الرؤية – خاص-
نشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "العرب" -الصادرة في لندن- موضوعًا تحت عنوان "منطقة الدقم..معبر حيوي في النظام العالمي بالمحيط الهندي"؛ جاء فيه:
((تعمل سلطنة عُمان على أن تصبح منطقة الدقم مركزاً اقتصادياً مهماً للتجارة والصناعة والاستثمار في المنطقة التي تحظى بموقع استراتيجي مميز، يجعلها قبلة للقوى العالمية في ظل النظام العالمي الجديد المتجه نحو المحيط الهندي.
وثمة اهتمام دولي متصاعد بسلطنة عُمان، باعتبارها قاعدة إقليمية استراتيجية مهمة ومركزاً اقتصادياً وتجارياً عالمياً. وتجري ترجمة ذلك من خلال "مشروع تطوير ولاية الدقم"، الذي جعل مجلة "ذي إيكونوميست"، تصف عمان بأنها "لم تعُد هادئة". إنها ورشة كبيرة لمشاريع قد تترك أثراً بالغاً في اقتصاديات المنطقة.
مركز محوري
مشروع "تطوير الدقم"، من شأنه أن يحول النمط التقليدي لنمو المنطقة من "قرية مختصة في الصيد"، إلى "ميناء واسع ومركز تجاري دولي"، يهدف إلى اجتذاب السفن التجارية والجهات الشاحنة التي ترغب في تجنب المرور عبر مضيق هرمز. وتطمح السلطنة إلى أن تصبح منطقة الدقم الاقتصادية مركزاً محورياً مهماً للتجارة والصناعة والاستثمار في المنطقة بحكم موقعها الاستراتيجي على مشارف المسار البحري للتجارة الدولية بين الشرق والغرب. وتشهد المنطقة حالياً إقامة العديد من المشاريع العملاقة التي ستعزز دورها الريادي في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار.
وسلطنة عُمان تطل على مضيق هرمز؛ ذلك الممر المائي الضيق بين إيران وشبه الجزيرة العربية الذي يمر عبره 40% من نفط العالم. وتقع الدقم في الركن الجنوبي الشرقي من المنطقة الوسطى للسلطنة، بين مدينتي مسقط وصلالة، ويحدها شرقاً بحر العرب والمحيط الهندي.
"الدقم".. هي مفتاح الحركة على المحيط الهندي، وتوفر دوراً يشبه إلى حد كبير الدور الذي مثلته عدن لأكثر من قرن بالنسبة للتجارة العابرة من الغرب إلى الشرق والعكس.
وعن هذه المنطقة، يقول روبرت كابلان كبير المحللين الجيوسياسيين في "ستراتفور": "إذا دققتم النظر في الخريطة، ستكتشفون أن الدقم تقبع بأمان خارج منطقة الخليج (المُعرضة باستمرار لخطر الهجمات ولنشوب مُختلف الصراعات)، ولكنها تبقى قريبة بما فيه الكفاية من هذه المنطقة للاستفادة من تدفق الطاقة المستمر الذي تتمتع به. كما تشق الدقم بحر العرب، بين الطبقات الوسطى بالهند وشرق أفريقيا". ويوضح الخبير الأمريكي أن مشروع تطوير الدقم ليس الغاية منه إنشاء مدينة مشابهة لدبي أو الدوحة، ذات بعد اقتصادي وثقافي أو ترفيهي، بل بعث مدينة يستند وجودها على دوافع جغرافية وجيوسياسية محضة ستنحصر نشاطاتها المستقبلية في التجارة والأعمال وستكون نموذجاً للمدن الصناعية خلال القرن الـ21.
وأعد كابلان التقرير -مؤخراً- في إطار دراسة لأهمية الدقم الاستراتيجية وقدرتها على توفير فرص أعمال تجارية مهمة، وعلاقتها بالتطورات الحاصلة في السياسات الدولية، خصوصاً في مجال موازين القوى البحرية العالمي. ويشير التقرير إلى أن موازين القوى البحرية العالمية تشهد تحولاً جيوسياسياً ملحوظاً. وفي السنوات المقبلة، سينتقل جزء كبير من القوات البحرية الأمريكية بالشرق الأوسط من منطقة الخليج إلى منطقة المحيط الهندي. ولن يغير هذا التحول مكانة المنامة، بالبحرين، كمقر أساسي للأسطول الخامس الأمريكي، إلا أن تمركز السفن وطواقمها -إضافة إلى عدد مهم من خدمات التزويد والإصلاح المرتبطة بها- سينتقل تدريجياً إلى الميناء العُماني الجديد بالدقم الذي يقع خارج الخليج، على بحر العرب، والذي يشكل بدوره النصف الغربي من المحيط الهندي.
