بقلم :عبدالحميد بن حميد الجامعي
في خضم الحراك الوطني العام، والمطالبة بتكاتف الجهود في سبيل تخفيف الضرر على قطاعات الوطن المختلفة، صحيا واقتصاديا، وحيث عمان والعالم يقاوم شراسة جائحة كورونا المستجد، بيديها وتكاتف المواطنين والمقيمين فيها، يتم أثناءها تداول رسائل للأسف تعمل على افتتان الدولة في أفرادها ومؤسساتها، وكان آخرها رسالة تتناول العلاقة بين المدارس الخاصة وأسر الطلاب، والعقد بينهم، تتداول بشكل حثيث اليوم، والتي اجتهد كاتبها للأسف فخرج بها كما سيظهر عن العلائق القانونية، والاجتماعية والأخلاقية، وإن كان معتمده في ظاهر ما أتى به المادة ١٧٢ من قانون المعاملات المدنية، إلا أن واقع المدارس واقع عام ملتزم بوزارة التربية والتعليم وإشرافها، وعقدها للسنة وليس للشهر، فالمادة ليست صريحة فيها، وهنا أسجل بعض التعقيب على المقال، سائلين الله طهر القلوب والعمل، والتخلق بخلق الأوفياء، وأن ينجينا من أن نكون ممن يخونون عقودهم، ويستغلون ظروف الوطن العامة بشكل غير أخلاقي مشين.. وأن نكون جسدًا واحدًا في مجابهة الوضع وتجاوزه.
إن العقد مع المدارس الخاصة (روضة وحلقات) ليس شهريًا، بل هو عقد سنوي، يؤدى أول توقيع العقد في الأصل، أو على دفعات ثلاث، فالسنة الأكاديمية وحدة واحدة، وليست هي دكان او نافذة خدمة تؤدى، قد تستمر شهرًا وقد تنقطع بعد شهرين، فالمدارس لا ترتبط بتقديم خدمة شهرية، حتى يأتي المقال وصاحبه منظرا لذلك ومبنيًا عليه.
لذلك تجد أولياء أمور دفعوا أجر السنة أولها، وبعضهم في نصفها، والمدرسة التزمت بالرواتب والقرطاسيات في أغلبها مقدمًا، وليس شهريًا، وكذلك بأجر مبنى المدرسة وسعته وعدد الكادر وتوظيفهم ونفقاتهم وغيره من مترتبات، للسنة الدراسية بناء على ذلكم التعاقد، وعلى العدد المسجل لتلكم السنة..
من ثم فليس هناك ما يسمى أجر إبريل ومايو مقدمًا، ولا أجر شهري عموما، مع ملاحظة أنه لم يتم بعد الإعلان عن إسقاط المدة المتبقية من العام، فالمدرسة قامت بالتقسيط الشهري استثناء لحالات خاصة بسبب ظروفها فقط، بينما حالات أخرى كثيرة قد دفعت وأغلقت حسابها، وأخرى ما زالت تدفع، وهي لم تكن لتفعل ذلك لو كان الأجر والخدمة شهريًا كما يزعم المقال، فهل يجدر بمن يسرت المدارس لهم التقسيط مراعاة لطلبهم الآن الخُزران والنكث بهذه الدعوة
وهل على هذا المؤسسات استقطاع رواتب موظفيها، لأنهم لا يؤدون خدمة أو عمل لعدم وجود الزبائن ولتعطل الحال، وهل يجوز تسريحهم لذات الأمر، وهكذا المؤسسات ذات التأثر كالطيران، والتعليم، وشركات الخدمات وغيرها، ثم نصرخ “باحثون عن عمل يستغيثون”
لذلك فكاتب هذه الرسالة قد يكون طرفًا لم يطلع على تفصيل عقد المدارس الخاصة مع الأسر، فنقصه المعلومة، أو طرفًا مستفيدا يريد استغلال الأوضاع الراهنة للأسف بالإخلال بهذا العقد، ويحتال على تقصيره وخذلانه، ويصبغه صبغة قانونية، خادعا نفسه، ومن في قلبه هوى اتجاهه، لتوفير المال، كما يعمل أصحاب الأهواء عادة في خذلانهم الآخرين في مثل هذه الأحوال الاستثنائية، فمن وجه الاستغلال إلى جانب الاحتكار ورفع الأسعار، هو الاختزال ومنع الناس معاشاتهم، بنكث عهودهم، وخيانة عقودهم، بدعوى الحق، و”التعليثة” بمثل هذه القراءات.
