جلس عمار في غرفتة المظلمة المغلقة، لا يريد أن يخرج على احد ابدا، ولا يريد رؤية أي إنسان مهما كان قربه منه، كانت أصوات الضحكات تدور في أذنه وتتغلغل في رأسه كسهام قاتلة ، وهمساتهم البذيئة لاتزال تتردد حول اذنيه كبعوضة مؤذية لا تنفك عن اللف حوله، ولمساتهم الوقحة الواضحة على جسده الصغير،مخلفة قصة صراع كبير بينهم إلا أنهم لا يبالون بصراخه وتوسلاته، فاحتضن أحدهم جسمه – المتهالك ضعفا – بقوة، وهو يبكي ويبكي ويبكي ولكن مافائدة البكاء الآن؟؟ لقد كان ضحية فساد أخيه جمال ، والذي كان بدوره ضحية عمه المخمور، الذي يأتيهم آخر الليل لينام معهم، لم يراعي حق أخيه الذي أواه مع أهله، ولم يحترم بيته وأولاده بل كان الفساد بعينه، فالخراب والفساد فتح من بابه، أفسد أبن أخيه جمال الذي كان من أجمل أطفال الحي وافقده براءته، وأكملها أبن الجيران، الذي أخذه من أمه بحجة إعطائه بعض الألعاب القديمة ليستطيع أن يتسلى بها، ولكنه لم يجد ما يلعب به وإنما وجد نفسه ألعوبة بين فك ذلك الشيطان الصغير، وأخذ بالصراخ إلا أن الشيطان كان قد رفع صوت التلفاز عاليا لكي لا يسمعه أحد ، وفقد برائته كطفل بريء أصبح شيطانا آخر إنغرست فيه كل معاني الخبث والخديعة،والكذب والشهوة حتى أصبح بدوره يعتدي على الآخرين بدون وجه حق ولكنه لم يهتم لكل مايحدث لغيره، فلم يعد لديه ما يخسره فلقد خسر نفسه، وها هو أخيه عمار أصبح ألعوبة بين يدي مجموعة من الشباب ليجعلوه عبرة لأخيه جمال الذي كان ذئبا وحشيا مع شاب صغير استطاع أن يخبر أخاه الأكبر بما حدث، وها هو عمار محاط بمجموعة من الذئاب للإنتقام في شخصه هو، ما ذنبه؟؟
رموه كالكلب أمام بيته فتلقته أيدي المارة المتسائلة ، لتحتضنه امه الباكية وتلطم وجهها وتصرخ بأعلى صوتها، لتحمله كالمجنونة للمستشفى، وهو الآن يجلس وحيدا في غرفته، الكل يبكي لما وصل إليه حاله، كره الدراسة فتركها، لم يهتم لأي شيء، وإنما هو في حالة نفسية متأرجحة، تتقاذفه بين النوايا الحسنة والسيئة ، أن يكون مصلحا في المجتمع، أو أن يكون فاسدا كما أفسده الآخرون ، كان كل من في البيت يسمع بكاءه بصوت عالي ورغم ذلك لم يكن يجرؤ احد على الإقتراب منه، أو التحدث معه في الأمر، وفي نفس الوقت الكل في العائله بدا يحذرون ويخافون منه فهو قد يتعرض ويتحرش بإطفالهم مثلما فعلوا به، ولكن بعد وفاة أخيه جمال في حادث سيارة، بدأ عمار يعيد حساباته من جديد، ومرت سنوات منذ تلك الحادثة،استرجع كل ذكرياته الأليمة ليتركها خلفه مستعينا بالله الذي أنار بصيرته وقوى عزيمته، فبدأ عمار في نفض الغبار عن فكره وحياته، وبدأ رحلته بالعودة لكراسي الدراسة، لم يكل ولم يتعب، كان من المتميزين والمتفوقين وكأنه يريد أن يمسح كل الأخطاء من ذاكرته والذكريات السيئة التي لا جدوى منها، كل اليأس الذي كاد أن يوصله لنفس مصير أخيه، لم يكن الأمر سهلا أن يتعايش مع تلك المشاعر المتضاربة، ولينهل من العلم ما يستطيع فكان كالجائع المتعطش لمدرجات العلم ويشتهي أن يرسم لنفسه هدفاجديدا وهو الوصول للقمة ،فأنهى الثانوية بنسبة تؤهله لأفضل الجامعات الراقية ، وكلها تفتح يديها لتستقبله بكل فخر ، فلم يتراجع وإنما خط قلمه للنجاح، وتكللت دراسته بالتفوق ليكون رمزا لتحقيق المستحيل رغم الظروف القاسية التي مر بها، إلا أنه كان يعرف ان الله يحبه ويريده أن يكون ذاكرا، شاكرا، حامدا لكل عطاياه وان كانت ابتلاء فهي من الله فمن انا لأعصي، ومن انا لانكرفضله، فالحمد لله على نعمه التي لا تحصى، كم كانت فرحة أمه عظيمة حين تقدم منها ليخبرها برغبتة بالزواج، وتراقصت عينيها فرحا لتحتضن اول حفيد لها منه، ما أجمل عطايا ربي، فالحمدلله.
إلهام السيابية
#عاشق_عمان