الرؤية - هيثم الغيتاوي
استقبلت نيودلهي، أمس، بائع الشاي السابق ناريندرا مودي، استقبال الأبطال، بعد فوزه الساحق برئاسة وزراء الهند، لينهي هيمنة عائلة نهرو-غاندي التي حكمت البلاد معظم الوقت منذ استقلال الهند قبل 67 عاما؛ حيث مني حزب المؤتمر الحاكم بأسوأ هزيمة على الإطلاق، بحصوله على أقل من 50 مقعدا في البرلمان المؤلف من 543 مقعدا، مما اضطر رئيسة الحزب سونيا غاندي وابنها راهول إلى الإقرار بالهزيمة في مواجهة مودي المعارض.
وبعد إعلان فوز مودي بعدد مقاعد أكبر ست مرات مما فاز به منافسه الأقرب -ليحقق بذلك أقوى تفويض يحصل عليه زعيم هندي منذ عام 1984- شهدتْ أسواق الأسهم الهندية صعودا صاروخيا، ورحبت الولايات المتحدة وباكستان وإسرائيل...وغيرها بفوز رئيس الوزراء الجديد ودعته إلى زياتها، بينما بقي القلق من نصيب مسلمي الهند من سياسات مودي، القومي الهندوسي، الذي أحاط نفسه بالخبراء الفنيين وبوزراء ومستشارين ينادون كلهم بمبدأ "هندوتفا" أي السيادة الهندوسية، فضلا عن ارتباط اسمه بأعمال الشغب منذ العام 2002 عندما كان مودي رئيسا لوزراء ولاية جوجارات التي شهدت مقتل أكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين في أعمال شغب طائفية.. ومازال مودي يكافح للتخلص من الصورة التي علقت بالأذهان أنه لم يبذل جهدا كافيا لحقن الدماء، حتى إن بعض الهندوس يربطون بين مودي وأعمال العنف.
والآن، وبعد أن أصبح الهندوسي مودي رئيسا للوزراء، فإنه لن يتولى مودي قيادة 975 مليون هندوسي فحسب، وإنما إلى جانبهم 175 مليون مسلم، يمثلون نحو 15 في المئة من سكان الهند وثالث أكبر تجمع للمسلمين في دولة واحدة على مستوى العالم، في ظل ما يعانونه من قلق طائفي دائم، يحرمهم -على سبيل المثال- من شراء العقارات في ولاية جوجارات، خصوصا في المناطق التي يهيمن عليها الهندوس، حيث تعيش الطبقة المتوسطة -سريعة النمو لطائفة المسلمين- محصورة في مناطق مكتظة بالسكان بيوتها متداعية.
ويرى مؤيدو مودي أنه المعادل الهندي لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، وأنه يمثل أفضل فرصة للهند للخروج من التباطؤ الاقتصادي الشديد الذي تعانيه، بينما يقول منتقدوه إنه مستبد يؤمن بتفوق الهندوس.
وفي محاولة لمواجهة هذا القلق، تطرَّق مودي -في كلمة بعد إعلان فوزه- إلى مخاوف من أن تؤدي التوجهات الموالية للهندوس في حزب بهاراتيا جاناتا إلى تهميش الأقليات، وأعلن أن "عهد السياسة المسببة للخلافات انتهى"، وقال: "اعتبارا من اليوم ستبدأ سياسة توحيد الناس". وأضاف: "من مسؤوليتنا ضم الجميع حين ندير الحكومة."
وعلى العكس من تطمينات مودي، أعلن الحزب القومي الهندوسي الرئيسي في الهند إنه يعتزم تقييد صادرات اللحوم البقرية بعد توليه السلطة، مما سيُهدد الامدادات من بلد من أكبر مصدري اللحوم في العالم، إلى أسواق مثل ماليزيا وتايلاند وفيتنام ومصر.
ورغم أن أغلب تلك الصادرات تأتي من لحوم الجاموس، الذي لا يعبده الهندوس، إلا أن حزب بهاراتيا جاناتا يريد كبح الصادرات التي تتناقض مع التقليد النباتي للبلاد كما يريد زيادة توافر الحيوانات التي تربى للعمل في المزارع ولحلب ألبانها. ويمكن أن يؤدي انخفاض في الصادرات الهندية إلى ارتفاع في أسعار المواشي على مستوى العالم.
وعلى صعيد ردود الأفعال الدولية، فقد هنَّأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما رئيس وزراء الهند الجديد بفوزه في الانتخابات، ودعاه إلى زيارة البيت الأبيض، بالرغم من منعه من دخول الولايات المتحدة قبل أقل من عشر سنوات بسبب مذابح تعرض لها المسلمون؛ حيث سبق ورفضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو.بوش منح مودي تأشيرة دخول في 2005، بموجب قانون أمريكي يحظر دخول الأجانب الذين ارتكبوا "انتهاكات شديدة للحرية الدينية".
ووجَّهت باكستان هي الأخرى دعوة لرئيس الوزراء الهندي الجديد لزيارة إسلام أباد، بعد ساعات من فوزه "الساحق"، ووعد رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بتحسين العلاقات مع نيودلهي، لكن سلسلة اشتباكات على حدود إقليم كشمير المتنازع عليه أثارت شكوكا في عملية السلام.
... أبعاد كثيرة لفوز مودي؛ منها: الدولي، والاقتصادي، والعرقي، والديني، وحتى العائلي؛ حيث من المحتمل أن يمثل فوز مرشح المعارضة برئاسة الوزراء، نهاية أخيرة لورثة "مجد غاندي" وسيطرتهم على السلطة، وربما كان ذلك أحد أهداف حزب مودي؛ فرغم أنه تجنب الصدام الديني في جولاته الانتخابية، إلا أنه سعي بكل صراحة و"قسوة" إلى صدام عائلي ضد ورثة "مجد غاندي"، حتى إنه نقل معركته الانتخابية إلى معقل عائلة غاندي، مُخالفا بذلك تقليدا متعارفا عليه، وهو ابتعاد كبار الساسة عن مناطق نفوذ بعضهم البعض. وقال للناخبين إن "الوقت حان للتخلي عن هذه العائلة لإخفاقها في الوفاء بوعودها". ولم يخف مودي عداءه لعائلة غاندي بقوله أمام حشد من الناخبين: "خلال 60 عاما أهدرت هذه العائلة ثلاثة أجيال.. هذه العائلة دمرت أحلامكم.. جئت لأحقق حلمكم".