بقلم : خلفان الطوقي
موضوع حسَّاس، تزيد وتيرته عند كل أزمة، وهو ظهور عدد من الكتاب أو المغردين يُثيرون الرأي العام -تنمر وشيطنة- ضد التجار والقطاع الخاص، لا أدري ما القيمة المضافة لذلك، والمكتوب أدناه ليس دفاعا عن القطاع الخاص، بقدر ما أن هذه “الشيطنة” لن تضيف شيئا إلى المجتمع، خاصة في هذا التوقيت؛ فهذا الوقت يحتاج تعاضدنا وتعاوننا، والمحافظة على نسيجنا الاجتماعي، لا إلى اتهامات وتشهير وإثارة حفيطة الرأي العام بمعلومات مغلوطة وأرقام فلكية ستخلِّف أحقادًا وتنمِّي خطابَ الكراهية المنبوذ فيما بين المجتمع العماني المتسامح والمتصالح، وبما أنَّ الموضوع متشعب؛ فلابد من تفنيده إلى أجزاء ونقاط لتتضح الصورة كما يجب أن تكون:
– للأسف، تتكرر أسماء بعض الشخصيات أو العوائل التجارية عند كل أزمة، وكأنهم الوحيدون هم التجار فقط، أو هم من يمثلون القطاع الخاص، ولا يوجد تجار غيرهم، علما بأنَّ السجلات التجارية تفوق 300 ألف سجل تجاري.. وللتوضيح، هناك تجار، لكنهم لا يحبون الظهور بحكم طبيعتهم، أو بحكم نوعية نشاطهم التجاري، أو معرفتهم المسبقة بأنَّ الشهرة لها ضريبتها؛ فيفضل عدم تسليط الضوء عليه، والمحافظة على خصوصيته، وهذا حق مشروع له.
– التشهير بهم في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة هو نوع من أنواع الإساءة والابتزاز، والقانون والادعاء العام له كلمته في هذا المقام، ويسمَح للمتضرر بمقاضاة من يشهر بهم.
– القطاع الخاص أو أصحاب الأعمال المشهورة أسماؤهم، وإن استفادوا من الدولة، لكنهم يدفعون الضرائب ورسوم الخدمات الحكومية عن كل معاملة يقومون بها، إضافة إلى أنهم يوظفون مُواطنين ومقيمين، وهؤلاء الموظفون يُسهمون في الحركة الاقتصادية في الايجار والتسوق والذهاب إلى المطاعم والبناء وتحريك باقي الأنشطة التجارية)؛ لذلك علينا أنْ نتعامل مع القطاع الخاص كركيزة في عملية الإنتاج، وليس كما يحبِّذ البعض أن ينعتهم بأسماء غير لائقة، إضافة إلى أنَّ شركاتهم لديها بند خاص يسمى “المسؤولية المجتمعية CSR”، وهو بند مالي او خدمي يُسهم في الأعمال المجتمعية من خلال بعض المبادرات المجتمعية.
– يُمكن لمن يُشكك في مساهمة القطاع الخاص أو رجال أو سيدات الأعمال في الأعمال المجتمعية، أن يتأكد من الجمعيات أو الفرق الخيرية المعتمدة من الدولة أو من اللجان الاجتماعية التابعة لمكاتب الولاة في كل أنحاء السلطنة؛ فخير دليل على المساهمات المؤسسية والفردية تواجد هذه الجمعيات فيما بيننا وتقديمها برامج نوعية مجتمعية كثيرة، وتواجدها بقوة في أوقات الأزمات.
– إن كانت كلمة (غني) أو (ثري) تُهمة، فهناك من أغنى ممَّن تظهر أسماؤهم في وسائل التواصل الحديثة، ولا يُمارس التجارة بشكل علني أو مباشر، وحصل على مكرمات وعطايا من الدولة أضعاف ما حصل عليه هؤلاء التجار؛ فلماذا التركيز على فئة دون أخرى، ذلك ليس من العدالة في شيء.
– هُناك عشرات التجار تبرَّعوا دون إعلان، سواء بسبب أطباعهم الشخصية وعدم تفضيلهم للمفاخرة أو بسبب موانع دينية، ومن مبدأ ما أنفقت يمينه لا تعلم به شماله؛ فلماذا يتم التشهير بهم أو ابتزازهم او إحراجهم، أرى أن ذلك يشجع على “خطاب الكراهية” أكثر من استخدام لغة التحفيز والتشجيع والجذب المتأصلة في الأعراف العمانية.
– كما هو معلوم أنَّ الكثير من أصحاب الأعمال يملكُون حصصًا من الشركات المساهمة العامة، وهذه الشركات تبرَّعت وأسهمت في الصندوق الوقفي الصحي أو حساب كورونا أو حساب غرفة تجارة وصناعة عمان أو حسابات الجمعيات الخيرية؛ مما يعني أنهم أسهموا بطريقة أو بأخرى.
