تباين الآراء حول "معقولية" تقديرات الإيرادات النفطية
إجماع على ضرورة إنهاء عصر "المصدر الأساسي للدخل " .. وإشراع الأبواب للتنويع
مخاوف من التقلبات السعرية للنفط .. ودعوات إلى تبني "ميزانية ظل" تحسبا لتهاوي الأسعار
الوزير المسؤول عن الشؤون المالية: ارتفاع الإنفاق الاستثماري مرتبط بتغير طبيعة النفط
الرمحي: عصر النفط السهل ولى.. والاستثمارات تحقق المزيد من العائد
البوسعيدي: الاعتماد على النفط والغاز كمصدر "شبه وحيد" للإيرادات يمثل تحديا كبيرا
ريسوتشي : " تنمية نفط عمان " لا تتوانى عن قهر الصعاب لزيادة المحصلة الإنتاجية
باعمر : نقطة التعادل بين الإيرادات والإنفاق عالية وتصل إلى 112 دولارا للبرميل
الرؤية - نجلاء عبد العال
لا تزال الموازنة العامة للدولة، مرتهنة للنفط الذي تتمدد درجة الاعتمادية على إيراداته لتفوق الـ80% من مجمل الإيرادات المقدرة لموازنة هذا العام وما سبقه ، وما يلي من أعوام – على الأقل في المدى المنظور- ..
هذا واقع ، تعضده أرقام الموازنة للعام الحالي حيث تمثل الإيرادات النفطية ما نسبته 83% من جملة الإيرادات العامة، بينما تمثل الإيرادات غير النفطية نسبة 17% ونصف هذه النسبة عبارة عن الحصيلة المقدرة للضرائب والرسوم.
وعندما اعتمدت الحكومة مبلغ 13.5 مليار ريال عماني حجماً للإنفاق العام المعتمد في الموازنة الحالية، تعلم أنه قد يترتب على ذلك شيء من المغامرة باعتبار أن التقديرات قائمة على سعر سلعة ليس من السهل التكهن بمساراتها المستقبلية لصعوبة التنبؤ بما قد يصل إليه السعر خلال مدى قصير أو طويل، الأمر الذي يتطلب استصحاب خيارات موازية وإجراءات تكفل تعديل الإنفاق في حال انخفاض أسعار النفط.
ويعلي كل هذا من قيمة التنويع الاقتصادي، والذي بدأ الحديث عنه باكرًا ، حيث إنه ومنذ أن شرعت السلطنة في وضع أول خطة خمسية لها وهدف التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية أصبح فقرة تتكرر على مدى أكثر من 20 عاماً .
وخلال إعلان معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية عن تفاصيل الميزانية العامة للدولة كان أيضًا الهدف واردا في البيان الذي ألقاه معاليه حيث قال "إن الحفاظ على المنجزات والمكتسبات الاجتماعية والاقتصادية والإبقاء على سلامة الوضع المالي للحكومة يتطلب: العمل على ترشيد الإنفاق الحكومي وضبطه في الحدود القابلة للاستدامة، ومراجعة الإيرادات غير النفطية بهدف تنميتها وتحسين هيكلها، والدفع بعملية التنويع الاقتصادي، وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال: تعزيز مساهمة القطاعات الواعدة كالسياحة والزراعة والثروة السمكية، وتشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، وتفعيل الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص".
الكلفة والمخاطر
وفي موضوع جوهري كالنفط ، هناك نقطتان في غاية الأهمية أولهما تعظيم الاستفادة من هذا المورد والذي يتطلب بدوره مزيدا من الإنفاق لتكتمل الدائرة بحساب الفائض ما بين الإنفاق الواقع والعائد المتوقع، وكما أكد معالي الدكتور محمد الرمحي وزير النفط والغاز في تصريح سابق للرؤية ، فإن عصر الاستخراج السهل للنفط قد ولى، وأن السلطنة مضطرة لمواجهة الصعوبة الآنية لاستخراج النفط بعد أن تم استخراج معظم النفط الأكثر سيولة والقريب من السطح، ليكون الآن النفط على أعماق كبيرة تصل إلى 7 كيلومترات تحت الأرض، إضافة إلى ارتفاع لزوجة النفط والاضطرار إلى استخدام سبل تعزيز لضخه إلى السطح.
