات والمؤسسات، بمبلغ وقدره (5.783.854.439) ريالًا سعوديًّا. وتتمتع المملكة بشبكة طرق داخلية متطورة وحديثة ويبلغ إجمالي طول الطرق حوالي 160 ألف كيلومتر منها حوالي 47 ألف كيلو متر طرق مسفلتة وتربط المراكز الرئيسية. ولا تزال عمليات إنشاء الطرق التي تصل المناطق النائية مستمرة وتنقل كمية كبيرة من البضائع في المملكة عبر الطرق، وهناك اتجاه بإشراك القطاع الأهلي في ملكية وصيانة وتشغيل الطرق الرئيسية.
ويمثل قطاع النقل والمواصلات شرياناً حيويًّا لتوفير بيئة ملائمة للاستثمار في كافة المجالات، وقاطرة دفع للاقتصاد الوطني من خلال تقديم خدمات نقل البضائع والركاب، ومجالا واعدا لجذب استثمارات القطاع الخاص في مشروعات النقل، وإيجاد المزيد من فرص العمل.