بطاينة: ضرورة تطبيق برنامج حماية ومراقبة الأجور للتصدي للاقتصاد الخفي
برهام: ضرورة تقنين الأوضاع وتعديل قوانين الاستثمار الأجنبي
الغزالي: العمالة السائبة تفاقم خسائر الدورة الاقتصادية للدولة
الشركات الوهمية أبرز صور الاقتصاد الخفي
الاقتصاد الخفي يزيد من أنشطة التجارة المستترة والتهرب الضريبي
الرؤية - سمية النبهانية
يحمل الاقتصاد الخفي العديد من الأسماء والأوصاف، لكنه بشكل عام يمثل أيّ اقتصاد أو استثمار غير مسجل في الدفاتر الرسمية للدولة ولا توجد إحصاءات رسمية له، فضلاً عن أنّه في كثير من الأحيان غير شرعي ومخالف للقانون.
وتختلف المسميات حسب الأوضاع المحلية للدول، ففي بعض الدول يشمل الاقتصاد الخفي كافة أشكال الأعمال غير القانونية، ويسمى بالاقتصاد السفلي أو الاقتصاد الأسود، ويضم تجارة المخدرات والدعارة وتجارة الأسلحة فضلاً عن تجارة الرقيق. وهناك صور أخرى للاقتصاد الخفي، تسمى بالاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الظل أو الاقتصاد الثاني وغير المسجل، وهو أحد صور الاقتصاد لكنه بعيد عن نظر الحكومات ولا تستطيع مراقبته وفي كثير منه لا يعد مخالفًا للقانون، إذ تكون نوعا من التجارة والاستثمار المسموح به لكن دون سجلات رسمية.
وفي السلطنة، يتفق الخبراء على أضرار الاقتصاد الخفي، وتأثيراته السلبية على المنظومة الاقتصادية بشكل عام، علاوة على الأضرار الكبيرة التي يتسبب فيها، ويؤكد المختصون أن الاقتصاد الخفي في السلطنة تنجم عنه تداعيات سلبية تتمثل في الإخلال بسوق العمل وعرقلة جهود التنمية والتهرب الضريبي.
وقال لؤي بطاينة نائب المدير العام للاستثمار في بنك عمان العربي إنّ الاقتصاد الخفي يُمارس بطرق مُختلفة منها ما هو معروف ومنها ما هو خفي بمساعدة الآخرين. ويعرف بطاينة الاقتصاد الخفي بأنه اقتصاد يضم مجموعة مختلفة من الأنشطة يهدف أصحابها إلى محاولة إما التهرب الضريبى و/أو تجنب القيود المفروضة على الأنشطة الرسمية و/أو التهرب من قوانين العمالة والتشغيل و/أو التهرب من قيود التحويل والاستثمار (إن وجدت). وأوضح أنه اقتصاد غير معلن في العديد من حالاته، وهو اقتصاد قد يكون غير شرعي أو مخالف للقانون على جميع الأحوال والأسباب والظروف والمواقع وباتّفاق جميع القانونين.
وأضاف أن الاقتصاد الخفي لا يدخل في احتساب الناتج القومي لأيّ دولة نتيجة إخفاء أنشطته وعمالته وإيراداته غير المحسوبة، وقد أشارت إحدى الدراسات المنشورة في أحد الأبحاث العلمية والاقتصادية إلى أن الاقتصاد الخفي هو: "كافة الأنشطة المولدة للدخل الذي لا يسجل ضمن حسابات الناتج القومي إما لتعمد إخفائه تهرباً من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة، أو بسبب أن هذه الأنشطة المولدة للدخل بحكم طبيعتها تعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانوني السائد في البلاد".
وحول أهم صور الاقتصاد الخفي في السلطنة، أوضح بطاينة أنها تتمثل في العمالة المخالفة لنظام الإقامة والعمل وخصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي، وكذلك تشغيل الأفراد الذين تمّت إحالتهم إلى التقاعد في الاقتصاد الخفي وذلك خوفاً من تأثر الرواتب التقاعدية لهم من جراء انكشاف مصادر الدخل التي يحصلون عليها من عملهم إذا ما قرروا العمل في الاقتصاد الحكومي (في بعض الدول حيث تمنع الجمع بين راتبين حكوميين)، بالإضافة إلى الورش والمحلات والمصانع غير المرخصة وغيرها، والتجارة الممنوعة مثل الرقيق والأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار، والفساد الإداري والمالي، والرشاوي.
