مضت أعوام على ذلك التقرير والعرضالمرئي الصغير الذي تحدثت فيه خلال أحدى مقررات الصحافة والنشر الالكتروني عنقانون المطبوعات والنشر في السلطنة، كنت قد عرضته أمام بعض الزملاء وأمام وزيرالإعلام الحالي – الذي كان محاضرا وأستاذا ساهم مع بقية زملائه الاكاديميين هناكأمثال أساتذتي: سالم الرشيدي – انور الرواس – عبدالله الكندي – حسني نصر – طه نجم –عبيد الشقصيفي تعليميأبجديات العمل الصحفي – لكنني أقصد هنا معالي الدكتور عبدالمنعمالحسني، الذي حمل حقيبته الوزارية قبل أسبوع تقريبا ، تلك الحقيبة المثقلةبالمطالبات والتطلعات الكبيرة في مجال حيوي ومحوري يتمثل في المجال الصحفي خصوصا (الصحف والمجلات وكافة المطبوعات الصحفية ) والنشر العام ( الكتب وحركة النشر عموما).
الوزير الجديد
اذن تلك الحقيبة التي استلمها وزير الاعلامالجديد تحمل ذلك الإرث التاريخي المثقل بالإخفاقات والبطء والنمطية و المتمثل في أمريناساسيين عانت منهما وزارة الإعلام لسنوات: أولا ارث عمل وزارة الإعلام في الخمسوالثلاثين سنة الماضية خصوصا في قطاعالصحافة، وأقصد هنا القوانين والإجراءات الخاصةبالعمل الصحفي وحركة النشر، فالمعلوم أن قوانين الطباعة والنشر بدأت فعليا عام 1975 حيثصدرت بمرسوم من السلطان، وثانيا على مستوى الصورة الذهنية التي تشكلت في ذهن المواطنالعماني، سواء كان متابعا عاديا، أو متابعا متخصصا، عن عمل وزارة الإعلام الموجهتجاه تقديم الصورة الناصعة عن الحكومة، رغم أنه في الواقع تزحزح جزء كبير من ذلكالإرث بعد استقلال الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، على الأقل كان تزحزحا معنويامهما بدأت التغيرات المرادفة له تتضح للناس.
اذن مر أكثر من ثلاثة اعوام على تلكالمحاضرة التي لم تتجاوز الـ 15 دقيقة تقريبا، تلك المحاضرة التي كان محورهاالرئيس هو القوانين المنظمة للعمل الصحفي والنشر على مستوى الصحافة العمانية بكللغاتها العربية والأجنبية. ورغم إنني للأسف لا أملك تلك الورقة الصغيرة التي ناقشتوطرحت من خلالها رؤيتي لإعادة صياغة قانون المطبوعات والنشر من خلال عناصر عدة،سأتطرق اليها.
قانون المطبوعات والنشر
كان الجزء الأكبر من تلك المناقشات التي تحدثنا من خلالها عن قانون المطبوعات والنشر متمثلا في تلك الأحكام التي تحد من مهام الصحافة والصحفيفي القيام بواجباته على أكمل وجه فيالسلطنة وقد ناقشنا ذلك معا وفق عدد من الأحكام، مجملها لا يتصل بالـ الأحكامالمتعلقة بالمطابع والمطبوعات على وجه العموم والجوانب الإدارية المتصلة بآلياتالحصول على الترخيص ولا تتعلق بآليات واجراءات تداول المطبوعات وتوزيعها.
المحظور نشره
لكن أبرز الاشياء التي تناقشنا حولها كانت متمثلة فيالخطوط العريضة المتعلقة بالموضوعات المحظور نشرها وقد قدمت ملاحظاتي الأساسيةوالتي من المؤمل ان يتم مراجعتها في المستقبل، لنعود الى ذلك العصر الذهبي للصحافةالعمانية " معنويا " قبل وجود قانون المطبوعات والنشر والذي شهد تعديلاتعديدة معظمها لم تخدم الصحافة العمانية بقدر ما كانت تقوم بوضعها في " زاويةأضيق " وأبرز تلك التعديلات المضيقة لحرية الصحافة جاءت عام 1984 وهي ساريةالى يومنا هذا وتمثلت في الآتي:
أسئلة
" المادة 27 تقول إنه لا يجوز نشر ما من شأنهالإضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة أوالوضع الاقتصادي للبلاد" وهو في مجملها مادة قانونية فيها الكثير منالعمومية، وفيها كثير من التوقع لأشياء لا يمكن توقعها، فالمشرع هنا توقع قيامالصحاف بالنيل من العملة الوطنية ولكنه لم يضع " نوع " هذا الإضرار أوطريقته، أو شكله، حيث جاء فقط خاليا من أي تعريف دقيق، ومن ثم جاءت التكملةكالتالي " أو ما يؤدي الى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة، أو الوضعالأقتصادي" ولنقف عند هذا التعريف قليلا:
قال المشرع هنا: ما يؤدي الى بلبلة الأفكار عن سوقالمال، وهي أيضا عبارة فيها الكثير من العمومية وعدم الوضوح، وتفيد أن الصحف يمكن أن تنشر شيئا يثير بلبلة الأفكار! " والسؤال هنا : ما المقصود بـ" بلبلةالأفكار "؟ هل يقصد بنشر أكاذيب؟ أم بنشر حقائق؟ لأن الحقائق المتعلقةبالجوانب الإقتصادية في حقيقتها لا تسبب بلبلة في الأفكار فحسب إنما تغيرأيضا من الممارسات التي يتخذها أصحاب الأموال خصوصا في مجال سوق الأموال، فهل كانالقصد هنا هو أن يقوم القانون بمنع الصحف ومحاسبتها وفقا لهذا البند العام والسؤال هنا ايضا : هل يقصد المشرع أنه علىالصحفي أن لا يقوم بنشر أية معلومات " وإن كانت صحيحة وحقيقية " حول ايةأحداث في السوق مما قد يؤدي الى تضييع مصالح؟! وهل يقصد بتلك المصالح العامة أم الخاصة، ان هذا مأخذ واضح على هذه المادة.
