الجزائر- الوكالات
أقل من ثلاثة أشهر وتقدم الجزائر على انتخابات رئاسية مقررة في السابع عشر من أبريل المقبل، وسط ضغوط اقتصاديّة تشكل تحديا لا يمكن تجاهله لمن سيكون على رأس السلطة في الجزائر، خاصة في ظل ظروف إقليمية وعالمية غير مستقرة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.
ولا يختلف الاقتصاد الجزائري، عن باقي الاقتصاديات العربية، على الرغم من كونه اقتصادًا نفطيًا منذ عقود ماضية، فلديه العديد من المشكلات الثابتة والمتشابهة مع كافة الدول العربية بشكل خاص، والدول النامية بشكل عام.
ويقع تصنيف الاقتصاد الجزائري ضمن اقتصاديات الدول النامية، ولم تشفع له التدفقات النفطية المستمرة، ولا الاحتياطيات من النقد الأجنبي، التي وصلت لما يزيد عن 200 مليار دولار في نهاية عام 2012، في الارتقاء لمصاف الدول الصاعدة، أو الدول المتقدمة.
قد يكون العقد الأخير من القرن العشرين قد استنزف بعض إمكانيّات الدولة فيما يتعلق بالصراع الدائر هناك بين الدولة وجماعات العنف، ولكن هذه الأحداث لم تستمر خلال الثلاثة عشرة سنة الماضية من الألفية الثالثة، إلا بحوادث معدودة، وقد مرّت الجزائر بتجارب انتخابية، وحكومات عدة، من شأنها أن تكون مسؤولة عن الأوضاع التنموية بالبلاد.
ونحسب أنّ السنوات الماضية من الألفية الثالثة كافية لإنجاز مشروع قومي يحرك المياه الراكدة على الصعيد التنموي في الجزائر، ولكن الأمور لا تنفك أن تعالج قضايا يومية، ومواجهات لحظيّة، فيمكن مقارنة الأداء الجزائري خلال هذه الفترة بالأداء التركي على سبيل المثال، لكن النموذج التركي تفوق في العديد من المؤشرات الاقتصادية.
والجزائر لم تتبن منهجًا معلنًا يظهر تحديا تنمويا يمكن من خلاله تعظيم الاعتماد على الذات، أو توطينا للتكنولوجيا، أو أداءً مميزا بين الدول النامية، يمكن من خلاله قراءة مستقبل يرسمه تحسن في مستوى معيشة المواطنين، على مستوى الخدمات التعليميّة والصحية، فضلا عن تنوع اقتصادي، يخفف من وطأة وقوع البلاد تحت وطأة أسعار النفط بالسوق العالمية.
متطلبات البناء الاقتصادي السليم
ومن هنا تحتاج الجزائر إلى برنامج رئاسي اقتصادي يتضمّن معالجة لمشكلاتها الرئيسية، ليتحوّل الاقتصاد الجزائري من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، ومن شأن هذا التوجّه أن يعاد النظر في مجموعة من الأمور المهمة، التي تساعد على تحقيق هذا الهدف، منها ما يلي:
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي بالجزائر نحو 205 مليار دولار حسب بيانات عام 2012، إلا أنّ هذا الناتج يعتمد بشكل رئيس على النفط والغاز والمواد الخام الأخرى، فالنفط يمثل حوالي 40% من هذا الناتج تقريبًا، كما يساهم النفط والغاز الطبيعي بنحو 98% من الصادرات السلعيّة، ويدر 70% من حجم الإيرادات العامة للموازنة هناك.
ولاشك أنّ تغيير هذا النمط من أداء الناتج المحلي الإجمالي لن يكون بين عشية وضحاها، ولكن لابد من الاتجاه لتعظيم دور الصناعات التحويلية، لتكون هناك قيمة مضافة للموارد الطبيعية للجزائر، وليس فقط مجرد تصدير هذه الموارد كمادة خام.
فاعتماد الناتج على النفط بهذه الصورة، أدى إلى مظاهر سلبية أخرى، منها مثلا بقاء معدلات البطالة عند نحو 10% في عام 2011، وذلك لأن الاستثمارات في قطاع النفط، من طبيعتها أنها كثيفة استخدام رأس المال، وبالتالي قدرتها على خلق فرص عمل تتناسب مع معدلات الزيادة السكانية هناك، غير مجدية.
كما أن معدلات نمو هذا الناتج لا تتناسب وطبيعة معدلات الزيادة السكانية، ففي الوقت الذي يبلغ فيه معدل نمو الناتج بنحو 3.3%، نجد أن معدل الزيادة السكانية بحدود 1.9%، وهو ما يعني أن الجزائر بحاجة لمعدل نمو لا يقل عن 5.5% أو 6% سنويًا لاستيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل.
تفعيل أفضل للاستثمارات
اتخذت السلطات الجزائرية خلال السنوات الماضية مجموعة من الإجراءات لحماية مجال الاستثمار بها، ومواجهة الاستثمارات الأجنبية، التي قد يكون مردودها سلبيًا على الاقتصاد الجزائري، مثل أن تكون حصة الشريك المحلي لا تقل عن 51 %، واستخدام ما هو متعارف عليه في مجال العقود من حق الشفعة، ووضع ضوابط لمواجهة التحويلات الفوضوية للعملات الأجنبية.
