اشتعلت نار البوعزيزي، فأحرق لهيبها عرش زين العابدين، حتى أسقطه، انتقلت الشرارة وسط دهشة العالم أجمع، إلى مصر، فذهب على إثرها مبارك، ورغم الولادة القيصرية العسيرة التي شهدتها الحالة الليبية، إلا أنها انتقلت لفجر جديد بعد القذافي، رغم ضبابية المشهد إلى الآن فيها، وعدم وضوح خارطة طريق الدولة الجديدة!
عامٌ مضى على الأمّة العربية، شهدت فيه مالم تكن تتوقعه، وعاشت فيه فصلا أحرق كل أصفر ويبسٍ، تراكم إثر عقودا من الظلم والديكتاتورية والإنفراد بالسلطة، نهض فيه الشعب، واستنهض عزيمته، ونفض عنه غبار الصمت والخوف، ليخرج إلى الميادين والشوارع، ليس فقط مطالبا بالإصلاح، بل بالتغيير والتبديل والإصلاح، تغيير الواقع السياسي، واستبدال الأنظمة بعد الإطاحة بها، وإصلاح الحال “الخلل” بعد عقود من الفساد الإداري وسوءالتنظيم وخصخصة الالقطاع العام لرجال الحكومة نفسها، بما يُفيد المسؤول دون البلاد والعباد.
لذلك، حريّ بعام 2011، أن يكون عام متفردا لا كباقي أعوام القرن الحالي ولا القرن المنصرم، لأنه عام شهد استفاقة شعوب ما كان ليتوقع لها أحد في يوم ما هذه الاستفاقة، شعوب كان يُرمز لها دوما بالجهل والأميّة والكسل، وكانت مثالا على الخوف والسكوت عن الحقوق، وصورةً حيّة متكررة في التخلي عن المطالب الأساسية للعيش، شعوب تخلّت عن كل شيء دون أيّ شيء، إلا الأمل!!
ولكن، بعد رحلة هذه الشعوب مع ربيعها، ما العمل؟
هو السؤال الذي لا زال يطرح نفسه وسط عدد من الأحداث تشهدها بلاد الربيع العربي، أهمها:
- تصاعد المدّ الإسلامي في البرلمانات، وسيطرتها على صنع القرار السياسي.
- عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية، والأمنية في هذه البلاد.
- عدم وضوح خطة العمل السياسي للمجتمع، لأجل تجنب أخطاء الأنظمة السابقة.
أما في تصاعد المدّ الإسلامي، فهي نتيجة حتمية متوقعة لسببين، أولهما: عمل الأنظمة القمعية السابقة على كبت عمل الأحزاب الإسلامية، وتعمد إفشاء سياسة معادية لهم في المجتمعات، عبر توظيف الوسائل الإع الإعلامية، والأفلام والخطابات السياسية، لأجل تشويه صورة “الملتزم دينيا” وكأنه وحش فارغ العقل، قدِم من القرون الوسطى، ولا همّ له من الحياة غير الحلال والحرام، الذي لا يتجاوز غير الحجاب واللحى. مستغلين بذلك، الهجوم المنظم الذي تشنه الولايات المتحدة، على تنظيم القاعدة منذ تسعينيات القرن المنصرم، والتي اشتدت شراستها بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر.
أما الأمر الآخر، التنظيم والصفّ الموّحد الذي اكتسبته هذه الأحزاب، طوال فترة اصطدامها بالنظام، والتأييد العاطفي الشعبي الذي نالته كا المكافأة إثر التزامها خط المواجهه مع الأنظمة القمعية، وحين بدأت اللعبة السياسية بعد الثورات، كان من الطبيعيّ جدا، أن تتقدم هذه الأحزاب الصفوف، لأنها ورغم التأييد الشعبي اللافت الذي تحظى به، إلا أنها كانت الأكثر استعدادا من أيّ حزب آخر، والأدرى بآلية تنظيم الانتخابات والدعاية والإعلان، والانتشار بين الناس للتأثير فيهم وكسب أصواتهم.
وللآن، يبدوا أنّ هذه الأحزاب هي الأكثر استعدادا للمواجهة، والأكثر استقرارا وثباتا أمام المتغيرات السياسية الجديدة، والأكثر عملا في في الميادين بين الناس في المجتمعات، رغم أن هذه الأحزاب نفسها، قدّمت نفسها، وكأنها “صحوة” الدين، وعودة الخلافة والنظام الإسلامي للخلافة الراشدة، وتركت نقاشها حول الصحة والتعليم والاقتصاد، حول أمور ظاهرية شكلية أثارت القلق والشكوك حول نيّة هذه الأحزاب.
