أكد الفكر التربوي الحديث في معظم دول العالم على أهمية تربية وتعليم الطلاب الموهوبين، وتهيئة الفرص والمناخ التربوي الذي يصقل هذه المواهب وينميها، والوصول بهذه الفئة إلى أقصى حد ممكن، وأن توصلهم إليه مواهبهم وقدراتهم، ويعود وصول الدول المتقدمة إلى مستوى متقدم من الرقي والازدهار إلى امتلاكها للمعايير والمحكات التي من خلالها تم اكتشاف الموهوبين من أبنائها من جهة، وتوفير الرعاية المناسبة لصقل مهاراتهم، وتنمية مواهبهم، وتوجيه قدراتهم والاستفادة منها في جميع المجالات من جهة أخرى، ويتطلب ذلك نظامًا تربويًّا يتصف بالمرونة، ويرعي الفروق الفردية بين الطلاب، ويقدم تعليماً يتلاءم مع قدرات كل طالب بناءً على ما يعوَّل على هذه الفئة من القوى البشرية من آمال في تحقيق التقدم والازدهار لعمان؛ لذا فعلينا الاهتمام باكتشاف الموهوبين ورعايتهم وإتاحة الإمكانيات والفرص المختلفة لنمو مواهبهم؛ لأن خطط التنمية ركزت على تنمية الموارد البشرية وهي التي تمتلك القدرات والمواهب العالية على اعتبار أنه متى ما توافرت لها الرعاية التربوية والتعليمية الملائمة لقدراتها واستعداداتها، وتحقيق رغباتها وطموحها، فإنها قادرة -بإذن الله- على قيادة المجتمع في المستقبل مهما تباينت اتجاهاتهم، وتنوعت طرائق تعاملهم مع المتغيرات في حقول المعرفة.
فقد جاءت نتائج عدد كبير من الدراسات العلمية الموثوقة التي أشارت إلى أن صناعة التفوق الحضاري تتحقق بأيدي قلة من ذوي الموهبة والإبداع ممن يمتلكون قدرات غير عادية إذا توافرت لهم الرعاية المبكرة والظروف المناسبة.
فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة -ممثلة في وزارة التربية والتعليم، قسم التشخيص ورعاية المجيدين- لرعاية الموهوبين ومسابقة التنمية المعرفية ودائرة الانشطة ومسابقة المحافظه على النظافة والصحة في البيئة المدرسية ومركز الاستكشاف العلمي، إضافة إلى المؤسسات الحكومية الاخرى والمؤسسات الخاصة، إلا أنها لم تصل بعد إلى طموحات الموهوبين واستراتيجيات وإجراءات اكتشافهم ورعايتهم؛ فالموهوب بحاجة إلى تهيئة ورعاية تربوية متخصصة لمواهب الطلاب المتنوعة؛ من خلال أعضاء دائمين في المدرسة وتأهيل معلمين للعمل في مجال رعاية الموهوبين داخل كل مدرسة على دراية جيدة بأساليب تدريس الموهوبين وسبل تعزيز جوانب القوة لجميع الطلاب في جميع المجالات .
فمطالبة الكثير من الموهوبين بالسلطنة للجهات المعنية بضرورة إنشاء مراكز أو حاضنات تهدف إلى تزويد الطلاب الموهوبين التفكير الابتكاري باستخدام منهجية البحث العلمي وتطبيق الأساليب الحديثة في عملية التعلم وإعداد كوادر بشرية مؤهلة تتولى مهام القيادة والبناء وتدريب الموهوبين على فهم طبيعة مشكلات مجتمعة، والإسهام الإيجابي في حلها وتوفير البيئة المحفزة وربطها بالتعليم وتقديم برنامج تعليمي شامل لتنمية جوانب شخصية وسلوكية للطالب الموهوب وخلق الشخصية المبدعة من خلال ربط الدروس بجوانب شخصية، إذ لا شك أن مدى نجاح هذه الحاضنات والبرامج المعدة لرعاية الموهوبين يتوقف إلى حد بعيد على مدى النجاح في تشخيصهم وحسن اختيارهم وتوفير مناهج خاصة تعتمد على مهارات التفكير العليا، ويتطلب تأهيل الكوادر التي تتعامل مع هذه الفئة من حيث الصفات الشخصية، المؤهلات العلمية وتوافر التجهيزات المادية والتقنية.
... إنَّ الموهوبين وذوي العقول المبدعة والأذكياء في مجتمعاتنا فئة تتطلب منا كثيراً من الجهد لإشغال واستثمار أوقات الفراغ لديهم، وتوجيه طاقاتهم وقدراتهم التوجيه الأمثل؛ حفاظاً عليهم من الانحراف أو استغلال ذكائهم وعقلياتهم في قضايا وأمور غير سليمة، ونحن نعلم أن الموهوبين هم الثورة الحقيقية للمجتمعات فهم الطاقة الدافعة نحو التقدم والبناء وقيادة المستقبل؛ فعلى الجهات المعنية إجراء دراسة عاجلة لإنشاء مراكز وحاضنات خاصة للموهوبين ودراسة الاثر النفسي والاجتماعي عليهم حيال ذلك... والله ولي التوفيق.