وكثف، مؤخراً، كبار مسؤولي الدفاع الأمريكي -عسكريين ومدنيين- زياراتهم لسلطنة عُمان -لا سيما منطقة الدقم- التي كانت -وفق كابلان- قبل بضع سنوات، مجرد نقطة مبهمة على الخريطة، تواجه البحر بسواحل فارغة وتُدير ظهرها لصحراء واسعة. أما اليوم، فقد تم استثمار حوالي ملياري دولار في بناء عدد مهم من الأرصفة والأحواض الجافة والطرق، والمطارات. وقال في هذا السياق: "وقد أكد لي مسؤولون، خلال الزيارة التي قمت بها للمنطقة -برعاية من السلطات العُمانية- أنه سيتم إنفاق حوالي 60 مليار دولار إضافية لضمان اكتمال تحول الدقم إلى دولة-مدينة".
وتعتبر عُمان مدينة الدقم مفتاح تنمية الدولة بأكملها، بحكم قدرتها على تعزيز الصلة التي تربط محافظة ظفار -جنوب غرب البلاد- وميناء صلالة بموانئ مسقط وصحار -شمال شرق عُمان- أما بالنسبة للولايات المتحدة، فستمثل الدقم إجابة جزئية على مبادرة الصين ببناء ميناء جوادر، على الساحل المجاور من باكستان.
مدينة متكاملة
ويقول روبرت كابلان: "اطلعت على نموذج مصغر ومُفصل لمدينة الدقم في الشكل الذي يأمل المسؤولون أن تظهر عليه، خلال سنوات. ويشمل النموذج مصائد أسماك، مصفاة لتكرير نفط، مركزاً لعبور البتروكيماويات، خط سكة حديد، مصنعاً للمعادن، محطة لإزالة الملوحة، ومستشفى، ومركزاً تجارياً، ومدرسة دولية وسط المدينة، ومنطقة سياحية. ومن الواضح أن المطار هنا سيتضمن مرافقَ شحن.
أما المدرج -الذي تم بالفعل بناؤه- فيمتد على مسافة كافية لاستقبال الرحلات القادمة من أوروبا، وإذا أضفنا الـ80 كيلومتراً التي يمتد عليها الخط الساحلي المخصص للدقم، فيمكن لمساحة هذه الدولة -المدينة أن تتجاوز سنغافورة، ونحن لا نزال بعدُ في المرحلة الأولى من البناء، المستوحاة فقط من موقع المدينة على الخريطة.
ومن شأن الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي في الصحراء، في الجزء الخلفي من الميناء، أن تساعد على تلبية احتياجات الدقم للطاقة. كما ستربط سكة حديد جديدة الدقم بمسقط ودبي وجميع الموانئ الموجودة شمال الخليج وصولاً إلى الكويت. وفي حال تحقيق توافق بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ستقوم الدقم بإصلاح السفن الإيرانية وتصبح قاعدة بحرية للاقتصاد الإيراني الناشئ.
ويخلُص الباحث في نهاية تقريره إلى أن عُمان تحظى، منذ عقود، بظروف مثالية من الاستقرار والحكم الراجح تُميزها عن بقية دول الشرق الأوسط، وهو ما يُميز الدقم، بدورها، عند الأمريكيين. في حين تتمثل مشكلة الصينيين بجوادر في عدم استقرار باكستان. فتمركز ميناء مُعين في موضع مثالي من البحر لا يكفي ليجعل منه موقعاً "استراتيجياً"، بل وجب اعتبار موضعه من اليابسة-أي البلاد.
وفي حال نجاح مشروع الدقم، ستصبح المدينة أحد أهم رموز القرن الـ21، على غرار ما كانت عليه عدن في القرن الـ19، وسنغافورة في القرن الـ20. وفي حال استمرار النمو السكاني وتطور الآفاق النظرية للنمو الاقتصادي في الهند وشرق أفريقيا، يمكن للمحيط الهندي أن يصبح مركزاً جيوسياسياً أساسياً للعصر ما بعد الحديث)).