فيصل البوسعيدي *
إنَّ من أبرز أبعاد النجاح في الدول المتقدمة، هو قدرتها على صناعة الذكاء والتفكير وتوجيهه وتنوير العقل البشري عبر استراتيجيات متكاملة تقوم على منهج منظومي رصين؛ وذلك لتمكين وتمتين المبدعين والمفكرين بمختلف فئاتهم؛ لهذا فإن ظهور الكثير من الطاقات المبدعة والمتفردة لديهم أمر حتمي، وإن من أبرز معالم تلك الرؤى: القدرة على رفع القدرات والمهارات والمعارف وتنمية التفكير الخلاق وفقا للذكاءات المتعددة الموجودة لدى كل فرد.
... لقد صنفت نظرية "هوارد جاردنر" الذكاءات المتعددة إلى ثمانية أصناف؛ هي: اللفظي، والبصري، والحس حركي، والاجتماعي، والذاتي، والموسيقي، والمنطقي، والطبيعي.. وأشارت أبحاث هذا العالم إلى أن الدماغ ينقسم إلى عدة أقسام؛ حيث يشكل كل قسم علاقة وطيدة بهذه الذكاءات؛ وعلى سبيل المثال، فإن منطقة بروكا هي المشغلة للذكاء اللفظي لدى كل فرد، كما أشارت النظرية إلى أن عوامل التنشئة والبيئة والثقافة هي المؤثر الحقيقي على صناعة الذكاء وتميزه من فرد لآخر، كما أن العديد من العلماء حذو نطاق البحث العلمي في مجال التفكير العلمي والتفكير الإبداعي والابتكاري وظهرت نظريات عالمية عديدة كالتفكير باستخدام استراتيجية كورت والتفكير باستخدام القبعات الست وبوصلة هيرمان وأدوات سكامبر...وغيرها من أبحاث الدماغ والعقل البشري، وهي جميعا في جل أبعادها تركز على مهارات تنمية التفكير لدى البشر باستخدام العديد من الطرق وأساليب التعلم المتنوعة.
وهنا؛ يكمن السر في صناعة الذكاء والتفكير ورعاية الموهوبين في تلك الدول؛ حيث سعت نحو إيجاد أجيال مبدعة مفكرة مبتكرة وخلاقة لتعزيز دورها في البناء الوطني، وتمكين أجيالها من التنافس العالمي في مختلف المجالات؛ من خلال تنفيذ استراتيجيات ثلاث أساسية تعمل بشكل منظومي متكامل؛ تتمثل الأولى في القدرة على تصنيف الأجيال والمواهب وفقا لذكاءاتهم المتنوعة؛ فمن يملك ذكاءً بصريًّا يحتاج إلى تنوير وتطوير في المجال البصري ليصبح مبتكرا لامعا أو مصمما أو رساما أو مصورا عالميا محترفا، ومن يمتلك الذكاء اللغوي يحتاج إلى التنوير في مجاله ليكون مفكرا أو شاعرًا أو عالما في اللغة أو مدربا عالميا في التنمية البشرية، ومن يمتلك ذكاءً منطقيًّا عاليًا يتم تنويره ليصبح عالما في الرياضيات أو المنطق أو الفيزياء...وغيرها. أما الذكاء الحس حركي؛ فالواضح في رعايته مدى وجود التميز في القدرة الرياضية في مختلف المحافل العالمية. وهكذا في كافة أصناف الذكاء البشري.
وتكمن الاستراتيجية الثانية في إيجاد بنى أساسية وأكاديميات متنوعة لرعاية الأجيال والمواهب تتعاون وتتكامل مع دور الأسرة والمدرسة والجامعة بقوة هائلة؛ وذلك مثل أكاديمية الرياضة وأكاديمية أو مركز الابتكار وأكاديمية أو مركز التفكير الذاتي ومراكز اللغة أو مراكز التصميم، أو العمل على إنشاء مراكز متكاملة ترعى مختلف الذكاءات المتعددة كل وفق مجاله.
أما الاستراتيجية الثالثة، فتكمن في تشغيل هذه المراكز بتركيز عالٍ من خلال التدريب على مهارات التفكير الإبداعي والابتكاري والعلمي بصورة عميقة لكل فئة من الأجيال والمواهب ووفقا لكل ذكاء؛ وذلك لشحذ طاقات التفكير المبدع تجاه كل ذكاء وموهبة، ثم استكمال التدريب والورش والبرامج والفعاليات والمناشط ليشمل تقوية المهارات والمعارف والقدرات وفقا للذكاءات المتعددة.
لهذا؛ فما أحوجنا اليوم في عُمان الحبيبة إلى التفكير والعمل وفق هذا النهج العلمي الرصين، وما أحوجنا إلى تطبيق هذه الاستراتيجية المنظومية الثلاثية في مختلف مؤسسات التعلم أو المؤسسات أو المراكز التي يجب إيجادها على أرض الواقع، والتي وإن وُجدت ستنتج لنا حتما مبدعين رائعين يمكن التنافس من خلالهم في مختلف المحافل الدولية والعالمية، ويمكن الاستفادة من طاقاتهم لدفع وتجويد مستوى التنمية الشاملة. لهذا؛ فإن هذه دعوة صريحة نوجهها إلى مؤسسات الدولة للسعي نحو التفكير بعمق لإيجاد مراكز أو مؤسسات ترعى طاقات وذكاءات أجيال الوطن صغيرا كان أو كبيرا.
* مدرب معتمد في الذكاءات المتعددة