نتيجة العمل أهم وسيلة لقياس مدى نجاحه، وقياسه لا يكون إلا بأدوات نزيهة، واضحة وشفافة، يتمكن المراقب والمتابع من معرفتها والفصل فيها. والنجاح، يكمن في مدى تطابقه وارتباطه مع السبب والدافع الذي على أساسه قام أو وُجد العمل، فلا تستطيع اليوم، أن تتحدث عن تغيير نظام بلد لآخر، وبقاء سياسات النظام السابق، مع اختلاف الأسماء فقط!
ولعلّه في انسحاب “البرادعي” أحد أكبر الثقوب والفجوات في جدار “الثورة” المصرية الأخيرة، لما لذلك شأن في إرباك الوضع المصريّ كاملا، ورسم ضبابية على المشهد السياسيّ، وسقوطا لمصداقية “حكومة العسكر” ولو في جزءً منها، ولما في ذلك من خلق السبب والحجة إلى دخول الثوّار في خصام أشد وألدّ خصومه مع المجلس العسكري والتشكيك في نزاهته وفي الوفاء بوعوده.
ولعلّ الأسباب المتعلقة بإنشاء أو تشكيل الدستور قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في منتصف هذا العام، مع تأخر الإصلاحات التي وعد بها العسكري، وتوجه حكومة الجنزوري إلى ملاحقة الثوّار وإلباسهم التهم للزجّ بهم في السجون، في يتزامن التأخير والتطويل في محاكمة “مبارك” وزمرته، الذين لا تزال محاكماتهم تجري في المحاكم المدنية، في حين يتم محاكمة من يتم اتهامه من الثُوّار في محاكم عسكرية!!
ولعل رغبة وإلحاح البرادعي ومن وافقه من الأحزاب أو المترشحين للرئاسة، إلى وضع الدستور قبل الانتخابات، ناشئ من تخوّفه في وصول المشير أو غيره لسدة حكم “الجمهورية”، وربما تخوّفا من فرض أو وضع دستورا يحمل في ملامحه أفكارا لطائفة ما بعينها، إشارة إلى تفوّق الإسلاميين في انتخابات البرلمان الأخيرة، وفي كافة مراحلها الثلاث، على غيرهم من الأحزاب والقوى.
المشهد المصريّ، مُربك في كثير من حالاته، فالاخوان هم من صرّح لاحترامهم للمعاهدات الموّقعة بين مصر وإسرائيل، والسلفيون هم نفسهم من صرّح عن استعدادهم للجلوس والتحاور مع اسرائيل في طاولة واحدة! رغم المواقف المتشددة السابقة التي عُرفت عنهم في هذا الشأن. الأمر الذي يُشير في مضمونه إلى “يقين” تغير الرأس السياسي للمشهد المصريّ، وإلى مدى دخول الأحزاب الإسلامية كالإخوان والسلفيين في معاهدات واتفاقيات سريّة مع “الولايات المتحدة” و “الاتحاد الأوربي” وغيرها من قوى المنطقة، لطمأنتهم في حالة وصولهم للحكم، ولكسبهم ثقة وتأييد الغرب.
من ناحية أخرى، أعتقد أنه قرار ليس بجديد ولا مفاجئ البرادعي، وربما بعدما علم وتيّقن تماما أن سلطة العسكر باقية، وأن رموز النظام السابق وقياداته لن يتم محاكمتهم “بالعدل” المتوّقع له أن يأخذ مجراه، ولكنّ نتائج الانتخابات البرلمانية دفعت به إلى هذا القرار دفعا، بعدما تيّقن أن الشعب المصري بأغلبيته سيذهب إلى تتويج رئيسا ذا صبغة دينية في انتخابات الحكومة، كما فعلها في البرلمان.
تغليب الطابع الديني، ودخول التحريم والتحليل، أدخل “خللا” لا متوقعا في المشهد السياسي لمصر، وهو ما يراقبه المتابعين والمهتمين للوضع المصريّ بحذر، تخوفا من تنامي وتصاعد النزعة الطائفية، وما سيتبعها من تثبيت وتمكين للنزعة المذهبية، ولما سينتج عنه من تقييد للحريات وتحويل للحياة المجتمعية.
