بقلم جمال النوفلي : الحلقة الثالثة
كان اسمها زينا، أعني الفتاة الفرنسية الجميلة التيكانت تعمل على طاولة استقبال الفندق، كانت تبش ليبسعادة مكسورة قليلا عندما عدت عليها قبيل الغروبلأسئلها عن رمز الواي فاي، ولا أدري لماذا كنت أفترضأنها يجب أن تكون في كامل سعادتها عندما تراني أوتلتقي بي، لماذا يخيل إلي دائما أن على الناس أنيكونوا سعداء بمجرد تواجدي حولهم وحديثي معهم،إنها أنانية فعلا إنانية عمياء أن أعتقد أن الناس وجدوالينشروا السعادة من حولي، لا بل هو غرور هذاالشعور، غرور مقيت جدا وكريه، لماذا يفترض على هذهالفتاة الجميلة أن تمحضني كامل صداقتها وسعادتهالمجرد أنها أفضت إلي قبل نصف ساعة بجانب مظلممن حياتها في حيها البائس، على أن الفتاة لم تكنتقصد إظهار الحزن في ابتسامها لكن استقبالها ليبروح أقل نشاطا وحماسا من قبل أصابني بشيء منالتردد والنفور، وعيناها الغارقتان في الحزن، إنها منذلك النوع من الناس الذين تطفو أرواحهم على وجوههموعيونهم فتتجلى على أجسادهم حزنا أو فرحا ولا يقدرجسد الانسان على السطيرة عليها، فترى مشاعرهممكشوفة مهما حاولوا اخفاءها.، وأنا بدوري لم أحاولأن أتبين سبب كدرها، ولا أن أوضح أنني لمحت خوالجبؤسها، كان علي أن أمثل أنني لم ألحظ ملامحتعاستها. – لو سمحت زينا اريد رمز الواي فاي- حسنا، تفضل
ناولتني بطاقة صغيرة فيها الرمز وأضافت: – الرمز هو اسم الفندق، كان على بطاقة الغرفة لو قرأت. – أجل، لكني لا أقرأ الفرنسية.
وأضفت: – أيضا أريدك أن تعلميني حين يصل صديقي طارق بعدساعتين. – حسنا سوف أفعل سيدي. هل هو عماني؟- لا. هو فرنسي من أصل عربية.
ابتسمت ابتسامة غريبة وانحت تدون ملاحظة في ورقةمخفية أمامها.
طارق هو صديق داميان الذي جئت له زائرا في باريس،وكنت قد نسقت زيارتي مع عودة داميان من تايلند حيثيقضى فيها عامين لدراسة الهندسة وقضاء شبابه فياللهو والفسوق في بانكوك. إلا إن داميان كلف طارقباستضافتي ريثما يتمكن هو من قضاء واجبه الأسريبالبقاء مع والديه وأخته الأصغر بضعة أيام.
طارق هو أيضا صديقي لأن داميان عرفني عليه عندماالتقيت بهم في اليونان صدفة، كما عرفني على صديقآخر له اسمه نسيم، ولطارق معزة خاصة أيضا لأنهتورط لأجلي في مشاجرة كلامية عنيفة مع صاحبالفندق الذي كنت أقيم فيه في اثينا، انتصر يومهاالعجوز صاحب الفندق علينا، وخرجت من فندقه وأناأمشي بخذلان وغضب وألم في نفسي، كان طارقيومها معي في تلك المشاجرة ثم توطدت علاقتنا أكثربعد ذلك..، طويل القامة طويل الأنف حاد ملامح العينينقوي البنية، كثير النقاش والمجاحد.. ، كنت في شوقلرؤيته وإعادة بعض الذكريات، بعد ساعتين رن هاتفغرفتي في الفندق ونزلت مسرعا، وجدت طارقا ونسيماينتظراني في مقاعد اللوبي، حييتهما بالقبلوالأحضان.
