إعلان
ADVERTISEMENT
إعلان
ADVERTISEMENT

كل البشر يحتاجون لقطرة

عندما شعرت بأني وصلت إلى أطراف الأرض وخَفَتَ ضوء كل شيء حتى الوهج الذي أشعل تلك الفكرة وأخرجها إلى الوجود حينها فقطأدركت بأن الاستيقاظ من الحلم والجلوس على حافة السرير هو الحل.

عيون البشر تحتاج إلى ذرف الدموع الخالية من الفرح والحزن   دموعمن نوع آخر غير معهود وخاصةً عندما تكون تلك العيون هي المصدرالأوحد للاستماع والنظر في آنٍ واحد.

حاولت لملمت دموعي بأطراف أصابعي حتى لا يَشعر بي وبها الآخرون من البشر الذين همهم معرفة ما سبب تلك الدموع، وخوفاً منأن يُقال بأني أبكي، لم أعي حينها بأن البكاء دواء فانحبست حينهافي مقلتيّ، وشعرت بعدها بلحظات سُحبت بقوة من موضعها فيعيني لتستقر بجوفي في آخر المطاف.

تكرر المشهد مراتٍ ومرات، حتى كدت أصارع قدري بأفكاري التيبدأت تأخذني في أغلب الأحيان إلى استبعاد القدر مما يحصل،لتستقر فكرة الإيحاء بأنها أفكار وهواجس من بقايا ذلك العصر الذي كنت أجلس فيه في نفس تلك الحديقة، وأدخل نفس تلك الأماكن، وتلك السينما التي اتخذت من السماء سقفاً لها، وذلك المقهى المزدحم منأجل كوب من الشاي الأحمر أو بالحليب لا يهم، المهم أن يكون دافئ في ذلك الوقت من الشتاء، ويبقى ألم ذلك المشهد من خلف الأيامالغابرة يخنقني ويرسل عبرته إلى عيوني التي فارقتها الدموع.

لقد كنت أكثر من الأسئلة التي تدور في مخيلتي وتتلقاها نبضات قلبي وترتسم على وجهي ولكن في المقابل لا أحب الشكوى لأحد من البشر مهما كان الموقف يؤلمني أو يُقلقني، فقد تعودت كل شيء منقدري أن يأتيني به دون مقدمات لأنه قدري الذي أؤمن به.

ما زلت أشعر بطول الطريق والمسافات المتباعدة بين كل محطة وأخرى فيه وما زالت الوعورة فيه تأخذ مني الكثير من الوقت لأستنزفه في خطواتي المتثاقلة بعكازي الذي له متسع في سريري أحتضنه أحياناً واضعه تحت مخدتي أحياناً أخرى كيف لا وهو رفيق دربي وعشرة عمر ناهزت العشرين عام …. سنظل برفقة بعضنا حتى ذلك اليوم الذي تكون فيه اللحظة الأخيرة لمحطتي ورحلتي الكبرى.

عيون تتهادى بلا دموع تذرف تحتاج إلى قطرة لتنظيفها ليُعيد إليها ذلك الشعور المختزل فيه شريط الذكريات التي كانت الغشاوة عليها أمر لا بد منه حتى اختفت خلفها دموع الفرح والحزن المتراكم عبر تلك السنين.

رحلت الدموع بلا رجوع ، وتجمدت في مقلتيّ ولازمتني عدسات نظّارتي لتردد في نفسي وتحكي لي ما عجز الغير عن الإفصاح به ،بأنني لست ذلك الشاب العابث في الحديقة أو الذي يقفز من علىجدار المدرسة في الفسحة ليُلقي نظرة على بنات تلك المدرسة المجاورة، ولست ذلك العاشق الذي يلهث للبحث له عن كرسي أمام شاشة تلك السينما ، ولم أعد ذلك الشاب المطروب عشقاً بأغاني سيدة الغناءالعربي في “ألف ليلة وليلة”  و ” أنت عمري ” … كل البشر يحتاجونإلى تلك القطرة لتنظيف أعينهم لعل وعسى أن تُعيد إليهم دموع الفرحالتي سرقتها لحظاته ودموع الحزن التي توارت خلف قضبان الألم في تلك السنين الغابرة.

على ذلك الكرسي وتلك الطاولة التي يفوح منها العطر المعتّق ، وفي تلك الزاوية التي أنظر فيها إلى رسوماتي وخرابيش كتاباتي المعلقة على جدران غرفتي في تلك الأماكن البعيدة من السماء ، سيظل الفرح يحتويني مثلما أنا أحتويه ، وسترافقني دموع الفرح التي اشتقت لهاإلى ذلك الخلود السرمدي فوق السحاب ، هناك فقط سأترك عكازي خلفي ونظارتي سيكسرها القدر على جدران نسيان الألم ، وسيكون حينها هذا الوجود مجرد نقطة عبور ، لن يكون لبعد النظر أو قصره موضع في عيوني ، ولن يكون لتلك النظارات بعدساتها الفرنسية أثر من وجود ، وكذلك سيختفي رفيق الوجود بعد الرحلة الكبرى ، فقدرهم كتوب في ذلك الوجود فقط ، إنما قدري الخلود .

نعم أنا الآن بحاجة أكثر مما مضى لتلك القطرة التي ستجعلني أشعر بالبكاء الزائف ولكنها ستكون أمام الناس دموع لترسم على وجهي ولو بعد فوات الأوان معنى البكاء لعيوني التي فقدته وحرقت به جوفي بدلاً أن يُروى به بساتين الفرح، أو يُطفئ به نيرانه التي سببتها عثرات السنين. 

حمدان بن هاشل بن علي العدوي

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist