تباينت ردود أفعال الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي على القرار الذي أعلنتْ عنه شرطة عُمان السلطانية، مُؤخرا، بعدم السماح للوافد بالعودة إلى السلطنة مُجدداً إلا بعد مرور عامين من تاريخ إلغاء تأشيرة العمل، بدءًا من يوليو المقبل. وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول القرار، إلا أن الجميع اتفق على ضرورة إجراء دراسات متعمِّقة قبل صدور أى قرار تجنبا لخطورة تبعاته التي لا تقتصر على فئة أو شريحة معينة، وإنما يمتد تأثيرها -بشكل غير مباشر- إلى كافة مفاصل الاقتصاد. وفي الوقت نفسه، نبه البعض إلى أهمية تطبيق هذه القرارات بحزم لتجنب الآثار السلبية لتزايد عدد الوافدين؛ مما يهدد الهوية العُمانية وتراثها وتقاليدها.
الرؤية - نجلاء عبدالعال
وفي رأي الشيخ سعود بن أحمد النهاري الرئيس التنفيذي لمؤسسة خدمات الموانئ، أن القرار مهم وضروري لتنظيم سوق العمل العُماني، والحد من الآثار السلبية التي تتعاظم مع زيادة أعداد الوافدين حتى إنها تخطت أعداد المواطنين في بعض المحافظات، لكنه أشار -في الوقت نفسه- إلى أهمية بناء كل قرار على دراسات شاملة، وألا يكون ردة فعل متعجلة حتى لا يتحول إلى مجرد مسكن وعلاج مؤقت لآثار المرض أكثر منه علاج للمرض نفسه.
وأضاف النهاري بأن قرارا مشابها لقرار فاصل العامين قبل العودة للعمل بالسلطنة كان معمولا به من قبل، لكن عددا من شركات القطاع الخاص طالبت بتعديله أو إلغائه لما وجدوا فيه من إعاقة لقدرتهم على ضم خبرات وتخصصات يحتاجها عملهم؛ لذلك فربما كان من الأفضل لو تم قصر هذا الإجراء على فئات معينة، ويُستثنى منها التخصصات المهمة والخبرات التي يحتاجها المشروع أو العمل القائم، ويمكن التوصل لتحديد هذه التخصصات عبر الحوار مع جميع الأطراف ودراسة كل جوانب وتأثيرات الموضوع.
وأوضح النهاري أنه يثق في قدرة وزارة القوى العاملة، وكذلك شرطة عمان السلطانية، في تقدير المواقف، وقياس سلبيات وإيجابيات كل قرار، وقال إن لديهم أسبابا لما توصلوا إليه من توجهات إضافية للحد من أعداد العمالة الوافدة.. قائلا: لذلك يُتوقع أن يكون هناك تصور شامل لآثار القرار وكيفية معالجته، خاصة فيما يتعلق بمدى جاذبية سلطنة عُمان للاستثمار الأجنبي أو حتى المحلي، ومدى قدرة السلطنة على استقطاب المهارات والخبرات اللازمة لمرحلة البناء الحالية، ومدى تأثيرها على مدخولات الاقتصاد الكلي وتأثر قيمة الإنفاق والاستهلاك، خاصة في مجال إيجارات العقارات -على سبيل المثال- الذي يعتمد على الوافدين كمستهلك رئيسي.
وبحسب الدكتور ناصر بن راشد المعولي أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الاقتصاد بجامعة السلطان قابوس، فإنَّ القرار صائب وفي المسار الصحيح لمواجهة مشكلات العمالة الوافدة المتصاعدة، لكنه ينبه إلى خطورة تعميم القرارات المتعلقة بالاقتصاد بشكل جماعي؛ لأن هناك بالفعل فئات أو تخصصات بها نُدرة على مستوى العالم؛ فإذا أمكن استقطابها للعمل بالسلطنة فلا يُفترض أن يتم التفريط فيها أو إخضاعها لشروط مثل العامين قبل الانتقال للعمل مرة أخرى في السلطنة، أو الإقامة فقط لمدة 6 سنوات ثم يضطر للمغادرة.