كانت في يدي هدية أحضرتها من عمان هي عبارة عنعلبة حلوى عمانية اشتريتها من محل الديوانية فيالخوير، سلمتها طارق بعد تردد واستحياء، أجل لقدشعرت بكثير من الحرج لعدم إحضاري هدية لصديقنانسيم، إذ إنني لم أكن أحسب بأنه سيكون مرافقالطارق أو أنني سألتقي به في رحلتي لأن علاقتنا لمتكن وطيدة جدا في اليونان ولم يكن هو يكثر الحديثمعي أصلا، حتى في الفيسبوك لا يتحدث معي ولا يتركإعجابات لمنشوراتي، كان ترحيب نسيم لي هادئا جدامع ابتسامة مريحة، كانت عيناه عاديتين جدا لا تفهممنهما شيئا إن كان سعيدا أو غضابا على النقيض منعيون زينا، وهو فوق كل ذلك كثير الصمت قليل المشاركةفي أحاديثنا، حتى عندما كنا في اليونان، لم يكن له أيدور أو رأي في نقاشاتنا أو قراراتنا، لهذا تفاجأت أنهجاء لرؤيتي.. .
جلسنا قليلا على مقاعد اللوبي، عاتبني طارق عتاباعنيفا لأنني لم أتصل به فور وصولي ليستقبلني منالمطار ويأخذني الى الفندق كما وصاه داميان، وسألنيعن سبب اختياري لهذا الفندق.
أخبرته كل الحكاية، أخبرته أنني أحب تجربة المواصلاتوالتنقل من مكان الى آخر بكل أريحية لأتعرف علىالناس والمكان، وإنني تهت كثيرا وتم خداعي فلم أجدالفندق الذي حجزته عن طريق بوكينج، حتى عثرت علىهذا الفندق الجميل. – كم سعر الليلة؟. – ٥٩ يورو مع الافطار. – جيد لكنك هنا بعيد جدا عن باريس.- كيف بعيد؟! هذه ليست باريس؟!- لا ليست باريس، هذه هنا أحياء لمنطقة صناعية تابعةلباريس. – سحقا. لكن المترو والحديقة والمطاعم كل شيء هنا. – نعم، لكنها ليست باريس يا جمال، باريس تبعد نصفساعة من هنا.
ثم أضاف: – باريس مدينة كبيرة جدا، يسكنها أكثر من مليونيننسمة، ويزورها في السنة اكثر من ثلاثين مليون سائح،أول نشأتها كانت قبل الفين عام وربما أكثر، كانت قريةعلى جزيرة صغيرة تتوسط نهر السين وكان اسمهالوتيتا ثم توسعت مع مرور الأيام على ضفتي النهر حتىصارت مدينة، وتغير اسمها إلى باريس في عهد جوليانالمرتد ٣٦٠ ميلادي، باريس نسبة إلى قبيلة باريسياالتي سكنت الممنطقة بداية الأمر قبل الميلاد، وقبل أنيستولي عليها الرومان ويجعلون منها عاصمة، فيالعصور الوسطى باريس كانت عاصمة التجارة والدينوالثقافة أوربا بلا منازع. هناك في باريس الشوارعوالأبنية وكل شي عتيق ومختلف، انظر أنت هنا تسكنعند الشارع السريع يعني خارج المدينة. – اها. ما مشكلة أهم شي توجد مواصلات بركب المتروويوصلني إلى أي مكان أريد.
صمت طارق وكأنه شعر من اللاجدوى من كلامه، ثمعرض علي أن يأخذني في جولة بسيارته ليريني مدينةباريس وكم هي بعيدة من حيث سكني، وخرجنا فيالسيارة، كانت سيارته مورسيدس بنز، تفاجأت منامتلاكه لسيارة فخمة في باريس، لكنني لاحقا سألتنسيما فأخبرني إن طارقا من عائلة ثرية تعمل فيالتجارة وهو يحمل أيضا الجنسية الامريكية والمغربية.
كانت السماء تمطر بغير غزارة والليل غارقا في الظلمة،فلم أتمكن من مشاهدة جمال الأبنية، أو المحلات التيأغلقت في وقت مبكر. اقترحت عليهم أن نذهب مباشرةالى برج ايفيل لكي ألتقط صورة أضعها في صفحتيفي الفيسبوك اليوم، لإن برج ايففل ( بالفاء الأعجمية) هو المعلم الأشهر في باريس وهو ايقونة فرنسا كلها.- ايش هذا برج ايففل؟..