ولكن على الجانب الآخر، فإنّ الأمر يستلزم تحسين مناخ الاستثمار، فالإجراءات السابقة ليست كافية، فهناك ممارسات للفساد من شأنها أن تضعف من تفعيل هذه الإجراءات، حيث تشير بيانات منظمة الشفافية الدولية، إلى احتلال الجزائر لمرتبة متدنية في مؤشر الشفافية الدولية، حيث أتت الجزائر في المرتبة 94 من بين 177 دولة على مستوى العالم، وفق بيانات عام 2013.
كما أن الجزائر منذ سنوات تدور حول 2.9 درجة أو أحسن التقديرات 3.6 درجة على مؤشر الشفافية المكون من 10 درجات، وهو ما يعني أن الإجراءات المعلنة لمواجهة الفساد بالجزائر لا تحمل على مأخذ الجد.
وثمة أمور أخرى يتطلبها مجال تحسين الاستثمار، ليس فقط لتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكن من أجل دفع الاستثمارات المحلية نحو الزيادة والاستمرار.
توظيف أفضل للاحتياطيات الأجنبية
قفز احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر خلال السنوات العشر الأخيرة بمعدلات عالية، ففي عام 2004 كان الاحتياطي لدى الجزائر من النقد الأجنبي لا يزيد عن 45 مليار دولار، ووصل في عام 2012 إلى 200 مليار دولار، أي أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2004.
ولابد من التفكير في استثمار هذه الفوائض بعيدا عن الطرق التقليدية، وبخاصة في سندات الخزانة الأمريكية أو الأوروبية، ففي بلد تشكل فيه البطالة نحو 10%، ويعتمد على استيراد العديد من السلع الاستراتيجية والغذائية، فإنّ المجال يظل واسعًا لتوظيف هذه الفوائض لتمثل رافدًا لتمويل الاستثمارات المحلية، بدلا من تلك المخاوف المثارة تجاه الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
لن يضير متخذ القرار شيء من الاحتفاظ بنحو ثلث هذه الفوائض لمواجهة احتياجات البلاد من الواردات، وأن يوجه ثلثها الثاني كذلك إلى استثمارات آمنة مثل السندات الأجنبية الحكومية، وأن يوجه الثلث الأخير لاستثمارات محلية من شأنها أن توفر فرص عمل جديدة لتقليل معدلات البطالة، من خلال مشروعات إنتاجية حقيقية بعيدًا عن الممارسات السلبية للاستثمارات الحكومية.
مواجهة الأمية
من غير المقبول في بلد يتمتع بهذه الموارد المالية النفطية، أن يظل معدل الأمية فيه مرتفعًا ليصل إلى 22.7% من السكان، للفئة العمرية 15 سنة فيما فوق، من إجمالي عدد سكان بلغ 36.6 مليون نسمة.
إنّ نسبة الأميّة تنخفض بين الجزائريين إذا ما تحدثنا عن الشريحة العمرية من 15 سنة – 24 سنة، لتصل لنحو 7.2 %. ولكنها تبقى نسبة عالية.
ولذلك نجد أنّ الجزائر تحتل ترتيبا متدنيا في عام 2013 على مؤشر التنمية البشرية العالمي، حيث تحتل المرتبة 93 من بين 186 دولة على مستوى العالم.
وبطبيعة الحال، فإنّ ارتفاع نسبة الأميّة من أهم المؤشرات التي تؤدي إلى تراجع ترتيب الدولة على مؤشر التنمية البشرية.
وإذا ما نظرنا إلى توزيع الإنفاق العام للجزائر في عام 2010، نجد أنّ مخصصات التعليم تبلغ 3.4% من هذا الإنفاق، بينما الإنفاق على الأغراض العسكرية يصل إلى 3.6 % من إجمالي الإنفاق العام، كما أنّ الإنفاق على قطاع الصحة لا يزيد عن 3.2 % من إجمالي الإنفاق العام في نفس السنة أيضًا.
الحديث عن المشكلات والقضايا الاقتصادية للجزائر، شأنه شأن كافة الدول العربية والنامية، فكافة المؤشرات تدلل على استمرار القضايا وتكريسها.
ولن يكون هناك تناول جاد لتحسين الوضع الاقتصادي في الجزائر، ليشعر به المواطن في حياته اليومية، إلا إذا تمّ اتخاذ مجموعة من الخطوات الإصلاحيّة الجادة، منها: المصارحة الحقيقية للقضايا الاقتصادية دون مجاملة، وتبني برنامج جاد وواقعي للإصلاح، وتفعيل دولة القانون، وترشيد حقيقي للدعم، وتوظيف كفء للعمالة الحكومية، وأن تكون لدى الجزائر تجربة برلمانيّة حقيقية بعيدة عن الصورية، فتتم مساءلة الحكومات عن برامج ومستهدفات زمنية وكمية، تكون هي العامل الحاسم لبقاء هذه الحكومات أو زوالها.