تطبيق تيك توك (TikTok)، الذي تم تحميله أكثر من فيسبوك وإنستغرام – لا يتخذ من السيلكون فالي الأميركي ولا من أحد مراكز التقنية الناشئة في أوروبا مقرًا له، بل تملكه الشركة الصينية الناشئة والبارزة بايت دانس (ByteDance) – المؤسّسة في بكين عام 2012 ، وبالفعل أصبح تطبيق الفيديوهات القصيرة أول تطبيق من الصين يرتبط فعليًا بحياة المستخدمين من أنحاء العالم. وتحولت “بايت دانس” الآن إلى أكثر شركة ناشئة قيمةً في العالم، بحسب تحقيق مطول نشره موقع “كوارتز”.
تتمتع منصة تيك توك – التي تعد منصة لمقاطع الفيديو الشخصية القصيرة (السيلفي – Selfie) – بمهارة عالية في اجتذاب المستخدمين صغار السن في مقاطع الفيديو المتتابعة التي لا نهاية لها. ومثل وسائل التواصل الاجتماعي الرائدة، يتيح لك تيك توك التواصل مع الأشخاص الذين تعرفهم – لكن هذا جزء لا أهمية له بالنسبة للتطبيق.
ويكمن السبب حول تحول تيك توك إلى ظاهرة عالمية في السلسلة اللامتناهية من مقاطع الفيديو التي ترد إليك من أشخاص لا تعرفهم تحت أيقونة “من أجلك” (For You). وفي هذه الأيقونة تحديدًا، تُظهر خوارزميات تيك توك الجبّارة مقاطع فيديو من ملايين المستخدمين، مخصصة لك وفق طابعك الشخصي.
وبناءً على ما أعجبك من القصص قد ترى طفلاً يرش كريم الحلاقة في حذاء ثم يضع قدمه فيه، وفي وسم #تحديات (#challenges) يُظهر أشخاصا يقلدون النمل أو يضعون صلصة الصويا على أجزاء حساسة من الجسم. وبالطبع، هناك الكثير من الرقص، لا سيما بين المستخدمين الهنود لتيك توك، الذين يقضون أكبر عدد من الساعات على التطبيق من بين المستخدمين خارج الصين.
ويقول سكوت كينيدي (Scott Kennedy)، خبير الاقتصاد الصيني في مركز أبحاث الاقتصاد الاستراتيجي والدولي بواشنطن: “إن أحد الشروط المسبقة لنجاح تيك توك العالمي هو أنه تطبيق عالمي، وليس تطبيقًا متأصلًا في الثقافة الصينية أو يلبي احتياجات الجمهور الصيني، وهذا يعدّ أمرًا غير عادي بالنسبة للمنتجات والخدمات المقدمة من الشركات الصينية”.
يُعتبر التطبيق – من نواح كثيرة – أول تطبيق عالمي للصين. حيث جمع تيك توك – من خلال محتواه المضحك، والغريب، والخطير جدًا في بعض الأحيان – 717 مليون مستخدم نشط شهريًا على مستوى العالم اعتبارًا من شهر ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك مستخدمو الإصدار الصيني من التطبيق، ما يعني زيادةً قدرها 70% عن العام السابق، وذلك وفقًا للموقع المزوّد لتحليلات التطبيقات آب آني (App Annie). وتعتبر الهند أكبر سوق للتطبيق في الخارج، حيث يؤكد التطبيق أن لديه 120 مليون مستخدم نشط شهريًا، مقارنة بـ 26 مليون نشط في الولايات المتحدة.
وتمتد شعبية التطبيق إلى بلدان أخرى خارج أميركا. حيث تقول لوسي براون – وهي طالبة بريطانية في أوائل العشرينات من عمرها تعيش في تشيستر شمال غرب إنجلترا: “لقد سمعت عن تيك توك خلال العمل في معسكر صيفي في الولايات المتحدة. كان جميع الأطفال يتحدثون عنه”. وتقدّر براون أنها تقضي حوالي نصف ساعة من اليوم في مشاركة مقاطع فيديو مضحكة مع الأصدقاء والعائلة.