هكذا علق نسيم مستغربا من كلامي ثم أجبته مستنكرالاستغرابه:- برج ايففل. انت ما تعرف برج ايففل؟
تدخل طارق في الحوار موضحا: – ها ربما تقصد ايفيل تاور. – ايوا هو، نفس الشي- ما نفس شي، ما اسمه برج ايففل.- نفس الشي، بس احنا بالعربي نسميه برج ايفل بال V
ضحكنا قليلا ووافقاني على المقترح، مضينا مسرعينفي الطرق المختصرة وهناك قبل البرج بشارعين أوقفناالسيارة، ومشينا في الشوارع الماطرة حتى بلغنامطعما صغيرا اختاره نسيم لتناول وجبة العشاء، كانقريبا جدا من البرج لكنني لم أستطع أن أشاهده.
وبسبب الازدحام الكثيف داخل المطعم فإن الجرسونعرض علينا طاولة صغيرة في الخارج محمية من المطربمظلة خضراء موصولة بحائط المبنى الحجري، أعطانيقائمة الطعام إلا إنها كانت باللغة الفرنسية فلم أفهممنها شيئا، كانت الأسعار باهضة جدا، الوجبة الواحدةتقريبا ٣٠ الى ٤٠ يورو، أي إنها تقارب سعر إقامتيفي الفندق مع وجبة الافطار.
بادرني طارق عندما لاحظ دهشتي وأخبرني إن العشاءعلى حسابه هو ونسيم، لإنني ضيف، وقد صدمنيتصرفهم لأنني كنت أحسب أن الاوربيين لا يتحملونسداد فاتورة أحد.
وقد اخترنا أن يكون العشاء عبارة عن طبقي بيتزاأحدهما بالخضار والثاني بالدجاج وكأسي بيرة وكأسنبيذ أبيض، وهناك سبب وراء اخياري للخضار وهوأنني مصاب بمرض النقرص ومحرم علي شرب أكلاللحوم وشرب البيرة، وقد سألني طارق: – لماذا لا تأكل من بيتزا الدجاج يا جمال؟.- لا أستطيع. أنا مصاب بالنقرس. – ايش هذا نقرس.- هذا مرض يحرمني من أكل اللحوم وشرب البيرة. – لماذا البيرة بالذات!- لا أعرف. الطبيب الهندي في عمان طلب مني أن لاأشرب البيرة، قال لي أن البيرة سترفع من حمضاليورك في دمي.
تدخل نسيم الذي كدت أنسى وجوده بسؤال: – وهل هو مرض خطير؟- لا يا نسيم، كان في البداية خطيرا، لكنه الان أصبحعاديا. – كيف هذا؟ ممكن توضح لي ؟- حسنا. المرض مثله مثل جميع المصائب الأخرى تبدأكبيرة ثم بعد ذلك تصغر شيئا فشيء حتى تغدو جزءامن الحياة الاعتيادية. مرضي هو مرض سيء ياصديقي لكني اعتدت عليه، حتى أنني لا أكاد أذكره. حالي كحال بقية الناس المصابين بالعاهات، وأعني هناكل العاهات جسدية كانت أو نفسية، إنهم لا يتخصلونمن عاهاتهم لكنهم يتعايشون معها. – تعني إن الانسان المعاق يتعايش مع إعاقته ويعتادعليها. – نعم تقريبا، لكني لا أحصر الأمر على الاعاقة الجسديةفقط، العاهات الجسدية يمكن للانسان والمجتمع تحملهابسهولة، لكنني أعني عاهات من نوع آخر.
قال طارق وهو يتجرع من كأس البيرة: – نعم يا جمال، أفهم هذه العاهات، كلنا نعاني منعاهات، عاهات ولدنا بها وما زالت تخلق ضغوطانفسية. – لكننا نتعايش معها رغم ذلك حتى لا نكاد نذكرها.- أجل، وهل لدينا خيارات أخرى !- لا توجد. – جمال انت شخصية رائعة، نحن نحبك كثيرا. – لا بالعكس، أنا شخص عادي ينهزم عند أول مجابهةلمشاعر فتاة، أنتم الكريمون الرائعون. – دعنا نشرب نخب وجودك في باريس إذن.
