على أفول رمضان الكريم، وفي آخر ليلة فيه ليلة الوتر الأخير (التاسع والعشرين)، وقبل العيد بيوم يخرج بعضهم من لندن في قناته ليعلن عن تسجيل خطير حسب ترويجه يكشف عن مخطط تفكيك للسعودية من قبل معالي يوسف بن علوي الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية ومعمر القذافي الرئيس الليبي السابق.
لم يكن هذا ليستفز يراعي ويحرك جناني لولا الكم الهائل من المشاهدات (تقريبا في يوم واحد نصف مليون مشاهدة على اليوتيوب ، ومائة ألف ونصفها تقريبا من التعليقات )، والتي جاءت جميعها للأسف مصدقة لما أورد الفيديو وصاحبه، وما أراد أن يروج، ومنهم قامات ومثقفون وإعلاميون (وفولوريون) أي متابَعون بمئات الآلاف، ولولا الواجب الوطني والقومي والواجب الأخلاقي لما حركت ساكنا، ولراقبت المشهد عن بعد، ولكنه الخليج ودوله ومقامهم الكريم..
بعيدا عن معتقدي الفبركة، الذين أرى أن بعضهم للأسف كانوا ضحية الحلقة ومقدمها فيما ادعى من قراءة وزعمٍ ومغالطات، فحملته العاطفة والحمية، وبعضهم حمله شفقته على الخليج وأهله، فتعلق بالقشة لإثبات الفبركة، ولو أنهم تجاوزوا ظاهر ما زعم الرجل، وذهبوا للمقطع وحللوه، كما عملت عليه هنا ليومين ويزيد، سائلا الله أني وُفِّقتُ فيما توصلت إليه، لوجدوا ما وجدنا، أن زعم الرجل مخل، وتأويلَه لا يَصْدُقُ دون الحاجة لنفي التسجيل رأسا وعاطفة، وبعيدا عن شخص معالي يوسف بن علوي توافقا واختلافا معه، فقد آثرت الوقوف على المادة على أنها حقيقية وليست مفبركة، لعدة اعتبارات، أولا لأصل المواد أنها حقيقة، ثانيا مهما بلغت الفبركة في تركيب الصوت يبقى الأسلوب وما يليه (النفس طوله ونقصانه.. السياق بين المتكلمين وتماسكه الخ)، ثالثا لعدم ورود أي نفي مباشر أو غير مباشر عبر أحد الكتاب المقربين لابن علوي، رابعا لأن المادة المسربة عادية في سياقها وشخوصها وظروفها المكتنفة، كما سيظهر خلال هذا التحليل، وقد آثرت طرقها رغبة مني في تفعيل سُنَّة المدافعة الإلهية الواجبة وقد قامت حجتها (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، ونحسب أن هذا مقامها في ظل الطوفان الجارف والريح العاصف لقامات عالية يُظنُّ بها في الأصل القدرة على تمييز الغث من السمين، وزلِّ الأقدام بالجملة، أكتبه حباً في الوطن العربي الكبير، وفي الخليج العربي الحبيب، وفي دوله الست من السعودية إلى عمان، بعد أن نزغ الشيطان بين ساستها، فاصطفوا منقسمين في تحالفاتهم ضد بعضهم ما بين شرق وغرب، كما الغساسنة والمناذرة من قبل، ليَصْدُقَ علينا قولُ سيدي والدي رحمة الله عليه؛
قَسْمَتْنَا الأَهواءُ شرقاً وغرباً/ ما استفدنا مِن بَيْنِ ذَيْن التئاما
هدفَ الكيدِ والدمارِ نُصِبْنَا/ فَأُصِبْنَا وقِيْلَ ذوقوا الحِمَاما..
وما يُصْلِيْ اليومَ بعضُنا بعضاً -نحن العربَ- أشدُّ الحِمام، وأنكأ الموت الزؤام، من قذاء القول والعمل، ولله الأمر من قبلُ ومن بعد.