وهذا أيضاً ما أوضحه معالي درويش البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية لـ"الرؤية" حيث أكد على أن الظروف التي يواجهها استخراج خام النفط العماني ليس منها مفر فهذه طبيعة وجيولوجيا ليس بيد البشر تعديلها لكن بالإمكان التعامل معها، وأن هذا ما تقوم به الشركات العاملة في الاستخراج بالسلطنة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع كلفة الإنتاج يومًا بعد يوم لكنه إنفاق حتمي، وكما قال معاليه فإن "عدم الإنفاق على مزيد من التطوير لعمليات استخراج النفط قد يؤدي ليس فقط إلى بقاء مستوى الإنتاج على حاله بل إلى انخفاض الإنتاج بشكل كبير على عكس المبتغى في زيادة الإنتاج بحيث يصل إلى مليون برميل يوميا خلال عامين، بدلا من المعتمد حاليا عند 945 ألف برميل يوميا خلال عام 2014.
قهر الصعاب
ويؤكد راؤول ريسوتشي المدير العام لشركة تنمية نفط عمان الحكومية أن الشركة لا تألو جهدا في البحث عن كل الوسائل الممكن استخدامها في استخراج النفط خاصة في المناطق الصعبة والجبلية، حيث تستخدم أحيانا أكثر من وسيلة من وسائل الاستخراج المعزز مثل البخار الساخن الذي يتم ضخه لتسييل النفط اللزج حتى يمكن ضخه للاستخراج، إضافة إلى الطرق الأخرى التي تستهدف نفس النتيجة، موضحاً أن الشركة تعمل على أن يكون الأسلوب الذي تتبعه غير مؤثر على البيئة وعلى سبيل المثال فإنّ البعض لا يعرف أن كل برميل من النفط يتم استخراجه يخرج معه على الأقل برميل من الماء، هذا بدون احتساب كمية الماء الساخن التي يتم ضخها لتسييل النفط وتعزيز استخراجه، وهذه الكميات لابد من معالجتها قبل التخلص منها، كل هذا يشكل تحديات أمام عمليات الإنتاج وكلفتها.
تنامي الاحتياجات المحلية
وبحديث الأرقام يمكن توضيح بعض النقاط في معادلة الكلفة والسعر، فالمقدر في الميزانية العامة أن يتم إنتاج 945 ألف برميل يوميا، أيّ أن المستهدف إنتاج نحو 28.74 مليون برميل شهريا وهو هدف يمكن بلوغه حسب الدراسات الموضوعة وحسب ما صرح به المسؤولون بوزارة النفط والغاز ، لكن بالنظر إلى واقع إنتاج وتصدير النفط خلال العام المنصرم ، نجد أن إجمالي الإنتاج في شهر ديسمبر بلغ 29.29 مليون برميل أي بمعدل يومي قريب من المعدل المستهدف في ميزانية العام الحالي، لكن على الجانب الآخر هناك مشكلتان أساسيتان تتعلقان بكلفة الإنتاج من ناحية، وبتزايد احتياجات السلطنة الاستهلاكية من النفط والغاز من ناحية أخرى.
وفيما يتعلق بكلفة الإنتاج فإنه وفقاً لآخر البيانات المتاحة فإن مجموع الإيرادات النفطية بنهاية نوفمبر 2013 بلغ 11081.8 مليون ريال حيث كان صافي إيرادات النفط بهذا الوقت يبلغ 9749.4 مليون ريال، إضافة إلى صافي إيرادات الغاز البالغ 1332.4 مليون ريال، وهذا يعني أن النفط والغاز أمدا خزينة الدولة خلال 11 شهرًا بما يناهز 11.08 مليار ريال، لكن في الكفة الأخرى كانت عمليات إنتاجهما قد سحبت من الخزينة العامة خلال هذه الفترة ما مجموعه 1.4 مليار ريال بنهاية نوفمبر 2013، حيث كانت مصروفات إنتاج النفط الجارية تبلغ 311.6 مليون ريال إضافة إلى مصروفات الإنتاج الاستثمارية التي بلغت 634.9 مليون ريال، ووصلت مصروفات إنتاج الغاز الجارية إلى 64.3 مليون ريال، والاستثمارية إلى 394.2 مليون ريال.
