بني غازي - الوكالات
من جديد، يعود اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى صدارة المشهد "العسكري" في ليبيا، بعد شهور من ظهوره المُربك على شاشات الفضائيات في فبراير الماضي بزيه العسكري؛ مُثيرا شائعات عن وقوع انقلاب عسكري في ليبيا بعد دعوته لتشكيل لجنة رئاسية لحكم البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة. لكن هذه المرة لم يكتف حفتر بالظهور الإعلامي، وإنما تعداه إلى ظهور مصبوغ بلون الدم، تسبقه رائحة البارود في شرق ليبيا، في ظل ارتفاع عدد ضحايا القتال الدائر بين قوات اللواء المتقاعد في مدينة بنغازي وميليشيات إسلامية إلى 24 شخصا وإصابة نحو مئة آخري، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سيل من الاحتمالات قد يعيد ليبيا إلى المربع صفر.. حيث اللادولة.
وقال شهود عيان إن قوات حفتر استعانت بطائرات حربية لدك قاعدة تستخدمها جماعة إسلامية معروفة باسم لواء السابع عشر من فبراير. وردَّ المسلحون الإسلاميون على الهجوم باستخدام الأسلحة المضادة للطائرات.
ونفى رئيس أركان الجيش الليبي النظامي عبدالسلام جادالله الصالحين، مشاركة الجيش في القتال في بنغازي، فيما أدان رئيس الوزراء المكلف عبد الله الثني العملية. وقال إنها غير قانونية، ووصفها بمحاولة انقلاب. ودعا الصالحين -في نداء وجهه عبر التليفزيون الليبي الرسمي- "الجيش والثوار إلى مواجهة أي جماعة مسلحة تسعى إلى السيطرة على بنغازي بقوة السلاح".
وتطلق جماعة حفتر على نفسها اسم "الجيش الوطني"، وقال ناطق باسمها يدعى محمد الحجازي إن الجماعة "شنت عملية واسعة النطاق تهدف إلى تطهير بنغازي من الجماعات الإرهابية". وانضم العديد من جنود الجيش الليبي النظامي إلى القوات التي يقودها حفتر عقب الهجمات التي تعرضت لها قوات الأمن في بنغازي مؤخرا؛ حيث تساهم الميليشيات التي رفضت حل نفسها أو الخضوع لسيطرة الحكومة الليبية في زعزعة الاستقرار في ليبيا.
وليس من الواضح حجم الدعم الذي يتمتع به حفتر -أحد الوجوه البارزة في الثورة على نظام القذافي- داخل الجيش الذي لايزال تحت التدريب، بينما الواضح حتى الآن، أن الحكومة الليبية المؤقتة اكتفت بمواجهة اشتباكات قوات حفتر وميليشيات الإسلاميين إعلاميا، بإصدارها بيان لطمأنة المواطنين بشأن الأوضاع الأمنية بمناطق جنوب العاصمة طرابلس؛ إذ قالت عبر موقعها الرسمي إن "الأوضاع الأمنية في العاصمة هادئة وتحت السيطرة"، مطالبة الثوار بعدم الانجرار وراء الشائعات التي تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في طرابلس، داعية إياهم إلى الالتزام بأماكنهم وحماية المرافق الحيوية والمواقع التي كُلفوا بحمايتها.
وعلى خلاف مضمون بيان الحكومة الليبية، أعلن إبراهيم فركاش مدير مطار بنغازي أن السلطات الليبية أغلقت المطار، أمس الأول؛ بسبب اشتباكات بين قوات غير نظامية تدعمها طائرات هليكوبتر تابعة لما يسمى بالجيش الوطني الليبي ومتشددين إسلاميين، مبررا ذلك بضمان أمن وسلامة المسافرين نظرا لوقوع اشتباكات في المدينة، مشيرا إلى أن إعادة فتح المطار ستعتمد على الوضع الأمني.
ودفعت الخطوة الليبية شركة مصر للطيران للخطوط الجوية إلى إلغاء رحلاتها الى بنغازى بسبب تدهور الأوضاع الامنية فى شرق ليبيا، حيث كان من المقرر إقلاع رحلة واحدة إلى بنغازى، فيما تستمر رحلات الشركة نفسها إلى طرابلس.
وامتد أثر الانفلات الأمني إلى خارج ليبيا -دبلوماسيا على الأقل- حيث قال مسؤولون إن الجزائر أرسلت فريقا من أفراد القوات الخاصة لإجلاء سفيرها وموظفين في سفارتها بليبيا على طائرة عسكرية بعد تهديد من متشددين، فضلا عن خطف ما لا يقل عن ثمانية دبلوماسيين أجانب بينهم تونسيون ومصريون وأردني في ليبيا خلال العام الجاري على أيدي متشددين يسعون لمبادلة الأسرى بمقاتلين محتجزين في الخارج.
وتواجه بنغازي -على الأخص- صعوبات للحد من العنف ووقف هجمات ألقيت المسؤولية عنها على جماعة أنصار الشريعة التي كثيرا ما تمارس أنشطتها علنا رغم أن الولايات المتحدة تدرجها على قوائمها للمنظمات الإرهابية، كما تطالب تيارات سياسية باستقلال ذاتي في بنغازي.
... حكومة ضعيفة، وبرلمان يُعاني من الشلل بفعل المشاحنات السياسية؛ وضعٌ يُعيق تحقيق أي تقدم يذكر على طريق إرساء ديمقراطية كاملة منذ العام 2011. ولم تتم صياغة الدستور الجديد حتى الآن، في حين شهدت البلاد تعيين ثلاثة رؤساء للحكومة بعد الثورة، برغم الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة ودول أوروبية في سبيل بناء جيش نظامي، إلا أن القوات المسلحة الليبية والحكومة لا تستطيعان السيطرة على كتائب المقاتلين الذين حاربوا القذافي لكن يرفضون إلقاء السلاح.