حول المفاهيم
وفي المادة 28 جاءت المادة القانونية في جملة "لا يجوز نشر كل ما من شأنه المساس بالأخلاق والآداب العامة والديانات السماوية.": ويكرر المشرع نفس الخطأ العام الذي يعاني منه قانون المطبوعات والنشر مجددا، وهوالخوض في العموميات والأفكار العامة الخالية من أية محددات لفظية أو معنوية، فماالمقصود بالآداب العامة؟ هل هي الأخلاق العامة؟، أم الممارسات العامة؟، وما القصودبكل هذه الكلمات الشاسعة في المعنى؟ وهذا في الحقيقة خطأ متكرر في معظم الموادالمتعلقة بالقانون الخاص بالمطبوعات والنشر.
في المادة 32 جاءت المادة " لا يجوز نشر أي خبرأو مقال أو صور أو مستند يكون قد صدر فيه أمر من وزير الإعلام بعدم النشر حتى تتمإجازته من نفس المصدر. إن هذا البند يكشف مدى التدخل الواضح الذي من الممكن أنيلعبه وزير الإعلام أو وزارة الإعلام في شؤون الصحف، وفي شؤون ما تنشره، وهذا فيالحقيقة كان من أبرز البنود التي شهدت سجالا واضحا في معظم المناقشات التي تحدثتعن قانون المطبوعات والنشر كان أهمها في ندوة " الكلمة بين الحرية وحدودالمساءلة " والتي نظمتها جمعية الكتاب والأدباء، وهذا النقاش حقيقة أساساعتراض على التدخل السافر في شؤون التحرير الصحفية في كل مؤسسة، فليس من المعقولأن يتدخل الوزير في ذلك دون أن تعرف المؤسسة الصحفية نوع تلك الاخبار أو المقال أوالصورة المقصودة في هذا البند، وفي حقيقة الأمر هناك ادلة واضحة تؤكد ان وزراءالإعلام السابقين مارسوا هذا التصرف، وربما آخرها كان في فبراير الماضي حين شهدتالسلطنة مظاهرات وتلقت الصحف رسائل بعدم نشر أخبار متعلقة بهذا الصدد وكان هذاالتدخل هو تطبيق لهذا البند، حسب ما ذكر لي صحفيون.
التعديل الأخير
وجاء التعديل الأخير والذي صدر نهاية 2011 أيضاوالذي قضى بمنع أية أخبار أو معلومات أو وثائق تقع تحت أسم " وثائق سرية" ! وهذا أيضا يعتبر تقنين واضح لنوع الاخبار المنشورة كون أن الاخبار السريةهنا ليس لها تصنيف واضح، هل الوثائق التي قد يصحل عليها الصحفي يجب أن لا تكونمختوم عليها كلمة " سري للغاية " لينشرها؟! ماذا اذا قام بنشر الصحفيبنشر وثائق عادية متداولة لكنها تحمل معلومات غاية في الأهمية هل ذلك ايضا يعتبر" نشر لوثائق سرية "؟! إنه الخيط الوهمي الذي نلاحظه في كل البنودالمذكورة سابقا وهو الغموض وعدم وجود اللفظ الاجرائي المحدد لها.
ان كل هذه الملاحظات التي ذكرتها سابقا على بنودومواد قانون المطبوعات والنشر والتي أتمنى أن تلغى تماما من قانون المطبوعاتوالنشر هي في الحقيقة أبرز النقاط التي ناقشتها في تلك المحاضرة التي قدمتها أماماستاذي ومعلمي – وزير الإعلام الحالي – وهي ليست سوى مراجعة لأبرز ما كان يعانيهالصحفي العماني والمؤسسة الصحفية بالدرجة الأولى.