وقال المعولي: إن العدد الأكبر من العمالة الوافدة بطبيعة عملها هي عمالة مؤقتة؛ مثل عمَّال البناء وخدمات المنازل ويمكن استبدالها؛ لذلك فإنه من الممكن وضع أطر لهذه الفئات يكون من الصعب أن تتحول خلالها إلى وسيلة للربح عبر بيع المأذونيات ونقل الكفالة، ووفقا لآخر الإحصائيات فإن أكثر من 70% من العاملين الوافدين يعملون في قطاع الإنشاءات والبنية الأساسية التي تتطلب العمل اليدوي، وما قد لا يود المواطن العمل فيه؛ لذلك فلا مناص من القبول بالعمالة الوافدة بهذا القطاع وغيره من القطاعات التي لا يقبل عليها العُمانيون، خاصة وأنه رغم أنها من المهن البسيطة إلا أنها ضرورة في أعمال البنية الأساسية القائمة.
وقال: إن التفكير في وضع آليات وقرارات للحد من العمالة الوافدة جيد، بل ضروري، لكن المسألة تتضمَّن إشراك كافة الأطراف في هذه القرارات، والاستماع إلى كافة وجهات النظر، ودراسة الآثار المترتبة على القرارات حتى لا تعالج مشكلة بمشكلة أخرى، لذلك فإنه لابد أن يؤخذ رأي مجلس عُمان وممثلين للقطاع الخاص والحكومة وغرفة التجارة والصناعة والباحثين والمهتمين، وكل من يمكن لرأيه أن يفيد في الخروج بقرارات مؤثرة ومثمرة على المستوى المتوسط والطويل وليس فقط كحل عاجل للمشكلة.
ويُحلل الخبير الاقتصادي أحمد كشوب مضمون القرارات بالرجوع إلى مسبباتها وأهدافها؛ فيقول: إن شرط العامين كان من توصيات اللجان القطاعية التي تم تشكيلها من القطاع الخاص وغرفة التجارة والصناعة وممثلين للحكومة للارتقاء بالقطاع الخاص، وكان الغرض الأساسي منها منع التحارب بين الشركات على الكفاءات من الخبرات الوافدة التي قد تمضي وقتا في إدارة شركة وتطلع على أسرار العمل وغيرها ثم تنتقل للعمل لدى شركة منافسة.. موضحا أن هناك حلولًا أكثر بساطة لمنع وقوع هذا، ومنها أن يتم وضع شرط في العقد يمنع انتقال الموظف للعمل في شركة بنفس القطاع لمدة عام بعد تركه العمل، وهذا يمكن أن ينطبق أيضا على المواطن وليس الوافد فقط.
وقال الدكتور إبراهيم بن باقر العجمي رئيس لجنة التطوير العقاري بغرفة تجارة وصناعة عُمان، إنه من مؤيدي عدم السماح للوافد بالعودة إلى السلطنة مجدداً إلا بعد مرور عامين من تاريخ إلغاء تأشيرة العمل؛ لأن أساس القرار أن العامل الوافد إذا لم يكمل مدة عقده سنتين مع المؤسسة التي يعمل بها، فعند مغادرته للسلطنة لا يحق له الدخول إلا بعد مرور سنتين، وهذا صحي وإيجابي، لأنها تحد من عملية نقل القوى العاملة الأجنبية في السوق المحلي، وهذا أيضا له إيجابياته في المؤسسات التي يعمل بها الوافدون لما لها من آثار إيجابية على الاستقرار لدى كفلائهم لكون المؤسسة أو هذا الكفيل هو من سعى لاستقطابهم وحضورهم للسلطنة للاستفادة من خدماتهم في أداء عملهم، وهذا القرار سيقلل من دورانهم الوظيفي نتيجة لمعرفتهم بوجود هذا القانون؛ مما سيجعل العامل يؤدي عمله لفترة أطول؛ لأنه لو غادر لن يستطيع العودة للسلطنة إلا بعد مرور سنتين وهو بحاجة للعمل.
وأوضح العجمي أن العامل لو أكمل مدة سنتين من عقده، وغادر السلطنة، يحق له العودة لكن تحت مظلة كفيل آخر، ولكن إذا انحرف القرار عن هذه الأهداف، سيكون مُجحفا للعامل الوافد وليس من مصلحة القطاع الذي يعمل به نتيجة لفقده موظفًا قد اعتاد على المناخ الاقتصادي بالسلطنة، وعرف بيئة عمله وما يتطلبه، لاسيما في الوظائف القيادية.