الشركات الوهمية
وفيما يتعلق بتأثير بعض صور الاقتصاد الخفي في السلطنة كالشركات الوهمية، أشار بطاينة إلى أن الشركات الوهمية هي شركات غير نظامية وغير مرخصة قانوناً، وهي تتسبب في اختلال التوازن في سوق العمل وخصوصاً في مجال تشغيل الأيدي العاملة غير المرخصة والمؤهلة والقانونية؛ حيث تختص وتنطلق أعمال تلك الشركات في الغالب لأعمال غير قانونية أحيانًا وتعتمد على أساس الغش التجاري والصناعي غير المراقب مالياً وصناعياً وفنياً وصحياً.
وتابع بطاينة قائلاً إنّ الشركات الوهمية تؤثر على اقتصاد الدولة المالي والمصرفي؛ حيث لا تدخل هذه الأنشطة في احتساب الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني ضياع مصادر مالية واقتصادية للدولة وبدون وجه حق، حيث تستفيد تلك العمالة من أوجه الدعم المالي والاقتصادي وبدون تقديمهم أي مجال و/أو مساهمة للاقتصاد المحلي، وتُعتبر الشركات الوهمية إحدى أهم الأسباب الرئيسية في رفع مُعدلات الباحثين عن عمل بين المواطنين.
وزاد أنّه من الصعب معرفة أو تقدير مدى انتشار الشركات الوهمية أو تقدير حجم الاقتصاد الخفي، إلا أنّه بشكل عام يمكن تقدير أنشطة هذه الشركات إما بالوسائل المباشرة مثل تقدير الأنشطة التي تتم فيها وتجميع هذه الأنشطة وهو أمر قد لا يكون سهلاً، أو باستخدام طرق غير مباشرة مثل محاولة اكتشاف الآثار التي تترتب على وجود مثل هذا الاقتصاد.
العمالة السائبة
وأشار بطاينة إلى تأثير الاقتصاد الخفي في زيادة العمالة السائبة وانتمائها لسجلات تجارية وهمية، قائلاً إنّ الاقتصاد الخفي يحدث تأثيرات سلبية تتمثل في تعطيل وإفشال سياسات التوظيف للمواطنين، ومن ثم زيادة معدلات الباحثين عن عمل، وزيادة التسرب الاقتصادي في الدولة بسبب ارتفاع حجم التحويلات المالية إلى الخارج من قبل العمالة المخالفة للأنظمة، وتضييق الخناق على المدخرات الوطنية، وتقليص الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة والمطلوبة لتتحول إلى استثمارات يتم توظيفها في خدمة الاقتصاد. وأضاف بطاينة أن من النتائج السلبية للاقتصاد الخفي زيادة مُعدلات الفقر بين أفراد المجتمع بسبب انعدام التوظيف وتوزيعه العادل، وانتشار الغش التجاري ومن ثم خلق تهديداً مباشراً لمصالح التجار المواطنين غير المخالفين بصورةٍ خاصة، وأيضاً تحول بعض القطاعات التي تتركز فيها هذه العمالة إلى بيئةٍ طاردة للعمالة المواطنة، بل حتى رأس المال الوطني.
وللتخلص ومواجهة الاقتصاد الخفي، يرى بطاينة ضرورة تطبيق برنامج حماية ومراقبة الأجور في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال متابعة التحويلات النقدية للأجانب إلى خارج الدولة، وكذلك مراقبة تراخيص العمل وترحيل العمالة المخالفة، ومراقبة ما يوصف بـ"سوق التأشيرات"، وأماكن تواجدها ومراقبتها والحد من استغلال تلك التأشيرات، ووضع الضوابط الصارمة والضمانات اللازمة لتأثيث الشركات ومعرفة الدور الحقيقي لها، وكذلك عقوبات صارمة على المخالفين.
الدورة المصرفية
وقال عبد الرحمن برهام الرئيس التنفيذي لشركة المدينة العقارية أن الاقتصاد الخفي هو أمر حاصل في اقتصاديات كافة الدول، حيث تتصدر أندونيسيا هذه الدول عندما نتحدث عن الاقتصاد الخفي، ففيها تدفقات نقديها ضخمة جدا ولكنها خارج الدورة المصرفية والناتج المحلي، كما إن الدول التي بها ضرائب ضخمة كالهند يكثر بها الاقتصاد الخفي تهربا من دفع الضرائب، بجانب الدول التي لا تكون فيها قوانين صارمة وتحد من الاقتصاد الخفي يكثر فيها هذا النوع من الاقتصاد.
وأضاف برهام أنه عندما نتحدث عن السلطنة سنجد أن عدم مرونة قوانين الاستثمار الأجنبي في مختلف القطاعات يجعل المستثمرين الأجانب يلجأون إلى التحايل على القانون والاستثمار في السلطنة والاستفادة من مواردها دون أن يستفيد ناتج السلطنة من هذا الأمر، مشيرًا إلى أنّ الحل هنا ليس المنع وإنما تقنين العملية بقوانين واضحة بنوعية الأنشطة المسموح بها وغير السموح بها، وأن يكون قانون الاستثمار الأجنبي أكثر مرونة حتى لا يترك مجالاً للتحايل.
