كتب: حمود بن سالم السيابي
لعل هذا “الشيول” هو ذاته الذي أهال التراب ليردم قبر الحبيبة ، فاستحق أن يُحْمَلَ على الأكتاف ففيه بعض حنوط الفراق وتشاويق العودة.
لعل هذا الشيول هو ذاته الذي غاص في الأرض يوما ليحفر أساسا لبيت يجمعه بمن أحب فلا اكتمل البناء ولا تعانقت الأنفاس ، فاستحق التشبث به لآخر نفس وآخر شهقة.
ومع كل شروق لشمس مطرح يقف داوود على قارعة الطريق ، لعل من تستحق الإنتظار ستأتي مع الشمس والموج وبحة النوارس وبدء مناداة رطب الصيف وسفرجل الشتاء.
لعلها ستأتي كيوم عرفها ، وبنفس الكحل ، وبنفس العطر وبنفس هفهفة الثوب البلوشي وبنفس رنين الخلاخيل.
ويخرج داوود “بشيوله” على كتفه فبدونه لن يتوازن حين يقف طويلا في وجه هواء البحر وفحيح الوقت وصخب السيارات المهرولة لغاياتها.
تطول وقفته وهو يرمق العابرين وقد أسدلوا مرايا أبواب سياراتهم هربا من الحر ، أو اتقاء للبرد ، بينما يواصل تماهيه مع تفاصيل المشهد وقد تعطل إحساسه بالمحيط حوله ، فيقف بصدر مفتوح لتلقي السياط اللاهبة لحر مطرح فالحبيبة مثله ضجيعة جمر الصيف.
ويستقبل برودة الشتاء التي تنخر العظم بنفس الصدر المفتوح ، فملكة القلب تئن هي الأخرى في لحد من صقيع.
ومع كل وقفة في الدروب يسترد وجهه مزيدا من سمرة الجبال ، وتشرب روحه الكثير من الشوق والكثير من صدأ حديد “الشيول”.
وحين يرى سمرة بشرته وهو يقرأ تفاصيل وجهه على صفحة الماء ، أو يعبر صدفة بلوح زجاجي عاكس تنفرج أساريره لهذا الزحف القاتم الذي تكتسيه بشرته ، فالسواد يعيده لسواد كحل الحبيبة وجدايل شعرها وفيروز عينيها.
وعندما تتلفع جبروه بشال المساء يؤوب داوود مع الطيور ليضاجع طيفا يشاركه وسادته ، وليقبض على حلم يرفرف في زوايا المكان ، وليعض بالنواجذ على بقايا البقايا.
ومع الصباح يسحبه الضوء من جديد ، لعل “الشيول” يوسع فسحة الأمل ويعجل مواعيد اللقاء.
هامبورج في ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ م.
أعاود النشر مع الأنباء التي تتناقل أنه لن يحمل الشيول بعد اليوم.