حملنا كؤوسنا عاليا في الوسط وصككنا بعضها ببعضمصدرة رنة خفيفة، ونحن نقول بالفرنسية:
صاغتيه، صاغتيه، صاغتيه
يعني صحتين.
بعد العشاء توقف المطر تماما، أخذنا معاطفنا وشرعنانخطو خلف المبنى فإذا برج ايفيل يظر شامخا فيالفضاء ببريقه الذهبي اللامع وكأننا حشرات تحتأقدام رجل آلي عملاق يصل رأسه إلى سقف السماء،وأرجله الأربعة مثبتة في مساحة شاسعة جدا أكبر منمساحة كرة القدم، وبيننا وبينه حديقة مفروشة ببساطأخضر من الحشائش كانت تلك حديقة شامب ديمارس، وتحيط بالحديقة شجيرات وارفة الظل، كنانمشي نحوه خاشعين وأنا فاغر فمي في ذهول نحوالسماء متأملا في البناء الحديدي العجيب الذي يصلطوله إلى ٣٥٠ مترا عندها قفز علينا شاب افريقي منخلف أشجار الحديقة ومعه زجاجتا نبيذ إحداهماحمراء وأخرى بيضاء، قال لنا كلاما بالفرنسية لم أفهمهكان ينظر إلي عندما يتحدث، لم أعرف ماذا أقول لهحتى دفعني طارق من كتفي إلى الأمام ومشينا دونأن نرد عليه بشيء، قال طارق: إنه يريد يبيع الخمروالمخدرات والممنوعات للشباب.- ولماذا يبيع المخدرات هنا في هذا المكان السياحيالجميل. – هنا يأتي كثير من الشباب والفتيات ليلا وكثير منالسياح لشراء المخدرات أو المشروبات وقضاء سهرةحمرة تحت الأشجار، غالبا هؤلاء الباعة هم من الافارقةالمهاجرين وليس لهم إقامة قانونية، لهذا تجنب التعاملمعهم حتى لا تقع في مشاكل.- حسنا سأفعل.
ومشيناحتى وصلنا الى السياج المحيط بالبرج، كانهناك عدد كبير من رجال وسيارات الشرطة، كانتالشرطة قد أغلقت آخر طابور لدخول السياح، وخشيناأننا فوتنا الموعد، إلا إن طارقا دخل في المكاتب الداخليةتحدث مع أحدهم وعاد ومعه ثلاث تذاكر، لا أعرف كمرسوم الدخول لأن طارقا دفع عنا التذاكر، سألت طارقالماذا يوجد عدد كبير من الشرطة في المكان ؟- بسبب الأحداث الارهاربية التي حصلت في الفترةالاخيرة في فرنسا. – الأحداث التي قام بها عرب.- نعم هي- اذن هل سيسمحون لي بالدخول؟- نعم ، طبعا سيسمحون لك، هنا في فرنسا لا يوجدتمييز ديني أو عرقي بين الناس.
وفعلا دخلنا بعد البرج بعد أن نبهنا الحارس إن مدةبقائنا يجب أن لا تتجاوز الربع ساعة لحلول موعدالإغلاق، وبسرعة جرينا أسفل البرج، كانت هناك سلالمحديدية وسبع مصاعد تأخذنا إلى أعلى قمة في البرج،طبعا في البرج عدة مراحل يمكنك التوقف فيهاللاستراحة والخروج من المصعد والالفتاف حول البرج،نحن ذهبنا مباشرة إلى آخر مرحلة بجوار القمة، كانالجو باردا جدا في الأعلى وباريس غارقة في ظلامدامس كئيب إلا بعض المباني المهمة، كانت هناكمناظير لمن يريد التأمل في المباني والشوارع الباريسيةالبعيدة، كانت بعض المباني ظاهرة بوضوح من بعيدبسبب الانارة المسلطة عليها طوال الليل، سألني طارق: تعرف ايش ذلك المبنى ؟- لا ما أعرف. – ذاك مبنى قوس النصر شاليشلنزيه الذي قلت أنك تريدأن تزوره. – اه جميل.. – ترى ذاك المبنى المشع هناك في قمة التل.- ايوا ايش هذا. – هذي كنيسة الساكري كور- ايش يعني ساكري كور- مجرد اسم ، امكن يرجع لاسم قديس اسمه ساكريكور. – تبدو جميلة جدا، هل هي أكبر كنيسة في باريس؟- لا. لكنها مهمة جدا يأتيها الحجاج من كل مكان. – اها، أنت تصلي طارق؟- لا . – ليش تسأل ؟- بس حبيت أعرف اذا انت تصلي أو لا .- أها. محد يصلي هنا في فرنسا، أكثرهم يذهبونالكنائس كسياحة.- أنت ما تصلي، كيف تعرف من الي يصلي ومن الي مايصلي!- تريد تشوف أكبر كنسة في باريس، تعال هذا الصوبشوف – ايش هذا؟- كاتدرائية نوتردام. – اوه كبيرة.. ، وبعيدة.- شوفها زين، هذه كاتدرائية مشهورة في العالم، يجيهافوق ٢٠ مليون حاج في العالم، نوتردام ما تعرفها؟- لا والله، أول مرة أسمع عنها. – معقولة.