نعم لو كان التعاقد شهريًا أو يوميًا فنعم، لأن سياق العمل والعمال ونوعه سيكون أيضا باليومية، أو بتعاقد محدد المدة والمنتج، ولكن التعاقد سنوي والدفع سنوي، وليس شهريًا، كما يحاول المقال تدليسه والكذب به، كما بينا في المدارس الخاصة، للسنة الأكاديمية كاملة
لدينا أولاد في المدارس الخاصة، وملتزمون بتأدية ما تعاقدنا عليه لهم أول الأمر، وتقسيط المدرسة لمن قسط منا شهريًا أو فتريا جاء استثناء عن أصل التعاقد، ومراعاة لأحوالنا، وتلبية لطلبنا، ومن كان ميسورا منا ولم يطلب التقسيط دفع الدفعات كاملة حسب أصل التعاقد، فلن نكون أبدا ممن يخون مستغلا الظروف، وملقيا على المدارس ومعلمي أولادنا وأسرهم ممن أفنوا ويفنون وقتهم وجهدهم عصا العقوق، ويكون لساننا لسان الغدََارين “من سلمت ناقتي مو علي من رفاقتي” ولا من المدلسين، ممن يعلم أن التعاقد بين المدارس والأسر ليس شهريًا، بل هو سنوي يؤدى أول الدراسة أو على دفعتين أو ثلاث..ثم يتحايل ويتملص.
ختاما وفي ظل هذا الحدث الوطني والعالمي الحزين فلنتق الله في بيوت الناس وأرزاقهم، فكما لا نحل للغير في هذه الظروف قطع رواتبنا أو إنقاصها لأننا ليس لنا في جلوسنا في البيت اختيار، فكيف نجيزه على معلمي أولادنا، الذين يعيلون أسرا، ومنهم المتغرب، ومنهم المواطن، أو لمدارسهم التي تبذل الجهد الجهيد لتلبية التعليم، وبعضها عبر المتابعة وتسجيل الدروس وتقديمها عن بعد حتى في هذه الفترة وتوفيره للأولاد، كيف يجدر بنا ذلك عبر أمثال هذه الرسائل الاحتيالية والتدليسية، التي تزين الباطل، وتتجرد من مبادئ العدالة والقانون، فضلا عن مبادئ التربية والاجتماع، وتوحي للناس أن تعاقدكم شهري(بينما هو سنوي)، ثم تلفق المواد القانونية لتشرع لهم الخيانة الحلال.
أخيرا ليطرق آذاننا قوله سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”
وقوله: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون”
فمن تماسك فلم تقتطع عليه مؤسسته معاشه، ولم تضره وأسرته رغم جلوسه في بيته ونقصان عدد ساعات عمله (المشرف والمعلم والإمام والطيار والمهندس إلخ) فراعته مؤسسته ودولته، في هذا الظرف الاستثنائي، فلا يحل له خيانة عقده السنوي مع مدرسة أبناءه، والتفلسف أو التعلق بمثل مزاعم ما جاء به المقال المنقود، وقطع معاش المعلمين وأسرهم، ومن ناله من ظروف الأزمة أمر، فقطع راتبه أو سرح، فعليه بالتفاهم مع مدرسته حول عقده، بكل شفافية ويسر، والتي يطلب منها احتواء أمثاله، ودعمهم، فالأصل أن يتماسك الجميع، استجابة لهذه الأزمة المفروضة على الكل، ويؤدي الجميع للجميع ما لهم، حيث يُوفَّى الوطن ويُسد، فلا تفتح عليه جبهات أخرى فتتأثر الأسر، ويجوع الإنسان، أو يختل الميزان، ويفتتن عباد الله في لقمة عيشهم، وذلك من أكرم فنون إدارة الحوادث والأزمات الوطنية والمجتمعية.
رفع الله عن عمان والعالم البلاء وجعلنا جسدًا يشد بعضه بعضًا بالعدل والمواساة، ويجنبنا من أن نكون من المتحايلين على إخوانهم، الآكلين لمعاشاتهم، الماديين، الذين يبحثون عن كل توفير ولو على حساب أسرة مواطنة أو متغربة بذلت وكدحت من أجل الوطن، ولو بالتدليس والتحايل ولي أعناق المواد، وتوظيفها في غير سياقاتها، ووفقنا أن نخرج من هذا الاختبار أكثر لحمة وتماسكًا مما كنا، أبعد عن الجشع والأنانية والاستغلال..
دمت عزيزًا يا وطن
عبدالحميد بن حميد الجامعي
السبت
٣ شعبان ١٤٤١ هـ
٢٨ مارس ٢٠٢٠ م