إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الوفد السوري بين جنيف 1 و2 .. "فلاش باك" 92 عاما

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الوفد السوري بين جنيف 1 و2 .. "فلاش باك" 92 عاما


    اسطنبول- الأناضول
    نعم هذه هي مدينة جنيف السويسرية الشهيرة... ونعم هذا الملف الذي يتصفحه المؤتمرون الدوليون يحمل الاسم ذاته "القضية السورية."..
    ولكن وإن توحد المكان والقضية وبعض الأسماء، إلا أن الزمان مختلف.. وكذلك الفاعلين فيه.. فهذا الرجل ذو الملامح الأميرية ليس رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا، ولا سلفه معاذ الخطيب... وإنما هو الأمير شكيب أرسلان (من أصل لبناني) رئيس الوفد السوري الفلسطيني، الذي تشكل في 2 مايو عام 1922، بعضوية كل من سليمان بك كنعان (من أصل لبناني)، وإحسان بك الجابري (من أصل سوري)، لرفض الانتداب الفرنسي والبريطاني على سوريا ولبنان وفلسطين.
    ورغم مرور كل هذه السنوات، إلا أن النتائج لم تكن مختلفة كثيرا، فجهود الوفد السوري قبل نحو 92 عاما لم تنجح إلا في انتزاع بعض التصريحات الداعمة للقضية، لكنها لم تتحول أبدا إلى تحرك دولي لإنهاء الانتداب على الأرض، وهو الواقع نفسه حالياً على أعتاب جنيف 2 وبعد 3 سنوات من الثورة السورية والجهود السياسية الحثيثة، في أروقة المجتمع الدولي.
    وفيما يلي نتلمس أبرز ملامح المنهج الذي تبناه الوفد السوري الفلسطيني قبل نحو قرن من الزمان بقيادة الأمير شكيب أرسلان، منذ اجتماع الجمعية العامة لعصبة الأمم المتحدة بجنيف (1) في 15 مايو 1922، إلى جنيف (2) في نهاية أغسطس من العام نفسه:
    أولاً: جهود مكوكية حثيثة: فمنذ انطلاقه في تحركاته الدولية في مايو 1922 وحتى 31 أغسطس من العام نفسه، شارك الوفد في 4 مؤتمرات دولية، أحدها اقتصادي، و3 منها اجتماعات لجمعية عصبة الأمم، فضلاً عن اللقاءات التي عقدها مع الحكومات والأحزاب الأوروبية في عدة دول، ورجال الأعمال والدولة والإعلام المؤثرين، من قادة الرأي العام العالمي.
    وهذه المؤتمرات هي؛ مؤتمر جنوى (إيطاليا) الدولي الاقتصادي 12 مايو/ 1922 مجلس جمعية عصبة الأمم 15 مايو بجنيف ومجلس جمعية عصبة الأمم بلندن 15 يوليو جمعية عصبة الأمم في 31 أغسطس
    ثانياً: وضوح الرؤية تجاه المطالب وتحديدها: وتمثلت في: الاعتراف بالاستقلال والسلطان القومي لسورية ولبنان وفلسطين والاعتراف بحق هذه البلاد في أن تتحدث معًا بحكومة مدنية مسؤولة أمام مجلس نيابي عام، ينتخبه الشعب وإعلان إلغاء الانتداب عن هذه البلدان حالا. و جلاء الجنود الفرنسيين والإنجليز عن سوريا ولبنان وفلسطين. وإلغاء "تصريح بلفور" المتعلق بوطن قومي لليهود في فلسطين.
    ثبات المطالب مع تنوع أسلوب العرض بما يتناسب مع كل جهة توجه إليها: ففي مؤتمر جنوى الاقتصادي أكد الوفد في مذكرته على "الاتصال بين المسائل السياسية والاقتصادية، وتأثير الأولى على الوضع الاقتصادي العالمي"، لافتا إلى أهمية سوريا ولبنان الاقتصادية في الشرق، ومستعرضا تدهور الوضع الاقتصادي فيهما في ظل الانتداب، مقارنة بالوضع في ظل الحكم العثماني، قائلا "إن أهم البلاد التي كان السوريون ينقلون إليها ما تحتاجه من البضائع الأوروبية، هي الأناضول والعراق والحجاز".
    وأضاف "كان السوريون في زمن السلطنة العثمانية، عثمانيين يتمتعون بنفس ما يتمتع به الترك من الحقوق، فكانوا يشغلون المناصب في جميع فروع الإدارة التركية، وكان لهم نواب في البرلمان العثماني، بلغ عددهم ثلث أعضاء مجلس النواب".
    مثال آخر في هذا السياق هو مسايرة الوفد لجمعية الأمم المتحدة حينما جعلت مبدأ الانتداب خارج النقاش، في جنيف1، فلم ييأس الوفد وراح يفند ممارسة فرنسا لمبدأ الانتداب في ظل قوانين عصبة الأمم نفسها قائلاً "إن المادة 22 من عهد جمعية الأمم التي تضع البلاد المعترف باستقلالها في الدرجة الأولى، من درجات الوصاية (الانتداب) قد اخترقت في سوريا، فلا وجود للاستقلال بدون جمعية مؤسسة وسلطة وطنية، أو حكومة حرة، يختار الشعب رئيسها".
