يبدو أن الجزء الثاني من كتابه “كلمة” بلغ سطره الأخير فالشيخ سعود بن علي الخليلي يغمد القلم ويغلق الدفتين ويلوح مودعاً وهو يبتسم.
ولم يكن الشيخ ساردا للتاريخ بل الموجه للدفة والصائغ لملاحم المجد.
ولكم أن تسألوا نزوى التي خرجتْ في سبعينيات القرن الهجري الماضي إلى البقيع النزوي لتكتب اسم الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي على شاهد القبر ، إذ سرعان ما غادر الإمام الخليلي – الضجيعين اليعربيين – ليكون حيث يكون الشيخ سعود الخليلي قائما وقاعدا ، ومعهما الزمن الخليلي كله براياته وهاماته وأحداثه.
واللقاء بالشيخ سعود الخليلي كان لقاء بالإمام الرضي الخليلي وبالزعيم الحميري وبالولي الحارثي وبكل الكبار الكبار الكبار الذين وضعوا وشمهم على جبهات الزمان.
وكما كان الشيخ سعود الخليلي إرث دولة الإمامة وعطرها وساريتها كان في مساحات أخرى من الوطن هو الأقرب من التاج السلطاني والشريك الرئيس في المسيرة.
وكان بين قلائل من خبّتْ بهم النوق إلى ظفار للقاء جلالة السلطان سعيد بن تيمور
ومع فجر النهضة المباركة كان الشيخ الخليلي مبعوث الطيب الذكر قابوس الخالد.
وكان يمين جلالته التي امتدت لتصافح الزعماء العرب يوم طاف الوطن العربي من البحر إلى البحر مترئسا وفد الصداقة العماني ومبشرا بعهد قابوس العظيم.
وقد اختاره الخالد الذكر ليكون وزيرا للمعارف في أول حكومة رأسها المغفور له السيد طارق بن تيمور.
وحين تصطخب الهواتف في الهزيع الأخير من الليل الطويل والكئيب لتنعي التحاق الشيخ الخليلي بركاب الذين سبقوه فلا بد من أن يكون صوت النعي مزلزلاً حين يتحدث عن موت جبل ، ولكن من قال أن الجبال تموت ؟.
ويتحدث النعيّ عن انطواء صفحة من التاريخ ، والعهد بالتاريخ يعاف توسُّد الثرى ليشمخ دوما سارية تتنفس السماء.
لقد عاش الشيخ سعود الخليلي في الفيحاء بجوار جبال الإبراهيمية فتضاءلت أمامه كل الجبال.
ويوم زرته في ظهور الشوير بلبنان لم يدهشني أن أراه الأعلى من قمم جبل صنِّين.
وكان الحديث مع الشيخ سعود الخليلي مراجعة للتاريخ الذي قرأناه في تحفة الأعيان وعمان عبر التاريخ ونهضة الأعيان وفي القصائد والملاحم.
ومصافحة الشيخ هي مصافحة لفجر النهضة العمانية والإنصات للحكاية الوطنية بقلم أحد صناعها وأجمل كتابها وأصدق رواتها.
لقد أغمض الشيخ سعود الخليلي عينيه على عمان العظيمة وهي في الأيادي الأمينة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم لتبقى المكتسبات التي عاشها الشيخ هي الوقود لقاطرة النهضة المتجددة.
وبرحيل الشيخ سعود الخليلي يرحل آخر الشيوخ الكبار الذين نعرفهم ، ويرحل معه كل الذين تركوا مضاجعهم ليزهروا في مجالسه وليعطروا أحاديثه فيصدق على الشيخ الراحل قول الشاعر :
يموت بموته خلق كثير.
حمود بن سالم السيابي
————————————-
مسقط في ٣٠ سبتمبر ٢٠٢١م.