ديباجة:
"السلطة بدون حزم تؤدي إلى تسيب خطير، والحزم بدون رحمة يؤدي إلى طغيان أكثر خطورة"
غازي القصيبي
****
أعتقد أنه من الصعب أن يعطي أحد تفسيرا واحدا شاملا لما حصل ويحصل في بلادنا منذ ثلاثة شهور وحتى الآن! لأن محاولة الفهم تطرح تسائلات أكثر مما تطرح إجابات. ولكن الأكيد أنها مرحلة تمثل تراكمات أخطاء الماضي، ومواجهة لكل القضايا المؤجلة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية.
والتسائلات كثيرة لا تنتهي لعل أبسطها: ما الذي حدث للشخصية العمانية؟! بعد أن كانت هناك مؤسسات تراهن على طيبتها الزائدة، واحترامها المفرط، لنجد أن مسؤولا حكوميا "رفيعا" ذهب ليحدث مجموعة من المعتصمين فكان ردهم "قاسيا" وعباراتهم جارحه. لماذا؟
قد يكون جواب البعض: "مس قلبي ولا تلمس رغيفي"، وهذا ينطبق على مجموعة كبيرة من المعتصمين الباحثين عن فرص وظيفية أو زيادة رواتب أو تحسين أوضاع معيشية، ولكن كانت هناك مجموعات أخرى من المعتصمين، بعضهم أطباء، ومهندسين، وشعراء، وكتاب، وصحفيين، وموظفين لهم مطالبهم مختلفة تتعدى ذلك.
وقد باردت الحكومة بحزمة من التغييرات شملت تعيين وزراء جدد، وإلغاء لمؤسسات حكومية قائمة مثل وزارة الاقتصاد الوطني مثلا والإعلان عن مؤسسات جديدة مثل هيئة حماية المستهلك، ولكن الإشكالية التي تواجه هذه التغييرات أن ليس هناك جدول زمني يوضح خطوات الاصلاح القادمة ويفند المطالب التي لا يمكن تحقيقها. واستمرت الاعتصامات السلمية التي كان يقال عنها أنها محمودة وقانونية، وتحولت بين عشية وضحاها إلى اعتصامات غير قانونية وغير مصرح بها وانتهى المطاف بالحل الأمني الذي تردد أنه يعيد للدولة هيبتها في مقابل آخرين احتجوا أن أحدا لم يمس هيبة الدولة.
دوامة كبيرة كانت تعصرنا ونعصرها، نتفق مع البعض ونختلف مع البعض الآخر، نغير مرئياتنا في اليوم أكثر من مرة نتيجة حدث أو انعطاف. ولكن أكثر ما ابهجني في تلك الدوامة هي بعض الوجوه الجديدة التي دخلت إلى مراكز صنع القرار على مستوى الدولة. أشعر بسعادة غامرة حين أرى وطني يختار أنجب أبناءه لمفاصل إدارية قيادية. يختارهم بمعايير الكفاءة فحسب، ليس لحسابات سياسية ولا توازنات قوى ولا محاباة وبدون توصيات. هل هذه هي المثالية؟ فلتكن!
أشعر بإحترام كبير للبزات العسكرية، ونياشين الشجاعة والخدمة الطويلة والسلوك الحسن، لأني على يقين أن مرتديها هم خط الدفاع الأول عن هذا الوطن إن تعرض لا قدر الله لمكروه، وأن الحياة معهم تتساوى تماما مع الموت حين يُمَسُ تراب هذا الوطن. وأراهم دائما أجدر بالخنادق والثكنات، وأجدهم أكثر حنكة وحصافة في غرف الأركان والعمليات.
أحترم القبيلة كوحدة اجتماعية، وأرى أنها جزء في منظومة المحافظة على عادات هذا البلد وجزء من تاريخيه وحضارته. وأرى شيوخ القبائل لحضورهم الاجتماعي ضرورة في الأفراح والأتراح. وأنهم مرجع أولى لفض الخصومات وإعادة المياه الاجتماعية إلى مجاريها. لذلك أرى الشيخ دائما أجدر بسبلته بين أفراد عشريته.
يحاول الكثيرون ممارسة التجارة، ولكن يبقى التجار الحقيقيون في السوق، يصنعون الأموال والأرباح وبهم أيضا تحصل الاستثمارات وتقام المشاريع وتعمر الأرض. لذلك في الأسواق مكانهم، يديرون عقاراتهم، ويقسمون أراضيهم، ويبيعون أسهمهم.
فليتكرم علينا كل هؤلاء بالتركيز على تخصصاتهم واهتماماتهم وليخلو وجه الحكومة للتكنوقراط، فهؤلاء هم "الجوكر" في هذه المرحلة للرقي بالأداء الحكومي. والتكنوقراطية مصطلح يوناني الأصل ويقصد به حكومة الفنيين، وتلجأ إليها الدول حلا للخلافات السياسية. وتتشكل هذه الحكومة من الاقتصاديين والمعماريين والمهندسيين وغيرهم من الفنيين. بمعنى أن هؤلاء المشتغلين في ميادين العلوم المختلفة يستنبطون تفسيرات لظواهر اجتماعية معقدة، ويطبقون عليها تجربتهم للوصول إلى حلول أكثر فعالية وتنظيما.
قد تكون هناك تجارب تكنوقراطية غير موفقة فيما سبق ولكن هذا ما لا يقاس عليه، المسألة تحتاج إلى نظام تكنوقراطي متكامل وليس عملا فرديا، للوصول إلى حكومة أدائها فعال يغلب عليها الطابع العملي أكثر من بهرجة البروتكول. حكومة تعمل بشفافية، تعتذر إن أخطأت وتحاسب من تجاوز. ولا يعيب أي حكومة أن تكون هناك أخطاء، لكن العيب هو التستر عليها ونكرانها.
في التغييرات الأخيرة قدرات تكنوقراطية على مستوى وزراء ووكلاء وزارات أنا متفائل بهم إلى أبعد الحدود، أطباء ومهندسون وأساتذة جامعات واقتصاديون كان لهم كل التقدير والاحترام في مؤسساتهم السابقة نتيجة قدراتهم العملية ومواهب القيادية. أتمنى أن تتاح لهم الفرصة كاملة لتحقيق رؤية عمان الجديدة.
ملاحظة:
الصورة الأولى لهلال البادي
الصورة الثانية لمحمد الحبسي
http://7shr.blogspot.com/2011/05/blog-post_31.html