تصوروا معي سيناريو المشهد:
امرأة تذهب مع زوجها لزيارة صديقتها في منزل عائلتها، وهناك يلتقيان ب إخوة صديقتها الثلاثة الذين يبدو عليهم أنهم جريؤون وغير مهذبين إطلاقا فيبدؤون في التغزل والتحرش بالفتاة.
ولكون علاقة الفتاة غير سليمة مع زوجها لأسباب لا نعلمها لعلها تزوجت به عن غير اقتناع أو أن أحوالهم تغيرت بعد الزواج أو أنه بليد ذو شخصية ضعيفة مما جعلها لا تلقي اهتماما به كما أن اكتفاءه بالصمت والرقب يشجعها أيضا على التجاوب مع تحرشات أخوة صديقتها، تتدخل صديقتها معنفة أخوتها الذين لم يأنفوا من التقليل من شأن زوج الضيفة وإهانته واستعراض إمكانياتهم المادية لجذب اهتمام الضيقة، إلا أن الأمر يصبح صادما عندما تتجاوز الضيفة حدود اللباقة والأدب الذي يقتضيه وجود الزوج وتأخذ في استلطاف التحرش بل وتؤدي حركة صادمة وهي هز الكتفين.
وهنا ينتهي المشهد.
القصة ليست سيئة بل ربما تكون رائعة طالما أنها تشد القارئ والمشاهد على حد سواء، وستكون بالغة في الروعة لو كانت مؤداة من قبل فنانين كبار، وأكاد أجزم أن من شاهد المشهد أعاده مرة أو مرتين بل وبعثه إلى أصدقائه في وسائل التواصل الاجتماعي. إذن أين تكون المشكلة؟
هل المشكلة في أن الفكرة بذيئة؟ أم أن طريقة التمثيل سيئة بذيئة؟ أم أن الفتاة هزت كتفيها رقصا؟ أم أن المشكلة هو أن الممثلين يؤدون دور أشخاص عمانيين في بيئة عمانية؟ كل ذلك لا يمثل جريمة في القانون وإلا لجرم كل الممثلين في العالم الذي يؤدون دور الأشرار والمتحرشين واللوطيين والعاهرات.
لا أحد يعلم ما هي المشكلة رغم أن المقطع قديم وقد تم التسويق له قبل عام من الآن بأنه أول مسلسل بلوشي عماني ونشرت مقاطعه ومن ضمنها هذا المقطع في وسائل التواصل الاجتماعي وكانت إحدى نجوم التمثيل في الخليج ضيفا مشاركا فيه، ولم يستنكره أحد وقتها بل لاقوا من أجله التشجيع والتصفيق.
إذن ما الذي قلب الموقف وهيج الناس فجأة عليه من لا شيء وعلى لا شيء، وما الذي دفع بشرطة عمان السلطانية أن تتولى كبره وتزج بالممثلين في الحبس، وتذيع الخبر أيضا في وسائل التواصل الاجتماعي تشهيرا بهم!
هل كان المشهد بذيئا؟ نعم إنه بذيء. وهل الممثلين يؤدون أدوارا بذيئة وسخيفة؟ نعم إنهم يقومون بذلك. هل شتموا وسبوا زوج الضيفة؟ نعم قاموا بذلك، هل هذه الأفعال مجرمة من القانون؟ نعم مجرمة إن كانت حقيقية ولكن يجب علينا أن نفهم أن هذا (تمثييييل) يعني فن لا يمس إلى الواقع بشيء، فالمشهد حسب سيناريو حكاية المسلسل يقتضي أن يكون بذيئة ولكي يكون بذيئا فإن على الممثلين أن يقوموا بأدوار بذيئة فيشتمون ويتحرشون بالفتاة ولكي يكون أكثر بذاءة ودناءة فإنه يجب على الزوجة أن تكون دنيئة فتتجاوب معهم، وذلك لما سوف يترتب على هذا المشهد من مشاهد أخرى حيث تقع جريمة قتل تقتضي تتدخل الشرطة التي ستقوم ببحث قضية (من هو المجرم الذي قتل الزوجة؟) هل هو الزوج أم صديقتها أم أحد إخوة صديقتها.. .
كل هذا يدخل في عالم التمثيل والخيال والفن وهو ليس حقيقيا بمعنى أننا لا يمكن أن نحاكم أحدهم على جريمة القتل لأننها لم ترتكب في الواقع، وكذا لا يمكننا أن نجرمهم على الشتم والدناءة والعنصرية فكل هذا تمثيل ولا يمثل الواقع، ولا يمكن أن نتهم بتشويه لهجة العمانيين ولا بشرفهم ولا بأي شيء لأن كل هذا يدخل في دائرة (الفن والتمثيل) أي هناك نصوص مكتوبة تقرأ وتؤدى وشركة إنتاج تعمل لتخرجه بشكل لائق.
هل يحق للرأي العام أن ينتقد المشهد والممثلين فيه، نعم من حقهم وهذا شيء إيجابي من أجل تطوير الدراما، لكن انتقاد الرأي العام لتصرف ما لا يعد سببا لتجريم الفعل ومحاكمة أصحابه سواء كان رأيا أو فكرا أو تصرفا.
فنحن مثلا لم يعجبنا أداء الممثلين ولا جودة الإنتاج ولا صوت الثور لكن هذا لا يدعو إلى محاكمتهم أو الزج بهم في السجن ومعاقبتهم.
ثم علينا أن نفصل بين الفن والواقع، ونتذكر دائما أن الفن لا يحكي دائما الوقاع، فما يقع في أفلام هليوود وبلييود من جرائم وشتائم وجنس وخيانات هو خيال لا يمثل الحقيقة ولا الواقع ولا يمكن أن نعاقب الممثلين على هذه الجرائم، وكذلك عندما نشاهد المسلسلات التركية والمسلسلات المصرية فكل ما يقع فيه من دناءة وسخف وشر هو مجرد تمثيل لا يمثل المجتمع بالضرورة، ونفس الأمر ينطبق علينا في عمان، علينا أن نفصل بين الخيال في الفنون والآداب وبين الواقع حتى نعطي فنانينا حرية يستطيعون من خلالها أن يقدموا لنا شيئا، شيئا يستحق أن يشاهد وأعمالا رائعة لا ندير ظهورنا عنها.
جمال النوفلي