قاطعنا نسيم بالحديث:- جمال، أمكن تعرف رسوم كروتون مشهور يطلعوه فيالتلفزيون يوم صغار اسمه the hunchback of notredam أكيد يطلعوه في تلفزيون عمان، وايدمشهور.- لا حقيقة ما أذكر. – عجيب ، ما تذكر رسوم فيها شخص قصير ظهرمحدودب يدق جرس كبير في كنيسة. – أيوا أيوا عرفته أحدب نوتردام رواية فكتور هوجو . – المهم هذي هي الكنيسة التي جرت فيها أحداث الرسومالمتحركة. – ما رسوم، هذي أصلا رواية مشهورة من أجمل أعمالالروائي الفرنسي فكتور هوجو، ما تعرفوها. – أممم ، لا ما نعرفها، نحن محاميين يا جمال ما نعرفكثير في الأدب.
قال طارق: – شوف جمال، بكرة بناخذك تشوف كل هذي الاماكن. بسلازم تغير الفندق. – كيف وين أروح، هنا الفنادق غالية جدا. – نسيم بيرتب لك غرفة في فندقهم. – نسيم معه فندق.
قال نسيم وهو يبعد وجهه عنا بنوع من التذمر لم أعرفسببه: – معنا فندق قديم مال الوالد، ما أعرف اذا بيعجبك .
قال طارق: – بيعجبه، بس انت رتب له غرفة مستقلة وحمامها.
بدا على نسيم عدم الارتياح من المهمة التي يكلفه بهاطارق، إلا أن طارقا بارده قائلا: – انت لا تكلم الوالد اذا تخاف منه، كلم أخوك كمال، كماليفهم وما بيقصر.
صمت نسيم برهة وهو يرسل نظره إلى نهر السين فيأسفل البرج من الجهة المقابلة حيث يعبر بهدوء عاكسابريق مصابيح الشارع ثم قال بصوت خافت: – أمممم ، زين تمام.
وبادرته قائلا ومشجعا له: – عادي بالنسبة لي إذا قديم، المهم قريب منكم. والمبلغعادي مقدور عليه. – لا طبعا المبلغ راح يكون قليل، ما نعاملك مثل بقيةالزبائن أنت ضيف معنا.
رجعت الفندق في تلك الليلة متعبا على أمل أن أتركفندق بي اند بي صباح اليوم التالي وأذهب إلى فندقعائلة نسيم في رحلة مأساوية تعرضت فيها للاهانةوالمسائلة القانونية في مركز الشرطة، أردت أن أرى زينامنتظرة في مكتب الاستقبال لأحكي لها عن كرم ولطافةأصدقائي طارق ونسيم، وأخبرها عن خطتي فيالانتقال إلى فندق آخر، أردت أن أتحدث إليها وأنأستمع لها وهي تسترسل في الحديث عن حيها وعنعائلتها وربما تبث لي بعض أحزانها، لكنها لم تكنهناك. كان شاب فرنسي يقف خلف طاولة الاستقبال،بهي الطلة أسود الشعر، كانت ابتسامته شبه رسميةعندما مرقت أمامه دون أن ألقي عليه التحية.