التحوط لزيادة كلفة الإنتاج
وتبدو نسبة الكلفة إلى العائد معقولة ومقبولة ، لكن لابد من الاستعداد لزيادة هذه النسبة كلما مر الوقت ، ورغم أنه قد تكون الزيادة طفيفة لكنها لا مفر منها، وتبدو هذه الزيادة ملحوظة عند مقارنة بسيطة مع نفس البيانات ونفس الفترة لكن في عام 2012، فقد كان مجموع الإيرادات النفطية 11074.9 مليون ريال، منها 9663.3 مليون ريال صافي إيرادات النفط، و1411.6 مليون ريال صافي إيرادات الغاز، فيما كان مجموع المنفق على النفط في نهاية نوفمبر 2012 يبلغ 1325.4 مليون ريال، حيث بلغت مصروفات إنتاج النفط الجارية 248 مليون ريال والاستثمارية 643.6 مليون ريال، وبلغت مصروفات إنتاج الغاز الجارية 75.6 مليون ريال والاستثمارية 358.2 مليون ريال، ويمكن ملاحظة أن الزيادة التي تحققت في صافي إيرادات النفط قد تساوت تقريبًا مع الزيادة في الإنفاق.
أما خلال العام الحالي، فإنه وكما أعلنت الحكومة تقدر الإيرادات النفطية بمبلغ 9.65 مليار ريال عماني، فيما يصل إجمالي مصروفات إنتاج النفط والغاز 1.822 مليون ريال حيث تبلغ مصروفات إنتاج النفط الجارية 340 مليون ريال والمصروفات الاستثمارية 690 مليون ريال، وارتفعت مصروفات إنتاج الغاز الجارية إلى 92 مليون ريال والاستثمارية إلى 700 مليون ريال.
جسامة التحدي
ويرى سعادة محمد البوسعيدي عضو مجلس الشورى، أن الاعتماد على النفط والغاز كمصدر شبه وحيد للإيرادات يمثل تحدياً كبيرًا ومرضًا تمّ تشخيصه منذ زمن - لكن للأسف- طوال هذه الفترة التي جاوزت 20 عاماً، لم تخرج خطة عملية محددة بتوقيت وبرامج لعلاج هذا التحدي المزمن، ويشير إلى أن الحل يبدأ من توجيه الجزء الأكبر في مشاريع نوعية تجذب الاستثمارات إلى المجالات التي يمكن أن تحقق عائدًا سريعًا وكبيرًا وينفق من هذا العائد على مشاريع تجذب استثمارات في مجال آخر وهكذا.
وفيما يتعلق بحجم الإنفاق على النفط وتقدير الإيرادات المتوقعة يقول سعادة عضو مجلس الشورى: إنّ السعر المقدر بـ85 دولارا للبرميل في ميزانية العام الماضي كان معقولا للاستفادة من الزيادة العالمية في أسعار النفط بعد تراجع حدة أزمة 2008 العالمية، ولكن استمرار تقدير هذا السعر للعام الحالي ربما كان يحتاج لمزيد من المراجعة، موضحاً أن هناك نقاطا ينبغي العلم بها في هذه المسألة أولها أن السلطنة لا تقوم بتصدير كامل إنتاجها من النفط بل إن نسبة تصل إلى نحو 20% منه يبقى للاستهلاك المحلي وتتزايد هذه النسبة يوما بعد يوم، كذلك فإنّ هناك تكلفة للاستخراج والنقل للتصدير وخدمات لوجستية لازمة لهذا الغرض وهذه لها كلفتها، كما إن شركات الاستكشاف والإنتاج لبعضها حصة فيما يتم تصديره لذلك فإنّ الحديث عن كميات مجردة من الإنتاج مقابل سعر محدد للبرميل قد يولد لدى غير الملمين بالتفاصيل تقديرات خاطئة عن الدخل من النفط والغاز حيث يحسبون مقدار الإنتاج مضروبا في سعر البرميل ويعتبرون أن هذا دخلا صافيا للسلطنة من الدولارات يوميًا وهذا غير دقيق.
أما النقطة الثانية فهي أن أسعار النفط مرتبطة بظروف متشعبة تربط الاقتصاد بالسياسة والشرق بالغرب وخلال الفترة الماضية كانت هناك عوامل متضاربة تسببت في تذبذب سعر برميل النفط لكن العامل الغالب في دعم ارتفاع السعر كان هو العامل السياسي في المناطق والدول المنتجة للنفط والتي طغى عليها التراجع والأزمات في الاقتصاد العالمي والتي غالبا ما ترتبط بتراجع أسعار النفط، أما الفترة الحالية فإنّ الأزمات السياسية المرتبطة بإيران وليبيا وحتى سوريا تراجعت حدتها بشدة، وبالتالي فإنّ المشكلات المتعلقة بإنتاج ونقل النفط لن تكون مثيرة للمخاوف مثلما كانت في العام الماضي والتي كانت وراء بقاء سعر البرميل فوق 105 دولارات للبرميل، لذلك نخشى أن يطغى العامل الاقتصادي العالمي الذي لم ينخفض تأزمه خاصة في أمريكا وأوروبا، هذا بالطبع إضافة إلى مسألة الزيت الصخري الذي بدأ ينتشر الحديث عن إنتاجه بصورة ضخمه قد تعيد رسم خريطة إنتاج النفط وتصديره.
ولكن سعادته يأمل أن يظل متوسط السعر فوق الحدود المقدرة في الميزانية حتى لا تضطر الميزانية لمواجهة ظرف صعب، ومع ذلك فإنّ سعادة محمد البوسعيدي يرى أنه من المهم مراجعة تفاصيل كلفة الإنتاج بشكل أدق لأنّ توفير نصف دولار في إنتاج كل برميل من النفط يمكنها أن تكون في النهاية مبلغًا كبيرًا، كما يرى أن تأهيل الكوادر العمانية وتدريبها على جميع نوعيات الأعمال والوظائف في هذا المجال يمكنها أن توفر بشكل غير مباشر في كلفة الإنتاج لأنها ستعود على المواطنين سواء العاملين في مجال النفط من خلال رواتبهم أو للاقتصاد بشكل عام من خلال إنفاق هذه الرواتب داخل السلطنة.
لا مناص من زيادة الإنتاج
ومن ناحيته يقول المهندس محمد بن حسن الذيب باعمر الرئيس التنفيذي الشركة العمانية للخدمات اللوجستية المتكاملة إنه وبالرغم من بناء الموازنة على أساس سعر النفط 85 دولارا للبرميل ، إلا أن نقطة التعادل بين الإيرادات والإنفاق عالية حيث تصل إلى 112 دولارًا للبرميل في موازنة 2014 أي بنسبة ارتفاع 32% عن ما كانت عليه عام 2010، وهذا سيشكل بلا شك تحديا للحكومة في مواصلة بناء احتياطيات مالية جيدة مستقبلا، لكنه يرى أن القائمين على وزارة المالية لديهم الحلول الناجعة لمواجهة مثل هذا التحدي، مشيرا إلى أهمية العمل السريع على زيادة إنتاج النفط والغاز، والاستمرار في تعزيز تنويع مصادر الدخل بشكل أكبر والتركيز على المشاريع ذات القيمة المضافة العالية والتي توفر أكبر عدد من فرص العمل كالمشاريع السياحية وغيرها.
ويوضح الذيب أن الأرقام التي تم الإعلان عنها في موازنة 2014 تعتبر أرقاما متوازنة وواقعية مقارنة بالتغيرات الكبيرة التي أدخلت بالموازنة والمرتبطة بالجانب الاجتماعي. كما إنها تشير إلى استمرارية تحقيق النمو في مختلف القطاعات الاقتصادية. أما العجز الحاصل في الموازنة العامة للدولة فناتج عن الزيادات في الرواتب والأجور إضافة إلى زيادة عدد العاملين المنضمين للقطاع العام خلال السنتين الماضيتين والاستمرار في الإنفاق العام على المشروعات هذا بالإضافة إلى استمرار الحكومة في دعم بعض السلع مثل الوقود وغيرها.
ويرى أن الاستمرار في معدلات الإنفاق بالوتيرة الحالية يعتبر أمرا إيجابيا، وهذا مؤشر على أن معظم القطاعات والأنشطة الاقتصادية ستحقق نموا خلال العام لاسيما وأنها تركز على القطاع الاجتماعي بشكل أكبر من خلال زيادة الأجور وزياة عدد العاملين بالقطاع العام إضافة إلى الاهتمام بالشباب ودعمهم وتوجيههم نحو ريادة الأعمال بناءً على التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة. وهذا بدوره سيحقق الأمن الاقتصادي للمواطن بتوفير العيش الكريم له ولأسرته في بلده. كما سيعزز من القيمة الشرائية في السوق وينمي سوق العقار من خلال سعي المواطن لتوفير السكن الملائم له ولأسرته، مشيرًا إلى أنّ وتيرة الإنفاق على المشاريع التنموية لم تتأثر بل تمضي بنفس الوتيرة التي هي عليها في الأعوام الماضية مما يدل على أنّ الموازنة روعي فيها الواقعية والتوازن.