دافوس (سويسرا) - رويترز
قد يبدو ظاهريًّا أن تضافر عدة عوامل؛ من بينها: انخفاض أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، ووفرة السيولة، وتسارع وتيرة النمو الاقتصادي، سيساهم في دعم تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية العام الجاري.
وانطلاقا من الثقة بتحسن آفاق أكبر اقتصاد في العالم مهد مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) السبيل لإنهاء برنامج التحفيز النقدي فيما يبدو المستثمرون مستعدين لهذا التحول إثر موجة اضطراب في الأسواق العام الماضي. غير أن مساعي البنك المركزي الأمريكي للعودة لمجموعة السياسات التي كانت قائمة قبل الأزمة ما زالت تمثل قفزة هائلة إلى المجهول في وقت تنهي فيه برنامجًا غير مسبوق من طباعة النقود.
وقد يُهدد أي تحرك خاطئ مساعي انعاش الاقتصاد العالمي وهي معضلة واحدة فحسب من المعضلات التي تواجه مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا في اجتماعهم السنوي في دافوس. وبوجه عام، تشمل المخاطر التي يواجهونها نموا أبطأ من المتوقع في الولايات المتحدة وانكماشا في منطقة اليورو وغياب الإصلاحات الهيكلية في اليابان والقروض المتعثرة في الصين. وما من شك أن التحديات لا تقتصر على ذلك. وقال مايكل سبنسر الاقتصادي في دويتشه بنك: "في حين يسعى مجلس الاحتياطي لعودة اسواق النقد لحالتها الطبيعية تفاديا لفقاعة ائتمانية تحاول الصين تنفيذ اصلاحات في القطاع المالي لوضع حد لفقاعة ائتمانية." وقد يميل ميزان المخاطر هذا العام تجاه الولايات المتحدة ومنطقة اليورو حتى إن بدا أن الصين واليابان يواجهان تحديات أكبر فيما يخص السياسات. ووضع المستثمرون في الحسبان العديد من الانباء الجيدة في ضوء تسجيل الأسهم الأوروبية أعلى مستوى في خمسة أعوام ونصف العام في الأسبوع الماضي. وفي حالة تسجيل نمو أضعف من التوقعات قد تضطرب الأسواق ويتعثر التعافي العالمي.
وقال آندرو بوسومورث مدير محفظة في بيمكو -أكبر صندوق سندات في العالم: "قد يقود نموًّا أضعف مما تتوقعه الأسواق لحركة تصحيح. وفي حالة الأسهم تنبأت الأسواق بأوضاع اقتصادية أكثر اشراقا." ويواجه واضعو السياسيات في الولايات المتحدة واوروبا تحدي ضبط التوقعات في حين لا يحقق التضخم الاداء المطلوب. ويخشى بعض مسؤولي مجلس الاحتياطي الاتحادي ان تشير زيادة الأسعار البطيئة إلى أن التعافي في الولايات المتحدة ليس بالقوة التي يبدو عليها إذ إن التضخم غالبا ما يصاحب النمو وتوفير وظائف. وفي ظل الضبابية، ينبغي أن يُقنع المسؤولون في البنك المركزي الأمريكي المستهلكين المترددين بان زيادة أسعار الفائدة لا تزال بعيدة المنال حتى مع دنو نهاية حقبة التيسير الكمي.
وقال ساسان قهرماني الرئيس التنفيذي لماركو ادفايزورز -ومقرها نيويورك: "لا يرتبط التحدي التالي لمجلس الاحتياطي بخفض برنامج التحفيز، بل بأسعار الفائدة والتوقعات." وإذا لم يكن البنك المركزي مقنعا فقد ترتفع أسعار الفائدة التي تحدد تكلفة الاقتراض اسرع من اللازم وتقوض التعافي في الولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، ستخرج الاستثمارات من الأسواق الناشئة مع عودة الصناديق الأمريكية للاستثمار في الداخل في ظل إغراء العائد الأعلى. وإذا كان التضخم المنخفض محيرا في الولايات المتحدة فان الاسعار قد تنخفض فعليا في أوروبا.
وأبدت كريستين لاجارد مدير عام صندوق النقد الدولي، التي تلقي كلمة في دافوس يوم الخميس، قلقها الأسبوع الماضي. وقالت: "إن كان التضخم ماردا فالانكماش غول يجب محاربته بكل قوة".
ويفرِّق رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي بين الانكماش المتمثل في انخفاض الاسعار على المدى الطويل وتعديلات داخلية للأسعار ضرورية في بعض الدول بما يُعزز قدرتها على المنافسة. وقال بوسومورث: "ثمة مخاطرة أن يتحول خفض القيمة في الداخل الذي تضطر إليه بعض الدول إلى انكماش تدريجيًّا." وكثيرا ما تحدَّث دراجي عن استعداد البنك المركزي الأوروبي للتحرك، ولكن البنك لم يبد رغبة في تنفيذ برنامج تيسير كمي على غرار ما قام به مجلس الاحتياطي الاتحادي لتحفيز الاقتصاد. وفي ذات الوقت الذي يتهدد فيه الانكماش منطقة اليورو. وسجل معدل التضخم في منطقة اليورو 0.8 في المئة وهي أقل كثيرا من الهدف الذي وضعه البنك المركزي الأوروبي عند أقل من اثنين بالمئة، لكنها تصل إلى ناقص 2 بالمئة في اليونان. وفي إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو سجل التضخم 0.7 في المئة، واذا كانت روما جادة في حل مشكلة الدين الهائل البالغ 130 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي فقد يتبخر التضخم والنمو ما يجعل سداد الدين أصعب.
وقال بوسومورث: "لا يمكن أن ننظر لخطر الانكماش بمعزل (عن عوامل أخرى). يرتبط ارتباطا كبيرا بالقدرة على تحمل عبء الدين." وحققت اليابان قدرا من النجاح في مساعي مكافحة الانكماش بعد سنوات من الركود الاقتصادي. وتجمع خطة المسؤولين في اليابان بين الإنفاق والإصلاحات الاقتصادية والتحفيز النقدي لانتشال ثالث أكبر اقتصاد في العالم من كساد طويل. وأثمرت جهود رئيس الوزراء آبي إذ تخطي معدل النمو في اليابان ما حققته بقية دول مجموعة السبع في النصف الأول من 2013. غير أن مسؤولين خارج آسيا يرون أن هذا المزيج استراتيجية عالية المخاطر ويشككون في جدواها، لاسيما وأن سير الإصلاحات الرامية لتعزيز توقعات النمو الاقتصادي على المدى الطويل تتسم بالبطء. وخلص استطلاع أجرته رويترز لآراء الاقتصاديين في الأسبوع الماضي إلى استبعاد أن ترفع الشركات اليابانية الاجور إلى حد كبير العام الجاري واستمرار التضخم دون النسبة المستهدفة رسميا عند 2 بالمئة.
وباستثناء عدد قليل من الشركات الكبرى، تتحرك المؤسسات بحذر في اتجاه أن يستفيد موظفوها من زيادة الارباح، وهو أمر حيوي لتحقيق آمال آبي بنمو مستديم. كما لم تتحقق الإصلاحات طويلة الأمد التي تعهد بها لمعالجة تأثير زيادة عدد المسنين وانخفاض عدد السكان وتقليص الدين العام الضخم في البلاد. ويتوقع الاستطلاع أن يواصل الاقتصاد التعافي هذا العام مع سعي مؤسسات ومستهلكين لاستباق قرار رفع ضريبة المبيعات. وعلى عكس الكثير من دول العالم ستتفادى اليابان اي تأثير سلبي لتغيير السياسة الامريكية، بل إن مصدريها سيستفيدون من ارتفاع قيمة الدولار بفضل ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
وقال قهرماني: "لا تقتدي أسعار الفائدة في اليابان بالأسعار في الولايات المتحدة؛ لذا لا تتضرر من صعودها في الولايات المتحدة، بل تستفيد اليابان من صعود الدولار". وقد يكون أهم من مزيج السياسات اليابانية قدرة الصين على تقليص الاقتراض المفرط في السوق دون حدوث انهيار. ونما اقتصاد الصين 7.7 في المئة في العام الماضي، لكنه سجل تباطؤا في الربع الأخير. ولا يوجد دلائل تذكر على تقييد شديد للسياسة النقدية، إلا أن ارتفاع الأسعار في سوق النقد وعائدات السندات يُشير إلى أن البنك الشعبي الصيني ملتزم بتقليص الاقتراض الزائد في السوق. وقال روبرت وود الاقتصادي في بنك برنبرج: "تتردد الشائعات عن أزمة مالية وشيكة في الصين منذ سنوات." وتابع: "الصين قادرة على التعامل مع تلك المشاكل. تبدو الحكومة مستعدة لقبول معدل نمو أقل للناتج المحلي الإجمالي ما دام النمو مستديما، ولا يُسبب مشكلة بطالة هائلة تهددها سياسيا".