أما في سبب غياب الاستقرار الاقتصادي والأمني، فهو أهم التحديات التي تعيشها مجتمعات الربيع العربيّ، وجوهر هذا التحدي يكمن في السؤال الذي بدأت بعض القنوات التابعة للأنظمة التي لطالما شككت في أهمية الربيع العربي، والسؤال هو: ماذا تستفيد الشعوب من التغيير إذا اهتزّ اقتصادها وغاب أمنها؟، ورغم أن السؤال يحمل في وصفه واقع بلدان الربيع، إلا أنّ هذه الأنظمة وقنواتها الموّجهه، تتجاهل النظر أو البحث حول الخلفيات والأسباب الحقيقية للفوضى التي تعيشها هذه البلدان، وهو أنّ قوّة الظلم وشدة بطش اليد الأمنية لتلك الأنظمة، هي ما أدى إلى غياب ثقة الشعوب في نفسها، لممارسة العمل السياسي، وتفعيل الثقافة السياسية في مجتمعها، لأن تحديث المجتمعات أهم بكثير من تحديث الدولة، ففي الأولى ضمان أبديّ لوجود مساحة واسعة من الانتاجية والدراية في إدارة أموره. أما الأخرى‘ فهي مرتبطة بعمل شخص ما أو نظام معيّن، متبدلة بذهابه، ولا مستقبل لها لعدم وجود التناسق والتوافق بينها وبين المجتمع.
اليوم، أهم ما يُفيد مجتمعات الربيع العربي، بل وكافة المجتمعات العربية، هو العمل السياسي وتفعيله بين كافة شرائحها، بداية من المواطنة ومعناها وأسسها وبنودها، ومالها وما عليها، انتهاءً بالسلطة والمشاركة في صنع القرار، عبر تفعيل المجالس البرلمانية والبلدية، وتشكيل لجانا للبحوث العلمية، لأجل تهيئة مستقبل سياسي صحّي، تيعيشه الأجيال اللاحقة، مهما كان ثمن التجربة التي ستمرّ بها هذه المجتمعات، إلا أن تجارب الدول والشعوب التي سبقتنا في التجربة ونجحت، من السهل التعلم منها وتطبيقها بعد أخذ ما يتناسب مع حالة وظروف كلّ مجتمع. إلا أنّ الذي يحدث، هو انشغال قادة الثورات أو صانعوها في بلاد الربيع العربي، بإبراز أنفسهم أمام المجتمع، لأجل نيل كرسيّ أو منصب لعمل سياسي ما، وترك الأمور على ما هي عليه، متناسين، أن أهم أسباب تكوّن ونشوء الأنظمة القمعية، هي المجتمعات المنشغلة بالبحث عن خبز يومها لملئ البطون، وتترك عقولها للفراغ والتأويل!
مضى عام 2011 على العرب ربيعا، وننتظر 2012 لأجل حصد ثمرات هذا الربيع، وغرسها على الأرض الجديدة التي تكونت على خارطة الوطن العربيّ.
عامٌ مضى على الأمّة العربية، شهدت فيه مالم تكن تتوقعه، وعاشت فيه فصلا أحرق كل أصفر ويبسٍ، تراكم إثر عقودا من الظلم والديكتاتورية والإنفراد بالسلطة، نهض فيه الشعب، واستنهض عزيمته، ونفض عنه غبار الصمت والخوف، ليخرج إلى الميادين والشوارع، ليس فقط مطالبا بالإصلاح، بل بالتغيير والتبديل والإصلاح، تغيير الواقع السياسي، واستبدال الأنظمة بعد الإطاحة بها، وإصلاح الحال “الخلل” بعد عقود من الفساد الإداري وسوءالتنظيم وخصخصة الالقطاع العام لرجال الحكومة نفسها، بما يُفيد المسؤول دون البلاد والعباد.
لذلك، حريّ بعام 2011، أن يكون عام متفردا لا كباقي أعوام القرن الحالي ولا القرن المنصرم، لأنه عام شهد استفاقة شعوب ما كان ليتوقع لها أحد في يوم ما هذه الاستفاقة، شعوب كان يُرمز لها دوما بالجهل والأميّة والكسل، وكانت مثالا على الخوف والسكوت عن الحقوق، وصورةً حيّة متكررة في التخلي عن المطالب الأساسية للعيش، شعوب تخلّت عن كل شيء دون أيّ شيء، إلا الأمل!!
ولكن، بعد رحلة هذه الشعوب مع ربيعها، ما العمل؟
هو السؤال الذي لا زال يطرح نفسه وسط عدد من الأحداث تشهدها بلاد الربيع العربي، أهمها:
- تصاعد المدّ الإسلامي في البرلمانات، وسيطرتها على صنع القرار السياسي.
- عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية، والأمنية في هذه البلاد.
- عدم وضوح خطة العمل السياسي للمجتمع، لأجل تجنب أخطاء الأنظمة السابقة.
أما في تصاعد المدّ الإسلامي، فهي نتيجة حتمية متوقعة لسببين، أولهما: عمل الأنظمة القمعية السابقة على كبت عمل الأحزاب الإسلامية، وتعمد إفشاء سياسة معادية لهم في المجتمعات، عبر توظيف الوسائل الإع الإعلامية، والأفلام والخطابات السياسية، لأجل تشويه صورة “الملتزم دينيا” وكأنه وحش فارغ العقل، قدِم من القرون الوسطى، ولا همّ له من الحياة غير الحلال والحرام، الذي لا يتجاوز غير الحجاب واللحى. مستغلين بذلك، الهجوم المنظم الذي تشنه الولايات المتحدة، على تنظيم القاعدة منذ تسعينيات القرن المنصرم، والتي اشتدت شراستها بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر.
أما الأمر الآخر، التنظيم والصفّ الموّحد الذي اكتسبته هذه الأحزاب، طوال فترة اصطدامها بالنظام، والتأييد العاطفي الشعبي الذي نالته كا المكافأة إثر التزامها خط المواجهه مع الأنظمة القمعية، وحين بدأت اللعبة السياسية بعد الثورات، كان من الطبيعيّ جدا، أن تتقدم هذه الأحزاب الصفوف، لأنها ورغم التأييد الشعبي اللافت الذي تحظى به، إلا أنها كانت الأكثر استعدادا من أيّ حزب آخر، والأدرى بآلية تنظيم الانتخابات والدعاية والإعلان، والانتشار بين الناس للتأثير فيهم وكسب أصواتهم.
وللآن، يبدوا أنّ هذه الأحزاب هي الأكثر استعدادا للمواجهة، والأكثر استقرارا وثباتا أمام المتغيرات السياسية الجديدة، والأكثر عملا في في الميادين بين الناس في المجتمعات، رغم أن هذه الأحزاب نفسها، قدّمت نفسها، وكأنها “صحوة” الدين، وعودة الخلافة والنظام الإسلامي للخلافة الراشدة، وتركت نقاشها حول الصحة والتعليم والاقتصاد، حول أمور ظاهرية شكلية أثارت القلق والشكوك حول نيّة هذه الأحزاب.
أما في سبب غياب الاستقرار الاقتصادي والأمني، فهو أهم التحديات التي تعيشها مجتمعات الربيع العربيّ، وجوهر هذا التحدي يكمن في السؤال الذي بدأت بعض القنوات التابعة للأنظمة التي لطالما شككت في أهمية الربيع العربي، والسؤال هو: ماذا تستفيد الشعوب من التغيير إذا اهتزّ اقتصادها وغاب أمنها؟، ورغم أن السؤال يحمل في وصفه واقع بلدان الربيع، إلا أنّ هذه الأنظمة وقنواتها الموّجهه، تتجاهل النظر أو البحث حول الخلفيات والأسباب الحقيقية للفوضى التي تعيشها هذه البلدان، وهو أنّ قوّة الظلم وشدة بطش اليد الأمنية لتلك الأنظمة، هي ما أدى إلى غياب ثقة الشعوب في نفسها، لممارسة العمل السياسي، وتفعيل الثقافة السياسية في مجتمعها، لأن تحديث المجتمعات أهم بكثير من تحديث الدولة، ففي الأولى ضمان أبديّ لوجود مساحة واسعة من الانتاجية والدراية في إدارة أموره. أما الأخرى‘ فهي مرتبطة بعمل شخص ما أو نظام معيّن، متبدلة بذهابه، ولا مستقبل لها لعدم وجود التناسق والتوافق بينها وبين المجتمع.
اليوم، أهم ما يُفيد مجتمعات الربيع العربي، بل وكافة المجتمعات العربية، هو العمل السياسي وتفعيله بين كافة شرائحها، بداية من المواطنة ومعناها وأسسها وبنودها، ومالها وما عليها، انتهاءً بالسلطة والمشاركة في صنع القرار، عبر تفعيل المجالس البرلمانية والبلدية، وتشكيل لجانا للبحوث العلمية، لأجل تهيئة مستقبل سياسي صحّي، تيعيشه الأجيال اللاحقة، مهما كان ثمن التجربة التي ستمرّ بها هذه المجتمعات، إلا أن تجارب الدول والشعوب التي سبقتنا في التجربة ونجحت، من السهل التعلم منها وتطبيقها بعد أخذ ما يتناسب مع حالة وظروف كلّ مجتمع. إلا أنّ الذي يحدث، هو انشغال قادة الثورات أو صانعوها في بلاد الربيع العربي، بإبراز أنفسهم أمام المجتمع، لأجل نيل كرسيّ أو منصب لعمل سياسي ما، وترك الأمور على ما هي عليه، متناسين، أن أهم أسباب تكوّن ونشوء الأنظمة القمعية، هي المجتمعات المنشغلة بالبحث عن خبز يومها لملئ البطون، وتترك عقولها للفراغ والتأويل!
مضى عام 2011 على العرب ربيعا، وننتظر 2012 لأجل حصد ثمرات هذا الربيع، وغرسها على الأرض الجديدة التي تكونت على خارطة الوطن العربيّ.