– وجود الفضاء الافتراضي لا يعني أنْ تكتب ما يحلو لك، فإن كان كذلك، وأسقطنا هذا التصرف واقعيا، فيمكن لأي شخص شاهد أو على معرفة بمن أغنى منه من عائلته أو جيرانه أو زملائه، أن يذهب إلى بيتهم أو مكتبهم، ويقول لهم: عليك أن تدفع مساهمتك لهذا الصندوق أو ذاك، ولابد أن تكون المساهمة نقدية وكبيرة، وتعريف كلمة “مساهمة كبيرة” حسب ما يراه هذا الكاتب أو المغرد، وليس كما يراه المتبرع وما يتناسب مع ظروفه، أو يشهر أو يلمح به، فهل هذا مقبول ومستصاغ.
– بعض أصحاب الأعمال لا يُحبِّذون الإعلان عن تبرعاتهم أو مساهماتهم لكي لا يتعرضوا لانتقادات طائشة، فيفضلون البُعد منذ البداية عن المهاترات والنقاش غير المسؤول، لذلك يفضلون دعم المجاهرة بمساهماتهم.
– المعروف أنَّ الوضع الاقتصادي في السلطنة واجه تحديات عنيفة منذ بداية تذبذب أسعار النفط في العام 2015م، وتبعته زيادة الضرائب ومضاعفة رسوم الخدمات الحكومية أضعافًا مضاعفة بشكل يزيد عليهم الكلفة ومصاريفهم، ويقلل أرباحهم، بل يهددهم من الخروج من السوق، أتوقع الكثير منهم مر بصعوبات مالية بسبب الالتزامات المالية للدائنين، واضطروا (المحظوظ منهم) لاستخدام مدخراتهم المالية السابقة للاستمرار بدلا من إغلاق تجارتهم، بمعنى أنَّ السنوات الخمسة الماضية كانوا في وضع “الخسارة”، وضحُّوا بمدخراتهم للاستمرار في السوق، فعلينا أن نقيم الموضوع من جميع جوانبه، وعدم التركيز على نقطة “حالية” واحدة، وإهمال بعض الجوانب السابقة أو الصورة بشكلها الكلي.
– القطاع الخاص أو اصحاب الأعمال (الذين تتردَّد أسماؤهم في وسائل التواصل) بين فترة وأخرى تواجدوا وأسهموا طوال الأعوام الماضية في الأزمات، ولم يقصروا، فهل جزاء ذلك التشهير والابتزاز والتلميح وذكر معلومات مغلوطة تثير حفيظة الرأي العام، والقرآن الكريم يُعلمنا بأن: “هل جزاء الإحسان إلا الإحسان”، وفي آية كريمة أخرى: “وجادلهم بالتي هي أحسن”، وهذا هو خلق الإسلام الذي يجب أن ينعكس في سلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية.
– الكثير منهم (رجل أو سيدة أعمال) دعامة موجودة وأساسية في المجتمع في الصدقات والزكوات والأوقاف الخيرية، وتواجده ليس في الأزمات فقط، وإنما في الأزمات وعلى مدار العام من خلال أعمالهم الخيرية المختلفة؛ فمن الذكاء علينا كمجتمع أنْ نشجِّعهم على الاستمرار بكلمة “شكرا”، “جزاكم الله خيرا عظيما”، “زادكم الله من خيراته”، وغيرها من العبارات التحفيزية، وليس بالتشهير أو الدعوات المستفزة.
– كثير من التجار تبرَّعوا بخدمات طبية أو سكنات أو مواد تموينية أو غيرها وليس بمبالغ نقدية، وإذا تمت ترجمتها إلى نقد ستكون أرقاما مالية، عليه فإن التبرع ليس بالضرورة أن يكون نقدا، ولكن يمكن أن يكون على شكل “خدمات”.
– كثير من اصحاب الأعمال الأخيار، وإن لم يعلنوا عن تبرعهم في هذا الصندوق أو ذلك، فذلك لا يعني أنهم غير مساهمين، بل هم مساهمين لصناديق خيرية أو وقفية في محافظاتهم أو مناطقهم أو القرى التي ينتمون إليها أو أفراد من عائلاتهم الأقل دخلا، وعلينا أن نحسِن الظن في الآخرين، وهذا ما أوصانا به ديننا الحنيف.
– المساهمات الخيرية تختلف تماما عن الضرائب والرسوم الحكومية، فهذه واجبة قانونا، أما بالنسبة للأعمال المجتمعية والمساهمات الخيرية فهي بين العبد وربه، ولا يمكن اتباع طرق التشهير أو التلميح أو الضغط من كاتب أو مغرد أن يفرضها على شركة أو فرد، وتبقى طوعية واختيارية وعن قناعة وبناء على ظروف المؤسسة أو الفرد.
——————
الخلاصة: لغة التحفيز تتقبلها -أكثر بكثير- النفس البشرية، وتتوافق مع الدين والأعراف المجتمعية والعادات والتقاليد، وهي أفضل من خطاب الكراهية أو التشهير أو التلميح او المهاترات غير المسؤولة.
وأخيرا.. المصلحة الوطنية والمجتمعية من وراء القصد، والله تعالى أعلم بالنيات، والله ولي التوفيق.