ويقول إريك يانغ، وهو صانع محتوى على تيك توك، يبلغ من العمر 24 عامًا، ويسكن بانكوك ويمارس التسويق عبر الإنترنت، إنه بدأ في استخدام التطبيق بعد رؤية نجاحه بين أوساط جيل زِد – أي الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1995 و2009. ويؤكد يانغ، الذي بدأ استخدام التطبيق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن لديه الآن أكثر من 8.000 متابع على المنصة وهو معدل زيادة للمتابعين أكثر مقارنةً بإنستغرام.
وتعود أفضلية النمو هذه بشكل جزئي إلى أن المنافسة بين صنّاع المحتوى على اجتذاب المشاهدين على تيك توك ليست بمقدار الشراسة على إنستغرام حتى الآن، حيث يشير يانغ إلى أن حوالي 10% إلى 20% من مستخدمي إنستغرام يقومون أيضًا بصناعة المحتوى، بينما تبلغ هذه النسبة حوالي 1% إلى 2% بالنسبة لمستخدمي تيك توك.
ويُبرز صعود تيك توك تطورًا هامًا، وهو تأثير الصين المتزايد في تكنولوجيا المستهلك خارج حدودها. ففي داخل الصين لا يمكن تصور الحياة دون تطبيق التواصل الاجتماعي العملاق لشركة تينسينت (Tencent) ووي تشات (WeChat) أو عملاق التجارة الإلكترونية علي بابا (Alibaba)، لكن هذين التطبيقين لا يتم استخدامهما على نطاق واسع خارج الصين أو بين الجاليات الصينية. ويوضح المدى الذي بلغه تيك توك أنه وأخيرًا لم يعد بإمكان التطبيقات الصينية أن تبقى على قيد الحياة فحسب، بل بات بمقدورها أن تزدهر في الخارج، وأن تخلق منافسةً حقيقية لعمالقة وادي السيليكون التقليديين.
ومع ذلك، فقد جاء نجاح التطبيق أيضًا في الوقت الذي شرَعت فيه الولايات المتحدة والصين في حرب تجارية ركزت فيها الأعمال العدائية غالبًا على عمالقة التقنية في الصين، وبراعة التقنية المتقدمة في الصين، ومخاوف مجرّدة ولكن عميقة حول ما يمكن أن يفعله الحزب الشيوعي الصيني بالسلطة التي يتمتع بها على شركات التقنية من أمثال بايت دانس. ودق المشرعون الأميركيون ناقوس الخطر حيال البيانات الشخصية التي تسمح جميع مقاطع الفيديو القصيرة هذه لتيك توك بجمعها، وبدأ تحقيق أميركي في تداعيات الأمن القومي لاستحواذ بايت دانس على تطبيق مزامنة شفاه أميركي شهير بقيمة مليار دولار أميركي عام 2017، مما مهّد الطريق لتصبح تيك توك قصة نجاح أميركية.
لقد كانت السنة الماضية سنة عظيمة بالنسبة لتطبيق تيك توك –في هذه السنة نُزّل التطبيق 738 مليون مرة – وبدأ الآن استكشاف كيفية الاستفادة من هذه الشعبية. ولكن التطبيق ربما يواجه هذا العام أكبر تحد يواجه أي شركة تقنية صينية قط: وهو إثبات نفسها للحكومة الأميركية.
وقال فيرجوس ريان، وهو محلل في المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية الذي يُحلل عادة شركات التقنية الكبرى وأنشطة الدعاية الإعلامية: “أتوقع أن يكون هناك زيادة في المقاومة الرقابية على تطبيق تيك توك وشركة بايت دانس لهذا العام، ويبدو أن تطبيق تيك توك يتوقع ذلك ولهذا يتخذ الآن خطوات بغية التعامل مع هذا الأمر”.