إنني آمل ايضا في هذا الجانب أن يتم صياغة قانونجديد ينصف الصحافة ويحمي دورها بدلا أن يسهم في حبس المعلومة والمعرفة ويخفيها عن المواطن والجماهير، التي تعيش في الحقيقة عصرالمعلومات والمعرفة، وتسعى لنيل حق حرية الحصول على المعلومات.
أن كل هذهالمفاهيم والملاحظات التي تحدثت عنها تنضوي تحت أسم " التغيير المعنوي "قبل التغيير الفعلي، لأن التغيير الحقيقي لابد أن ينبع من الصحفي ومن المؤسسةالصحفية في المقام الاول ، وهذه الملاحظات التي اتمنى أن تحدث فعليا هي من أجل عدةأهداف اساسية :
-تحريرالصحافة العمانية من كل أشكال " التقييد " ليقوم بدوره بشكل أكبر، وهذاالدور بالتأكيد لا يقتصر على القانون وإنما على القائمين على وسائل الإعلامالمحلية .
-اعادةصياغة القانون كليا وفق متطلبات المرحلة وبما يتوافق مع دولة المؤسسات في ظل بدءالخطوات لاستقلال القضاء ودور المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتي من بين أبرزنصوصها " حق المعرفة ".
أمنيات عاجلة:
تحدثت عنمرئيات خاصة ومهمة طرحتها أمام وزير الإعلام الجديد في مرحلة الدراسة عندما كنتطالبا وكان محاضرا، اليوم أتحدث بلغة الصحفي الذي يتحدث للمسؤول، لكن ليس المسؤولالعادي وإنما المسؤول الذي ننتظر منه الكثير، مسؤول يمتلك الخبرة المهنية والتجربةالاكاديمية ايضا في مجال الصحافة، وهنا اضع بعض الأمنيات العاجلة والطارئة التييجب أخذها بعين الاعتبار أهمها:
-منعسجن الصحفيين أو رؤساء التحرير بسبب أية اخطاء، أو أية موضوعات صحفية تخل بالمهنيةأو بالأخلاقيات المتعارف عليها في الصحافة والأكتفاء بالغرامة المالية في حالوجودة تجاوزات مهنية، او اخلاقية أو تعدي على بعض الأشخاص أو المعتقدات أو البنودالحساسة في قانون المطبوعات والنشر.
-رفضايقاف الصحف من الصدور والأكتفاء بالغرامة المالية والعقوبة المعنوية أشد من العقوبةالفعلية في وسائل الإعلام.
-وضعتنظيم قانوني واضح للصحافة الالكترونية تراعي الظروف المهنية والعملية لهذا النوعمن الصحافة، لاسيما في وقت يتجه في العالم الى الإنترنت باعتباره مصدرا اساسياللمعلومات، فالمستقبل قادم والمستقبل هو للمحتوى الالكتروني، لأن متغيرات الحصولعلى المعلومة تغيرت وأختلفت، فالواضح أن قوانين نشر المحتوى الإلكتروني خصوصا تلك المتعلقةبالنشر تعاني من تشتت واضح، فتنظيمه منقسم بين قانون تنظيم الاتصالات المعني في الأساس بخدمات الاتصالات بكافة اشكاله،وقانون تقنية المعلومات،وبين القانون الذي سيخضع له المحتوى الالكتروني في حالتعرضه للمحاسبة الا وهو قانون النشر الخاصبوزارة الإعلام. ان هذا الانقسام الواضحفي القوانين التي تنظم النشر الالكتروني بحاجة الى نظرة مختلفة وواضحة، فالصحافةالالكترونية تحديدا بحاجة الى قانون خاص من اجل للمستقبل، فالواقع يقول أن هناكصحف الكترونية ظهرت ومن بينها " الفلق" وهناك مجلة العامل أيضا ، ومواقعاخبارية الأخرى التابعة للصحف ايضا موجودة منذ سنوات.
ضرورات
-استاذيمعالي وزير الإعلام انت أول المؤمنين بضرورة المعالجة العاجلة لكل هذه الملفاتالشائكة التي تحدثت عنها والتي أضعها على طاولتك اليوم ، ونحن لأجل ذلك نعول عليك الكثير،ليس لأجل " ضرورات التغيير " وحسب وإنما لأجل إنصاف الصحافة العمانية والنشر بكافةأشكاله ( صحف وكتب وما شابهه ) ومن أجل جيل عماني جديد تغيرت مفاهيمه تجاه الحياةوالوطن والمعرفة.
http://turkitruth.blogspot.com/2012/03/blog-post.html