الرؤية - مركز البحوث -
يمثل الأسبوع المقبل اختباراً لقدرة أوروبا على التعاطي الجدي مع الأزمة الأوكرانية، لاسيما بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن روسيا ستمضي قدما في إجراءات ضم منطقة القرم الاوكرانية متحديا احتجاجات أوكرانية وعقوبات غربية.
وقال الكرملين إن بوتين أقر مسودة معاهدة بضم القرم إلى روسيا مما يؤكد عزم روسيا على جعل المنطقة الأوكرانية الجنوبية جزءا من أراضيها. ووقع بوتين أمراً يقضي "بالموافقة على مسودة المعاهدة بين روسيا الاتحادية وجمهورية القرم بشأن ضم جمهورية القرم إلى روسيا الاتحادية".
فيما عزلت أوكرانيا نفسها عن روسيا بحفر خندق دفاعي وحواجز خرسانية على طول حدودها مع جارتها، في أعقاب سيطرة الأخيرة على القرم.. وقال حاكم منطقة "دونيتسك" سيرجي تاروتا، إن المنطقة التي يغلب متحدثو الروسية على سكانها وتكثر بها تجمعات النشطاء الموالين لروسيا حفرت خندقا دفاعيا وأقامت حواجز خرسانية على امتداد حدودها الطويلة مع روسيا. وأضاف تاروتا أن إجراءات ستتخذ لاستعادة النظام في المنطقة عقب تغلب متظاهرين مؤيدين لروسيا على الشرطة واقتحامهم مباني عامة.
وتأتي تلك الخطوات بعد استفتاء مثير للجدل في شبه جزيرة القرم، يوم الاحد الماضي، جرى في ظل احتلال عسكري روسي، فيما أعلن أن 97 في المئة من الناخبين صوتوا لصالح العودة إلى الحكم الروسي بعد 60 عاما من البقاء جزءا من أوكرانيا. ومن خلال المضي قدما في خطوات لتفكك أوكرانيا ضد ارادتها أثار بوتين المخاوف في أسوأ أزمة بين الشرق والغرب منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على أفراد ضمن مجموعة صغيرة من المسؤولين في روسيا وأوكرانيا متهمين بالتورط في سيطرة موسكو العسكرية على شبه الجزيرة الواقعة في البحر الأسود والتي يتحدث غالبية سكانها الروسية وعددهم مليونا نسمة. وقال ليونيد سلوتسكي أحد الساسة الروس الذين أضيروا من حظر التأشيرات الامريكية والاوروبية في مجلس النواب الروسي (الدوما) ان قرار القرم تاريخي. وقال: "اليوم نرى إعادة مولد العدالة والحقيقة".
وانضمت اليابان إلى العقوبات، أمس، وأعلنت تعليق محادثات بشأن الترويج للاستثمار وتسهيل التأشيرات مع روسيا. وقال مسؤول بارز في بروكسل: "سيكون ذلك بمثابة اختبار كبير لوحدة أوروبا في أعقاب الحرب الباردة".
وكان الاتحاد الأوروبي قد حذَّر روسيا من تداعيات الوضع إن لم تشارك في حوار جاد وتسحب قواتها من شبه جزيرة القرم، فيما اعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على موسكو.. ويتعيَّن على قمة الاتحاد الأوروبي خلال الأسبوع الجاري تعزيز الضغوط على روسيا. وألمح الاتحاد الأوروبي حتى الآن إلى أنه علق محادثات بشأن اتفاق اقتصادي مع روسيا وتخفيف قيود منح تأشيرات الدخول.
أما في موسكو، فينظر إلى هذه التحركات على أنها لا تتجاوز كونها مصدر إزعاج. وأعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنهما لن يعترفا بنتيجة الاستفتاء في القرم. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إنه لن يعترف "بهذه المشاورات الزائفة"، في حين قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج: "حان وقت تبني قيود أشد صرامة".
اختبار نوايا
وكان سفراء الاتحاد الأوروبي قد اجتمعوا مؤخرًا في بروكسل لمناقشة قائمة أسماء سوف تخضع لتجميد أصولها فضلا عن فرض حظر على منح تأشيرات الدخول.. ويُعتبر ذلك أول اختبار لنوايا الاتحاد الأوروبي.
وتكمن المعضلة في سؤال رئيسي؛ هو: هل ينبغي أن تستهدف العقوبات شخصيات على علاقة بالسلطة في القرم أم ينبغي لها أن تستهدف الدائرة الداخلية المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وهل ينبغي لقائمة أن تطول الحكومة الروسية أم مسؤولين بارزين في البرلمان الروسي الذين يدعمون ضم القرم؟
وهناك انقسامات بين 28 دولة، وقال أحد المسؤولين بصراحة إنه في حالة عدم اتخاذ موقف حاسم تجاه شخصيات في موسكو فستكون أوروبا في موقف ضعف، في حين يقول آخرون إنه ليس بالإمكان فرض حظر على أناس ستجرى معهم مفاوضات آجلا أم عاجلا.
وإن لم تفلح اجراءات تجميد الأصول وحظر تأشيرات الدخول في منع موسكو من اتخاذ المزيد من التحركات العسكرية في شرق أوكرانيا، فإن الاتحاد الأوروبي سبق وحذر بالفعل من تحركات نحو إجراءات تتضمن فرض عقوبات اقتصادية. وهذا هو السلاح الفعلي في ترسانة الاتحاد الأوروبي.
يُذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد حذرت الأسبوع الماضي من "ضرر جسيم سيلحق روسيا على المستويين الاقتصادي والسياسي"، لاسيما وأن روسيا تعتبر ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي. وتشير تقارير إلى أن شركات روسية سحبت أموالا من بنوك غربية إلى جانب تحويل الأفراد لأموالهم تحسبا من العقوبات. وتراجعت قيمة العملة الروسية (الروبيل) كما تراجع سوق الأسهم لأكثر من 24 في المئة منذ بداية العام.
يذكر أنه من العوامل التي تجعل الاتحاد الأوروبي حذرا في تحركاته نوعا ما، هو المصلحة والتبعية الاقتصادية نظرا لأن 30 في المئة من الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي يأتي من روسيا.
وسوف يتمثل التحدي الرئيسي أمام الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع في إظهار التصميم ووحدة الصف حيث ستستغل روسيا أي انقسامات قد تحدث.
وفي سياق ذي صلة، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة، أمس، بأن "حكم السلاح" هو الذي يوجه سياستها الخارجية وليس القانون الدولي. وقال "يفضل شركاؤنا الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة ألا يملي القانون الدولي سياساتهم العملية وإنما يمليها حكم السلاح".. وأضاف: "يعتقدون أنهم يتمتعون بمكانة استثنائية ويشعرون أنهم المختارون وبامكانهم تقرير مصائر العالم وأنهم فقط من هم على حق.