تيك توك.. تطبيق صيني وجذور أميركية
إن قصة نشأة تطبيق تيك توك هي جزئيًا أميركية، حيث بدأت الحكاية على متن قطار مسافر إلى مدينة ماونتن فيو (كاليفورنيا) التي تضم شركة غوغل.
وألهم مشهد مجموعة من المراهقين يتسكّعون، البعض منهم يستمع إلى الموسيقى، والبعض الآخر يلتقط صور سيلفي أو يصوّر مقاطع فيديو قصيرة لبعضهم ويشاركونها مع أصدقائهم، رجل الأعمال الصيني أليكس تشو، الذي شغله الأمر، وصرفه عن العمل تطبيق فيديو تعليمي قصير كان يسعى إلى تطويره آنذاك.
وبدلًا من ذلك، تحول هو وشركاؤه التجاريون في شنغهاي وسان فرانسيسكو إلى تطوير تطبيق يمكنه جمع صور سيلفي ومقاطع فيديو ومقاطع موسيقية. وفي غضون ثلاثين يومًا، أطلق التطبيق بمسمى ميوزكلي (Musical.ly)، وذلك وفقًا لموقع بيزنيس إنسايدر. وجعلت هذه المجموعة من مقاطع الفيديو والمقاطع الموسيقية والصور السيلفي تطبيق ميوزكلي يحتل المرتبة الأولى في متجر آيتونز الخاص بشركة آبل بحلول شهر يوليو/تموز من عام 2015، أي بعد عام من انطلاق التطبيق. وفي ذروة نجاح التطبيق، حظي ميوزكلي بما يزيد عن مئة مليون مستخدم نشط شهريًا.
وفي الوقت ذاته تقريبًا، كانت شركة صينية ليست معروفة تُحقق نجاحًا أيضًا في بكين. إذ وُلِد مؤسس بايت دانس ورئيسها التنفيذي، تشانغ يمينغ، في عام 1983. وبعد نجاح تشانغ في تأسيس موقع يُدرج المنتجات العقارية، سرعان ما تحول إلى عالم الهواتف الذكية.
وأسس تشانغ، شركة بايت دانس في عام 2012 من داخل شقة صغيرة في بكين. وكان أحد منتجاته التي لاقت رواجًا المنصة الإخبارية توتياو (Toutiao).
وعلى عكس الجيل الأول من رواد الأعمال الصينيين، مثل “جاك ما” الذي أسس شركة علي بابا في عام 1999 واختار التركيز فقط على الأسواق المحلية حتى وقت لاحق، وضع تشانغ (36 عامًا) الأسواق الخارجية في مركز رؤيته لتطبيقات الفيديوهات القصيرة.
وقال تشانغ في خطاب ألقاه على موظفيه في عام 2019: “في ذلك الوقت، كان القليل من زملائي يستثمرون في الخارج، ولكننا آمنّا أن إنترنت الهواتف النقالة سيتيح لنا فرصًا هائلة على مستوى العالم”. وذكر أن الشركة كانت بحاجة إلى تحقيق ذلك من خلال طريقتين: سواء عبر أخذ منتجاتها إلى الخارج، أو من خلال عمليات الاستحواذ.
لقد أصبحت طموحات تشانغ العالمية واضحة بدءًا من عام 2016، وذلك عندما حاول شراء منصة ريديت (Reddit)- حسبما قيل- ولكنه فشل في ذلك بسبب خلاف حول العديد من القضايا بما في ذلك السعر.
بعد ذلك، اشترى تطبيق مشاركة فيديو أميركيا متعثرا وغيّر من علامته التجارية إلى فليبغرام (Flipagram)، لكن لم يتمكّن من تحقيق نجاح كبير. ولهذا، كان تطبيق ميوزكلي الخطوة التالية المنطقية بالن
المصدر: العربية.نت
#عاشق_عمان