بغداد - الوكالات
مع إجراء الانتخابات البرلمانية الثالثة منذ انهيار النظام السابق، والأولى بعد إتمام انسحاب القوات الأمريكية، يزداد تعقيد المشهد السياسي العراقي؛ حتى باتت الحقيقة المؤكدة التي لا يمكن تجاهلها، هي وجود متغيرات مهمة في الوضع السياسي، إذ لم يعد بمقدور أحد أو جهة أو حزب أن يحكم بمفرده، بمعنى أن مرحلة الحزب الواحد والحزب القائد وغير ذلك قد أفلت. وصار من المتعذر السيطرة على مقاليد الأمور دون وضع معادلات ونتائج الممارسة الانتخابية في الاعتبار، رغم كل ما يشوبها من نواقص وتعقيدات.
وعلى الرغم من أن الانتخابات العراقية لا تزال في مرحلة فرز الأصوات، إلا أن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي سارع إلى الدعوة إلى تأسيس حكومة أغلبية سياسية ونبذ مبدأ حكومة المحاصصة أو الحكومة التوافقية. وقال في مؤتمر صحفي إن فوز حزبه، ائتلاف دولة القانون، في تلك الانتخابات بات "مؤكدا"، داعيا الكتل السياسية إلى "ضرورة الانفتاح على الحوار من أجل مستقبل العراق"، واصفا هذا الحوار بأنه "سفينة النجاة للعملية السياسية"، دون أن يفسر سبب ثقته في فوز حزبه بالأغلبية في الانتخابات التي لم تعلن نتائجها بعد، حيث أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت أن لا مصداقية لأي نتائج أولية تصدر عن أي حزب من الأحزاب تفيد بتصدر أي منها النتائج. وأشارت إلى أن عمليات الفرز والتدقيق في النتائج ستستغرق وقتا طويلا، وأن النتائج النهائية لن تظهر قبل نحو 20 أو 30 يوما.
وكشف المالكي أن ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه يمتلك تفاهمات تفوق النصف زائد واحد مؤكدا تلقيه اتصالات من أطراف سياسية لتشكيل حكومة أغلبية، وهو ما يعيد طرح أسئلة من نوعية: هل يبقى الاعتماد على مبدأ المحاصصة لتوزيع السلطة بين مكونات الشعب العراقي وهل تتمكن الكيانات السياسية في العراق من نبذ خلافاتها وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة في فترة زمنية وجيزة نسبيا؟
ورغم توضيحات المفوضية حول عدم صحة أي نتائج أولية، مضى المالكي في تحديد ما سماها أسس التحالف التي سيعتمدها، وبينها التأكيد على المبادئ الوطنية ووحدة العراق وحكومة أغلبية ولا محاصصة طائفية. وقال إن العراق دخل الآن مرحلة جديدة مضيفا "لا نريد تكرار التجربة التي عشناها في البرلمان السابق".
والتزمت الأحزاب والتكتلات السياسية الأخرى الصمت في انتظار عملية فرز الأصوات في عملية اقتراع شارك فيها نحو 60% من عدد الناخبين. وهي العملية التي نالت إشادة دولية خصوصا من الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الامن الدولي الذين حضوا القادة السياسيين العراقيين على تشكيل حكومة جديدة في أقرب وقت ممكن. ويذكر أن تشكيل الحكومة السابقة في العراق المنبثقة عن انتخابات عام 2010 استغرق عشرة أشهر.
ويتوقع العديد من المراقبين داخل العراق وخارجه أن يتصدر ائتلاف دولة القانون الكيانات السياسية التي شاركت في الانتخابات وعددها 276، وأن يلعب المالكي دورا محوريا في عملية بناء حكومة ائتلافية جديدة تنبثق عن هذه الانتخابات.
ولا تختلف ظروف الانتخابات الحالية 2014 عن سابقاتها في شيء فيما يتعلق بمصالح تلك الأطراف. لكنها تأتي في ظل ظروف اكثر تعقيدا، مع استمرار توتر الوضع في غرب العراق (السني) الذي يشكو من التهميش. ويضاف إلى ذلك العامل السوري الذي ساهم في اشتداد عضد التنظيمات المسلحة المتشددة لما يتوفر لها من عمق استراتيجي على الجانبين. وقد نتج عن ذلك تصاعد في الهجمات الانتحارية في العاصمة بغداد ومدن أخرى قريبة منها.
وما يزيد الأمور تعقيدا الخلافات المتزايدة بين الحكومة المركزية في بغداد والإقليمية في أربيل، وانعكاس ذلك في مفردات مهمة كالموازنة والاستثمار في المجال النفطي والنزوع المتزايد لانفصال إقليم كردستان، الأمر الذي أوحت به تصريحات بعض قادة الإقليم.
وفي سياق موازٍ، يلفت المراقبون الانتباه إلى أن التوافق على رئيس جديد للوزراء يعني التوافق قبل كل شيء على الرئيس الجديد للبلاد، فبغض النظر عن أهلية الرئيس طالباني للاضطلاع بمهام الرئاسة في وضعه الصحي الحرج، فلا بد أن يكون للعراق رئيس جديد في هذه الدورة، فالدستور لا يسمح للرئيس بتبوّء المنصب لأكثر من ولايتين متتاليتَين.
ولا شك أن الحملات الانتخابية في العراق التي ارتسمت خارطتها هذا العام على خطوط التماس الطائفي، تجعل من الانتخابات البرلمانية الأولى، بعد الانسحاب الأمريكي، أم المعارك الانتخابية في منطقة تخشى شبح الزلزال الطائفي.
والخلاصة أنه ليس هناك من يتوقع معجزة تأتي بها الانتخابات الحالية التي يرى كثيرون أنها لن تسفر عن فوز حاسم لأي طرف واحد تؤهله لقيادة الحكومة، رغم أن رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، يسعى الى فوز ائتلاف دولة القانون الذي يقوده، والبقاء في الحكم لولاية ثالثة، الأمر الذي ترفضه الأطراف الأخرى، كردية وسنية ومن التحالف الشيعي الذي ضمن له رئاسة الوزراء. وأياً كان ما تسفر عنه انتخابات 2014 من نتائج فإن مهمة تشكيل حكومة لقيادة المرحلة المقبلة لن تكون مهمة يسيرة.