اجتماعُ طرفي الصراع السوري، أمس، ولأول مرة وجهًا لوجه، وفي نفس الغرفة، في إطار مباحثات جنيف، يُمكن أن يشكِّل بادرة إيجابية لإنهاء هذا الصراع الدموي المستمر منذ نحو ثلاثة أعوام، وراح ضحيته أكثر من مائة وثلاثين ألف شخص، كما تسبَّب في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويُنذر بعواقب أكثر كارثية على سوريا وشعبها والمنطقة ككل في حال استمراره.
فاللقاءُ المباشر لوفديِّ الحكومة والمعارضة -وعبر طاولة التفاوض في مقر الأمم المتحدة في جنيف- بادرة يُمكن التأسيس عليها لإطلاق العملية السلمية، حتى وإن كانت بدايات هذا الحوار متواضعة، فإنها في النهاية ستتسع لتشمل كافة الملفات الخلافية؛ سواء برغبة أطراف النزاع أو بضغط المجتمع الدولي، الذي بات يُعاني من تأنيب الضمير؛ بسبب وقوفه متفرجًا طيلة هذه السنوات الثلاث على هذا الصراع الدموي، دون اتخاذ مبادرات عملية وجادة تكفل وقفه.
... إن وجود مبعوث السلام الدولي الأخضر الإبراهيمي بين الطرفين المتحاورين، كفيلٌ بنزع أية بوادر توتر يمكن أن تؤدي إلى نسف المفاوضات؛ حيث في جعبة الرجل حزمة من التدابير الاحترازية لنزع الألغام في طريق التفاوض؛ من خلال إجراءات لبناء الثقة تبدأ من التفاوض حول القضايا الإنسانية التي يسهُل التوصل إلى توافقات بشأنها؛ ومنها: الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال، وما يتطلبه ذلك من وقف للقتال.
إن مثل هذه الخطوات -وإن كان البعض يرى فيها أنها صغيرة- هي التي تقود إلى قطع أميال على طريق الدخول في المفاوضات الأوسع التي ستركز على حل الصراع، انطلاقاً من إعلان "جنيف 1" الصادر في يونيو عام 2012، والذي يدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية في سوريا، وهو الاتفاق السياسي الكفيل بحل الصراع عبر أقصر الطرق فيما لو توافق الطرفان عليه؛ مراعاة لمصلحة سوريا، وإنقاذا لشعبها من جحيم المعاناة الذي يتلظى بنيرانه صباحَ مساء.