واشنطن- الوكالات
أصاب الشلل أمس الحكومة الاتحادية في أمريكا، مع إعلان الدولة الفيدرالية العجز عن توفير الأموال اللازمة لتسيير أعمال الوكالات الحكومية، بعد أن فشلت المفاوضات في الكونجرس للوصل إلى حل توافقي حول مشروع تمديد سقف الدين، والتصويت على مشروع قانون عاجل للانفاق.
وبالفعل أوقفت الحكومة الفيدرالية نشاطاتها لأول مرة منذ 17 عامًا. واستمر التراشق بمشاريع القوانين المتنافسة بين مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون ومجلس الشيوخ الذي يقوده الديمقراطيون حتى ليل أول أمس الاثنين، لكن الكونجرس تعثر بسبب محاولات الجمهوريين استخدام مشروع قانون مؤقت للإنفاق من أجل تأجيل تطبيق قانون الرعاية الصحية الذي يتبناه الرئيس باراك أوباما والمعروف باسم "أوباما كير". ومن غير الواضح إلى متى سيستمر توقف الأنشطة الحكومية. ولن تمس الفجوة التمويلية بعض الوظائف الحيوية مثل الأمن القومي لكنها ستؤدي إلى تخفيضات حادة في كثير من الهيئات التنظيمية وإجازات بدون أجر لما يصل إلى مليون موظف في الحكومة الاتحادية.
وأصدر البيت الأبيض، أمرًا للوكالات الاتحادية الأمريكية ببدء تنفيذ آلية وقف نشاطاتها، بعدما فشل الكونجرس في إقرار ميزانية تحول دون تعطيل الحكومة والتوصل إلى حل بسبب التباعد الكبير بين مواقف الجمهوريين والديمقراطيين. وقالت مديرة مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض سيلفيا بورويل في مذكرة "ليس لدينا للأسف مؤشر واضح بأنّ الكونجرس سيتحرك في الوقت المناسب حتى يوقع الرئيس على ميزانية قبل انتهاء مهلة الغد في الأول من أكتوبر 2013". وتابعت "على الوكالات الآن تنفيذ الخطط لتعطيل نشاطاتها بشكل منتظم في غياب الأموال". ودعت بورويل الكونجرس إلى إقرار ميزانية مؤقتة قائلة "نحث الكونجرس على المسارعة في إصدار قرار لتوفير تمويل قصير الأجل يضمن وقتا كافيا لإقرار ميزانية لبقية السنة المالية ولإعادة تشغيل الخدمات العامة الحيوية". وتضطر الوكالات الحكومية الاتحادية في الولايات المتحدة بذلك إلى منح أكثر من 825 ألف عامل من إجمالي مليوني عامل في الدولة، إجازة بدون راتب بسبب غياب التمويل. كما ستغلق الحكومة كل المتنزهات الوطنية. غير أنّه لن تتأثر الخدمات الأساسية ذات الصلة بالأمن القومي الأمريكي والبريد والمرور وأجهزة تطبيق القانون. وبعدما رفض مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعي ميزانية وضعهما مجلس النواب، أعلن القادة الجمهوريون أنّهم عازمون على التصويت مجددًا على نص اعتبره الديمقراطيون غير مقبول، إذ يمس بإصلاح الضمان الصحي الذي يعتبر من أهم إنجازات ولاية أوباما الأولى. وكان أوباما قد عبر عن أمله في التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة داخل الكونجرس، وأوضح أنّ شل الدولة الاتحادية سيكون له أثر كبير على الاقتصاد. وقال إنّ النظام الصحي سيطبق مهما حصل. وبعيد منتصف ليل أمس الأول كتب الرئيس في تغريدة على موقع تويتر "أقدموا فعلاً على ذلك. مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب فرضوا للتو تعطيلا حكومياً حول أوباماكير بدل إقرار ميزانية حقيقية". وكان أوباما اتهم في وقت سابق الجمهوريين باحتجاز أمريكا رهينة لمطالبهم السياسية "المتطرفة" فيما رد خصومه باتهام حلفائه الديمقراطيين بالغطرسة. وقال أوباما في كلمة تلفزيونية وجهها من البيت الأبيض "لا يمكنكم الحصول على فدية من أجل القيام بعملكم، القيام بما يفترض بكم القيام به في مطلق الأحوال". وقال "إن فصيلاً واحداً من حزب واحد في مجلس واحد من الكونجرس في فرع واحد من الحكومة لا يمكنه تعطيل الحكومة برمتها لمجرد شن معركة جديدة على نتائج انتخابات" في إشارة إلى إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية. وقال الجمهوري جون باينر رئيس مجلس النواب في كلمة ألقاها بالمجلس "لم آت إلى هنا لتعطيل الحكومة. الشعب الأمريكي لا يريد تعطيلاً حكومياً، وأنا أيضا لا أريده".
ويشكل فشل الكونجرس في التوافق ذروة صراع متواصل منذ 33 شهرًا حول الميزانية بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب في يناير 2011 مع انتخاب عشرات من أعضاء حركة حزب الشاي المحافظة المتطرفة. ويدور المأزق الحقيقي حول نظام "أوباماكير" الصحي، وهي التسمية التي تطلق على إصلاح النظام الصحي الذي أقره باراك أوباما عام 2010 وكان أبرز إنجازات ولايته الرئاسية الأولى. ويسعى الجمهوريون لربط أي اتفاق على ميزانية بتأخير بدء تطبيق إصلاح الضمان الصحي أو تفكيكه أو إلغاء التمويل له. ويتّهم الجمهوريون الرئيس برفض التفاوض بنية طيبة معهم، فيما يقول البيت الأبيض إنّ أوباما كير بات قانونا نافذًا ولا مجال لمنع وضعه حيز التنفيذ لتأمين ضمان صحي لجميع الأمريكيين. وأصدر الرئيس قانوناً يضمن دفع رواتب العسكريين في الوقت المحدد مهما حصل. ولا تظهر أي بوادر تشير إلى تسوية سريعة لهذا المأزق، فيما يحذر خبراء الاقتصاد من انعكاس العرقلة على الانتعاش الاقتصادي الهش في حال استمر تعطيل الجهاز الفيدرالي عدة أسابيع.