أما مطالب الثورة، في تحقيق المساواة والعدل والكفاءة والنهوض بالمجتمع المصريّ علما واقتصادا، يبدوا أنها ليس ما يشغل المجلس العسكري الآن، ولا يشغل برنامج مرشحي الانتخابات القادمين، ولا وضع المزارع أو العشوائيات في مصر. وأن الأجندة السياسية تغيّر مجراها من إصلاحات سياسية اقتصادية، إلى إصلاحات دينية وسياحية.
البرادعي رجل استقرار، ونظرياته السياسية التي قدمها، كفيلة إلى أن ترسم لنا اتجاهه السياسي العميق والناضج، فهو أوّل من باشر من المرشحين إلى النزول للشارع، والخروج للقرى والأرياف، وهو أوّل من نادى بضرورة الدستور، وهو ذو الإدراك والمفهومية لأهمية الحياة المدنية ذات الحريات فردية والطوائف المتعددة، نظرا لحياته العملية وإقامته السابقة، وكلنا نعلم عن الهجوم المنظّم الذي شنّه نظام مبارك عليه سابقا، بعد تحالفه مع الإخوان السياسي، حينما أشهروا ونشروا عن حياة “ابنته” وزوجها “الأوربي”. وما سببه ذلك من حرج للبرادعي ولحلفاءه “الإخوان” بسبب أن ابنته كانت قد كتبت على جدار تعريفها أنها “ملحدة”!
للآن، كل الذي تغيّر في مصر شيئين، اسم مبارك، وتصاعد “التسلّط” الإسلامي في الواقع المجتمعي لمصر، أما غير ذلك، فلا يوجد، فللآن رئيس الحكومة “المؤقتة” هو أحد رجالات النظام السابق، وإن اشتهر بمدى قربه من الشعب، ووزراء حكومته بعضهم كذلك، ومحاكمة مبارك لم ينتهي مسلسل تأجيلها، ولا مستقبلها واضحة ملامحه، ولا أن عناوينناً كــ “العدل” و “المساواة” و “الحرية” و “التنمية” معلومة مصائرها ومدى تنفيذها، لا في ظل عمل الحكومة المؤقتة، ولا في نوايا “الحكومة المقبلة”.
كل ما أستطيع أن أقرّ به، أنه رغم اختلافي مع انسحاب البرادعي من السباق الرئاسي، إلا أنها خطوة مهمة رسمت مدى عدم خضوع هذا الرجل لا للمساومات، ولا للتغرير السياسي، وأنه أكثر من غيره وعياً بالمشهد السياسي الحالي وملامحه ونتيجته، وأنه أكثر انصافا للثوّار في تضامنه مع ثورتهم وجداله المستمر مع المجلس العسكريّ في تعامله معهم وفي إدارة شؤون البلاد وإقصاءه لكل من خالفه الرأي. هذا الانسحاب هو كاللطمة الإيجابة على خدّ العسكر ومن أيّدهم من أحزاب. ولكن الأخطر من ذلك، هل هو طريق إلى انشقاق في الصفّ السياسي؟ وهل هو سيشكل ردة فعل مؤيدة في سبيل تصحيح مسار الثورة التي عمل المجلس العسكري منفردا على قطف ثمارها بحجّة “حمايتها”؟
وهو السؤال الذي سيبقى يطرح ويُكرّر نفسه، مالفرق بين المجلسين العسكريين: المصريّ والتونسي، فالآخر حمى الثورة كذلك، وشكّل حكومات انتقالية، ووضع للبلاد دستورها، وأجرت البلاد انتخاباتها، التي رغم اكتساح الإسلاميين مقاعدها، إلا أن الحكومة أتى على رأسها “رجل ليبراليّ”، لماذا؟ لأن المصلحة الوطنية العليا لا تخص طائفة دون غيرها، بل هي مسؤولية الجميع “كما قال المنصف المرزوقي نفسه”. ما الفرق بين عسكرهم في تونس وعسكرهم في مصر، مالذي اختلف هناك فأكمل عمل العسكر والشعب وخرجت تونس جديدة بمقاييس جديدة تتناسب والثورة التي قامت، وما الفرق في الجانب الآخر الذي أدخل البلاد وشعبها في حالة اصطدام وخصام وعدم استقرار؟؟؟
ولعلّه في انسحاب “البرادعي” أحد أكبر الثقوب والفجوات في جدار “الثورة” المصرية الأخيرة، لما لذلك شأن في إرباك الوضع المصريّ كاملا، ورسم ضبابية على المشهد السياسيّ، وسقوطا لمصداقية “حكومة العسكر” ولو في جزءً منها، ولما في ذلك من خلق السبب والحجة إلى دخول الثوّار في خصام أشد وألدّ خصومه مع المجلس العسكري والتشكيك في نزاهته وفي الوفاء بوعوده.