وأوضح أن قانون الاستثمار الأجنبي العماني يسمح بالتجارة المستترة في أكبر أشكالها، والتي تعد نوعاً من الاقتصاد الخفي، بينما تعكف الحكومة الآن على محاربة التجارة المستترة في مستوياتها الصغيرة التي لا تشكل رقما يذكر حينما نقارنها بالتجارة المستترة في مستوياتها الكبيرة.
وتابع أن "العطاء المشترك (joint tender)" الذي يسمح لشركات أجنبية غير مرخصة أن ترسى عليها مناقصات حكومية ضخمة بوجاهة شركات عمانية، فتأخذ الشركة العمانية نحو 5 في المئة من قيمة العطاء، وتستحوذ الشركة الأجنبية على قيمة العطاء دون أن تستفيد اقتصادياتنا منه، وهو يعد من أبرز وجوه الاقتصاد الخفي.
وزاد إنّه في المقابل، تعكف الجهات المسؤولة حاليا على التصدي للتجارة المستترة على مستوى المواطنين، بينما بالنظر إلى إحدى قيم المناقصات الحكومية، فإنّها تغطي كافة الأموال التي فقدناها في التجارة المستترة في الأعمال الصغيرة. وهي أعمال ساهمت في النهاية في زيادة دخل المواطنين، بينما الحصة الأكبر من كعكة الاقتصاد الخفي هي للشركات الكبيرة، وبشكل قانوني.
وقال برهام: ما نبغيه الآن هو الابتعاد عن العاطفة والاندفاع، والسعي نحو تقنين العملية بتوضيح القوانين للاستثمار الأجنبي والتجارة، وتسهيل القوانين بشكل أكبر إن كنّا حقاً نريد الاستفادة القصوى من الاستثمار الأجنبي.
العمالة السائبة
وقال المهندس عمار بن حامد الغزالي مدير التخطيط والتطوير في مجموعة شركات النهضة العُمانية إنّ العمالة السائبة والتجارة المستترة هي من أبرز مظاهر الاقتصاد الخفي في السلطنة، مشيرًا إلى أنّ العمالة السائبة تتسبب في أضرار اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية، كما إن الإحصائيات الأخيرة حول أعداد الوافدين تفيد بأنّ 44 في المئة من سكان السلطنة هم من الوافدين و55 في المئة هم من المواطنين، ما يعكس مخاطر الاقتصاد الخفي.
وأضاف أنّه لمعالجة الخلل في التركيبة السكانية، فقد وضعت الحكومة الكثير من القوانين والتشريعات للتقليل من نسبة الوافدين، إلا أنّ عدد الوافدين زاد إلى الضعف- بحسب الإحصائيات الرسمية- خلال السنوات الخمس الماضية، لأسباب عدة تتمثل في طبيعة الخطة الخمسية الحالية تنموية. وأوضح أن الكثير من المصروفات تمثل مصروفات إنمائية ومشاريع مقاولات وبنية تحتية تحتاج إلى الكثير من الأيدي العاملة الماهرة وغير الماهرة، وبالتالي لابد من الاستعانة بأيدي عاملة أجنبية وهذا يتناقض مع توجه الدولة بتقليل أعداد الوافدين على المدى المتوسط على الأقل، مشيرًا إلى أنه بما أن مشاريع البنية الأساسية لها أهمية قصوى في بناء اقتصاد قوي ومستدام فلابد من توفير الموارد اللازمة لتلك المشاريع.
وتابع أن من أسباب تنامي الاقتصاد الخفي، ضعف المستوى التنظيمي والحوكمة فيما يتعلق بقوانين وشروط استقدام الأيدي العاملة، موضحًا أنّ الكثير من الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص يقومون بفتح سجلات تجارية فقط ثم استقدام قوى عاملة وتسييبها في سوق العمل، معتبرًا ذلك من أنواع الاتجار بالبشر. ومضى موضحًا أنّ من أسباب انتشار الاقتصاد الخفي ضعف مستوى الرقابة والصرامة فيما يتعلق بالعمالة السائبة، حيث تنتشر هذه العمالة في مناطق وأسواق معينة، والكثير من العمالة التي تبحث عن عمل مؤقت، وكثير منهم عمالة ليست هاربة من الكفيل، وإنّما سائبة بشكل متعمد وبمعرفة الكفيل، فضلاً عن ضعف مستوى الإنفاق على تدريب الكوادر الوطنية.