أنقرة – رويترز-
تلقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ضربة مزدوجة، عندما أجهضت المحكمة الدستورية محاولات حكومته إحكام قبضتها على القضاء وخفضت مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني توقعاتها بالنسبة للاقتصاد التركي الذي تقوم عليه سمعة أردوغان لدى كثيرين.
وأحدث أردوغان انقساماً في الرأي في الداخل، وأثار غضب الحكومات الغربية بتعامله مع فضيحة فساد تفجرت في ديسمبر وطالت دائرته المقربة حين أبعد آلافا من مسؤولي الشرطة والقضاء وحجب مواقع التواصل الاجتماعي.
وطمأن فوز حزبه الحاكم وهو حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي جرت في 30 مارس بالرغم من فضيحة الفساد الأسواق المالية المتوترة لكنه زاد أيضا من المخاطر السياسية قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري في اغسطس والبرلمانية التي تجري العام القادم.
وخفضت وكالة موديز توقعاتها للتصنيف السيادي لتركيا إلى سلبية وقالت إن الغموض السياسي سيلقي بظلاله على نقاط الضعف في الاقتصاد التركي، خصوصا احتياجه الكبير للتمويل الخارجي مما يضر بفرص نمو الاقتصاد. وقالت الوكالة: "تتوقع موديز استمرار هذه التوترات في الحلبة السياسية حتى الربع الثاني من عام 2015 على الأقل وهو الموعد المقرر لإجراء الانتخابات البرلمانية".
ويستند التأييد الذي يتمتع به أردوغان بين الجماهير التركية إلى أيديولوجيته ذات الجذور الإسلامية ويستند أيضا على سمعته في إدارة الاقتصاد. وحققت حكومته نموا قويا على مدى عشر سنوات بعد أن عانت حكومات ائتلافية غير مستقرة في التسعينيات من مشكلات متكررة في ميزان المدفوعات ومن أزمات اقتصادية.
لكنَّ أردوغان ربما يجد أن من الصعب عليه الحفاظ على هذه السمعة مع تباطؤ الاقتصاد واستمرار زيادة التضخم وتراجع ثقة المستهلكين. وهوت الليرة التركية والأسهم والسندات بعد إعلان موديز.
وأشار وزير التنمية جودت يلمظ إلى أن موديز أساءت الحكم على المزاج السياسي. وقال: "تأكد الاستقرار السياسي لتركيا مرة أخرى بعد الانتخابات الأخيرة. كان من المتوقع أن يكون لهذا تأثير إيجابي على تصنيفات الجدارة الائتمانية". وقد تسبب المخاطر التي تحيط بالثقة في مؤسسات الدولة توتر المستثمرين الأجانب الذين تعتمد عليهم تركيا لتمويل العجز الراهن الكبير في معاملاتها الجارية. يأتي هذا بينما يخوض أردوغان صراعا على السلطة مع رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن حليفه السابق الذي يتهمه رئيس الوزراء بتدبير فضيحة الفساد.
وفي أحدث خطوة في صراع من أجل السيطرة على القضاء قالت المحكمة الدستورية في تركيا أول أمس إنها ألغت بعض المواد في قانون جديد منحت وزير العدل سلطات على المجلس الأعلى للقضاة والمدعين وهو الجهة المسؤولة عن التعيينات القضائية.
وكان قرار المحكمة انتصارا لأحزاب المعارضة التي قالت إن القانون ينتهك الدستور وإنه محاولة لعرقلة التحقيقات في قضية الفساد. وقال وزير العدل بكير بوزداج إن الحكومة ستنفذ قرار المحكمة لكنه دافع عن التشريع. وقال للصحفيين "التشريع الذي أعددناه يتفق مع الدستور. قرار المحكمة الدستورية بالإلغاء لم يغير رأيي. لكننا بالطبع سنتلزم بقرار المحكمة."
وقال فادي حكورة الباحث في مؤسسة تشاتام هاوس بلندن: إن المحكمة الدستورية على ما يبدو واحدة من المؤسسات القليلة في تركيا التي لا تزال مستقلة بحق وإن كان قال إن الحكم الذي أصدرته اليوم جاء متأخرا مما سمح للحكومة بإجراء التغييرات التي أرادتها في القضاء.
وأعلن أردوغان -بعد فوز حزبه في الانتخابات المحلية- أنه سيعاقب المسؤولين عن فضيحة الفساد التي ظهرت خلالها عدة تسجيلات صوتية مسربة تنسب للحكومة ارتكاب مخالفات ونشرت على مواقع للتواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتويتر. وكان القانون الذي يمنح وزير العدل صلاحيات إضافية جزءا مما وصفه أردوغان بأنه حملة للقضاء على "دولة موازية" مخربة لأتباع كولن الذين يتهمهم رئيس الوزراء باستغلال نفوذهم في الشرطة والقضاء للسيطرة على مقاليد السلطة في تركيا. وينفي كولن هذا.
وقال النائب في البرلمان أنجين ألتاي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي دعا لإلغاء القانون "أوضحت المحكمة الدستورية للحكومة وللجميع أنه لا يمكن لأحد أن يتلاعب بالقانون حسب أهوائه." ويقول محللون إنه من المتوقع أن تزداد حدة الخلاف السياسي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في أغسطس مما يزيد من المخاطر التي ستواجهها تركيا في الأشهر المقبلة.
وقال نيكولاس سبيرو رئيس شركة سبيرو سوفرين ستراتيجي: "بينما يتعارض توقيت خفض توقعات التصنيف الائتماني لتركيا مع تحسن المشاعر في الآونة الأخيرة فإنه تذكرة إذا كانت هناك حاجة للتذكرة بأن تركيا لا تزال من بين الأسواق الناشئة الأكثر عرضة للمخاطر."