ولعلّ الأسباب المتعلقة بإنشاء أو تشكيل الدستور قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في منتصف هذا العام، مع تأخر الإصلاحات التي وعد بها العسكري، وتوجه حكومة الجنزوري إلى ملاحقة الثوّار وإلباسهم التهم للزجّ بهم في السجون، في يتزامن التأخير والتطويل في محاكمة “مبارك” وزمرته، الذين لا تزال محاكماتهم تجري في المحاكم المدنية، في حين يتم محاكمة من يتم اتهامه من الثُوّار في محاكم عسكرية!!
ولعل رغبة وإلحاح البرادعي ومن وافقه من الأحزاب أو المترشحين للرئاسة، إلى وضع الدستور قبل الانتخابات، ناشئ من تخوّفه في وصول المشير أو غيره لسدة حكم “الجمهورية”، وربما تخوّفا من فرض أو وضع دستورا يحمل في ملامحه أفكارا لطائفة ما بعينها، إشارة إلى تفوّق الإسلاميين في انتخابات البرلمان الأخيرة، وفي كافة مراحلها الثلاث، على غيرهم من الأحزاب والقوى.
المشهد المصريّ، مُربك في كثير من حالاته، فالاخوان هم من صرّح لاحترامهم للمعاهدات الموّقعة بين مصر وإسرائيل، والسلفيون هم نفسهم من صرّح عن استعدادهم للجلوس والتحاور مع اسرائيل في طاولة واحدة! رغم المواقف المتشددة السابقة التي عُرفت عنهم في هذا الشأن. الأمر الذي يُشير في مضمونه إلى “يقين” تغير الرأس السياسي للمشهد المصريّ، وإلى مدى دخول الأحزاب الإسلامية كالإخوان والسلفيين في معاهدات واتفاقيات سريّة مع “الولايات المتحدة” و “الاتحاد الأوربي” وغيرها من قوى المنطقة، لطمأنتهم في حالة وصولهم للحكم، ولكسبهم ثقة وتأييد الغرب.
من ناحية أخرى، أعتقد أنه قرار ليس بجديد ولا مفاجئ البرادعي، وربما بعدما علم وتيّقن تماما أن سلطة العسكر باقية، وأن رموز النظام السابق وقياداته لن يتم محاكمتهم “بالعدل” المتوّقع له أن يأخذ مجراه، ولكنّ نتائج الانتخابات البرلمانية دفعت به إلى هذا القرار دفعا، بعدما تيّقن أن الشعب المصري بأغلبيته سيذهب إلى تتويج رئيسا ذا صبغة دينية في انتخابات الحكومة، كما فعلها في البرلمان.
تغليب الطابع الديني، ودخول التحريم والتحليل، أدخل “خللا” لا متوقعا في المشهد السياسي لمصر، وهو ما يراقبه المتابعين والمهتمين للوضع المصريّ بحذر، تخوفا من تنامي وتصاعد النزعة الطائفية، وما سيتبعها من تثبيت وتمكين للنزعة المذهبية، ولما سينتج عنه من تقييد للحريات وتحويل للحياة المجتمعية.