    الحرص على إنشاء كيانات تعبر عن القضية كلما كان ذلك ممكنًا: حيث أنشأ الوفد خلال تواجده في جنوى شعبة شرقية في غرفة تجارة جنوى، لتوسيع العلاقات التجارية بين إيطاليا وسوريا.
    الحرص على الالتقاء بقادة الرأي والشخصيات والقوى المؤثرة: سافر الوفد خاصة لروما، فالتقى برئيس الحزب الكاثوليكي أحد أهم الأحزاب آنذاك، وهو عمدة الفاتيكان في الوقت ذاته، وانتهى اللقاء بإعلان الحزب معارضته للانتداب على سوريا ولبنان، وهو نفس ما تكرر مع الحزب الفاشستي، كما التقوا في جنوى بأحد كبار أثرياء أمريكا التي كانت تدعم فرنسا آنذاك، وهو المستر فاندرليب، والذي اختتم اجتماعه مع الوفد، بإعلانه أنه "من مصلحة أمريكا أن تبقى سوريا حرة".
    الإلحاح في عرض القضية: في جنيف 1، حرص الوفد على تقديم نسخة من تقريره الذي رفعه لجمعية الأمم المتحدة، للدول الأعضاء كل على حدة، وكذلك قام بإعداد ملف معلوماتي كامل عن القضية السورية، صار يقدم نسخة منه لمندوبي الدول في المؤتمرات والفعاليات واللقاءات المتوالية، ولم يستثن من ذلك فرنسا وأمريكا نفسيهما، حيث أرسل مخاطبات بمطالب الوفد وشرح القضية للحكومات والساسة والرجال الدولة وقادر الرأي ووسائل الإعلام فيهما.
    الاهتمام بدور الإعلام وتأثيره: استطاع الوفد أن يجعل الصحف الغربية تتابع أخباره بدقة، وكان يرسل برقية لوسائل الإعلام بكل تحرك أو خطوة أو قرار أو مخاطبة أو أي جديد في تحركاته.
    الاهتمام بالظهير الشعبي: أدرك الوفد جيدا أن الدور السياسي الذي يقوم به لابد أن يكون له ظهيرا شعبيا ميدانيا يدعمه، ويصطف حوله، فبالتزامن مع انعقاد جمعية الأمم المتحدة، في لندن، دخل الشعب السوري في إضراب عام لثلاثة أيام، شاركت فيه حتى النساء وتعرضت بعضهن للاعتقال لساعات، كما أرسل الأفراد والهيئات والقوى السياسية، وشرائح الشعب المختلفة من نساء ومبعدين وتجار وطلاب وغيرها برقيات للصحف تعلن تأييدها للوفد ودعمها للمطالب التي يرفعها.
    توظيف مصطلح "الإرهاب": فالإرهاب ليس مصطلحا جديدا في قاموس السياسة الدولية الحديثة، وإنما هو متجذر منذ ذاك الزمن، وإن كان إنزاله على الواقع تباين تباينا شاسعا، فبينما توصم به اليوم شعوب ترنو للتحرر، كان وصفا دقيقا استخدمه الوفد لوصف الحكم العسكري في ظل الانتداب، وحكم المستعمر في رقاب الشعوب.
    حيث رد الوفد على قول رئيس وزراء فرنسا "بوانكاره"، الذي قال إنّ بلاده جاءت لنشر الحرية في ربوع سورية، ببرقية جاء فيها "إن هذه السنوات الثلاث (منذ بدء الانتداب) التي عانت فيها سورية حكم الإرهاب، قد أظهرت مهمة التحرير التي تشيرون إليها".
    وفي تقريره لجنيف 1 وصف الوفد اجتياح القوات الفرنسية دمشق بأنه "إخضاع البلاد لسلطة عسكرية جائرة، بعد تمزيقها وإعمال حكم الإرهاب فيها"، كما وصف محاولة السلطة الفرنسية قمع إضراب الشعب في يوليو بالتزامن مع مؤتمر لندن بأنها استعملت في سبيل ذلك "كل وسائل الإرهاب".
    خطاب قوي حاسم، ولكن لا يغلق باب الحوار: هذا ما اتسمت به تقارير وخطب ومذكرات الوفد خلال الشهور الأربعة، جاء منها في مذكرة جنوى "قد يهولنا أن نوقد النار في الشرق الأدنى، ونخلق المشاكل للدول الأوروبية، ولكن هذا الأمر لا يوقفنا لأننا غير مسؤولين عنه، ما دمنا قاصرين على طلب حق الحياة التي يريد المستعمر أن يحرمنا منها".
    ومن أقوى وأشمل ما قيل هو ما جاء على لسان الأمير شكيب أرسلان في مأدبة أقامها في لندن (يوليو/تموز 1922) على شرف الوفد، الفلسطيني موسى كاظم باشا الحسيني بحضور لفيف من قادة الرأي في المجتمع الدولي.
    حيث قال أرسلان "إنّ الدول التي تصرفت بحقوقنا دول عظيمة، ولكن دولة الحق أعظم من كل دولة. ولهذا، فإننا لن نرضخ لحكم مجلس جمعية الأمم، الذي ليس له في نظرنا أدنى اعتبار أو قيمة. ونحن شعب لا نحترم الدول إلا بمقدار احترامها لحقوقنا المقدسة"، واستدرك عليه سليمان بك كنعان بقوله "إن الأمم تبقى وتدوم، والحقوق لا تفنى، وإنما.. يفنى غاصبوها".
يعمل...
X