أما مطالب الثورة، في تحقيق المساواة والعدل والكفاءة والنهوض بالمجتمع المصريّ علما واقتصادا، يبدوا أنها ليس ما يشغل المجلس العسكري الآن، ولا يشغل برنامج مرشحي الانتخابات القادمين، ولا وضع المزارع أو العشوائيات في مصر. وأن الأجندة السياسية تغيّر مجراها من إصلاحات سياسية اقتصادية، إلى إصلاحات دينية وسياحية.
البرادعي رجل استقرار، ونظرياته السياسية التي قدمها، كفيلة إلى أن ترسم لنا اتجاهه السياسي العميق والناضج، فهو أوّل من باشر من المرشحين إلى النزول للشارع، والخروج للقرى والأرياف، وهو أوّل من نادى بضرورة الدستور، وهو ذو الإدراك والمفهومية لأهمية الحياة المدنية ذات الحريات فردية والطوائف المتعددة، نظرا لحياته العملية وإقامته السابقة، وكلنا نعلم عن الهجوم المنظّم الذي شنّه نظام مبارك عليه سابقا، بعد تحالفه مع الإخوان السياسي، حينما أشهروا ونشروا عن حياة “ابنته” وزوجها “الأوربي”. وما سببه ذلك من حرج للبرادعي ولحلفاءه “الإخوان” بسبب أن ابنته كانت قد كتبت على جدار تعريفها أنها “ملحدة”!
للآن، كل الذي تغيّر في مصر شيئين، اسم مبارك، وتصاعد “التسلّط” الإسلامي في الواقع المجتمعي لمصر، أما غير ذلك، فلا يوجد، فللآن رئيس الحكومة “المؤقتة” هو أحد رجالات النظام السابق، وإن اشتهر بمدى قربه من الشعب، ووزراء حكومته بعضهم كذلك، ومحاكمة مبارك لم ينتهي مسلسل تأجيلها، ولا مستقبلها واضحة ملامحه، ولا أن عناوينناً كــ “العدل” و “المساواة” و “الحرية” و “التنمية” معلومة مصائرها ومدى تنفيذها، لا في ظل عمل الحكومة المؤقتة، ولا في نوايا “الحكومة المقبلة”.
كل ما أستطيع أن أقرّ به، أنه رغم اختلافي مع انسحاب البرادعي من السباق الرئاسي، إلا أنها خطوة مهمة رسمت مدى عدم خضوع هذا الرجل لا للمساومات، ولا للتغرير السياسي، وأنه أكثر من غيره وعياً بالمشهد السياسي الحالي وملامحه ونتيجته، وأنه أكثر انصافا للثوّار في تضامنه مع ثورتهم وجداله المستمر مع المجلس العسكريّ في تعامله معهم وفي إدارة شؤون البلاد وإقصاءه لكل من خالفه الرأي. هذا الانسحاب هو كاللطمة الإيجابة على خدّ العسكر ومن أيّدهم من أحزاب. ولكن الأخطر من ذلك، هل هو طريق إلى انشقاق في الصفّ السياسي؟ وهل هو سيشكل ردة فعل مؤيدة في سبيل تصحيح مسار الثورة التي عمل المجلس العسكري منفردا على قطف ثمارها بحجّة “حمايتها”؟
وهو السؤال الذي سيبقى يطرح ويُكرّر نفسه، مالفرق بين المجلسين العسكريين: المصريّ والتونسي، فالآخر حمى الثورة كذلك، وشكّل حكومات انتقالية، ووضع للبلاد دستورها، وأجرت البلاد انتخاباتها، التي رغم اكتساح الإسلاميين مقاعدها، إلا أن الحكومة أتى على رأسها “رجل ليبراليّ”، لماذا؟ لأن المصلحة الوطنية العليا لا تخص طائفة دون غيرها، بل هي مسؤولية الجميع “كما قال المنصف المرزوقي نفسه”. ما الفرق بين عسكرهم في تونس وعسكرهم في مصر، مالذي اختلف هناك فأكمل عمل العسكر والشعب وخرجت تونس جديدة بمقاييس جديدة تتناسب والثورة التي قامت، وما الفرق في الجانب الآخر الذي أدخل البلاد وشعبها في حالة اصطدام وخصام وعدم استقرار؟؟؟