سأعمل على طرح التحقيق هذا متحريا أقصى درجات الموضوعية، وسأجعل مراجع المعلومة المهمة والتسجيل في الدقيقة والثانية بين قوسين لتسهيل الرجوع إليها، وقد يتفاوتُ الموضع عن الحقيقة ثوانيَ، لا تتعدى خمسا زيادة ونقصانا، أفعل ذلك لتستبين سبيل المجرمين، ويظهر للمتابع قبح من جاء وجرمه.
أولا: الفترة الزمنية للتسجيل
لقد قمت بتتبع القرائن المذكورة في التسجيل لمحاولة تحديد حقبتها، ففيها يبلغ القذافي شكره للسلطان قابوس استقباله سعيد حفيانة ( الدقيقة ٠٤:٥٣)، وكان ذلك في ٩ إبريل ٢٠٠٦م (جريدة الوطن العمانية العدد ٨٢٩٦)، فالتسجيل كانت لزيارة لابن علوي بعد ذلك، وقد ذكر القذافي أن الديمقراطيين يصرحون لو كان مرشحهم الديمقراطي جون كيري فاز في الانتخابات لكان لهم شأن اتجاه حكام السعودية، وجون كيري نافس جورج بوش الابن في انتخابات الرئاسة الأمريكية عن الديمقراطيين عام ٢٠٠٤ م، ما يؤكد الفترة الزمنية أنها كانت بعد ٢٠٠٦، والقذافي قتل في أكتوبر ٢٠١١ م، فيكون هذا حدها الأعلى الاول، ولأن السلطان قابوس زار ليبيا في ١١ أغسطس ٢٠٠٨ م (موقع كونا الإخباري- الشؤون السياسية)، فهو حدها الثاني، وقد حاولت تقصي زيارة يوسف بن علوي لليبيا عبر مواقع الأخبار، فلم أجدها، وقد تكون زيارة تحضيرية او استطلاعية تنسيقية لزيارة جلالة السلطان، لم تلق حظها من الاعلان، أو أنه فاتني خبرها، وفي كل الأحوال لا تكون إلا في ٢٠٠٧ الى بدايات ٢٠٠٨، فيكون سياق التسجيل هو أحداث الأعوام ٢٠٠٦-٢٠٠٨ م.
ثانيا: وضع الأمة العربية وسياقها وأهم أحداث الفترة ٢٠٠٦-٢٠٠٨ م
لا يمكن تناول التسجيل الصوتي مقتطعا من سياقاته العامة وظروف السنين التي تم فيها اللقاء، فهي لا شك تلقي ظلالها على الأحداث اليومية، وتكون الشغل الشاغل في دهاليز السياسة، وقد بحثت عن أهم ما كان خلال تلك الفترة فوجدت من أهمها؛
- الحرب الطائفية في العراق (٢٠٠٦-٢٠٠٨ م)، وانتشار الإرهاب، وتدفق المقاتلين باسم الطائفية من خارج حدوده إليه، لكلا الطائفيتين المتقاتلتين، ومقتل بعض قياداتهم المهمة أمثال أبي مصعب الزرقاوي
- الحرب اللبنانية (حزب الله) وكيان الاحتلال، صيف ٢٠٠٦م، وكيف اشتد انقسام العرب عليها، ووصفت مواقف حزب الله ومنها أسر جنود الاحتلال بالمغامرة، وبدأ التلاسن منذ يومها، واختلت موازين المنطق حسب الموقف من هذه الحرب، فكان الرئيس مرضيا عليه وشرعيا في فلسطين المحتلة لأنه أقرب للوم المقاومة، ورئيس حكومته (إسماعيل هنية) مقاطع ومحاصر لأنه معها، والعكس في لبنان، فالرئيس (إيميل لحود) محاصر ومنزوع الدعم، ورئيس الوزراء (السنيورة) مبارك ومدعوم، لذات الأسباب، وحُمِّلَ حزب الله يومها من قبل السعودية ومصر خاصة آثار الحرب ونتائجه على البنية التحتية اللبنانية، وحققت دولة الاحتلال بهذا الشرخ المعلن بين العرب نجاحا معنويا كبيرا رغم خسارتها العسكرية، وهي الخطوة الأولى نحو ما بتنا نعيشه اليوم من وضع متدهور بالنسبة لنا ولقضيانا المصيرية التي مات مخلصين لها الآباءُ والأجدادُ، وقاتلوا وقُتلوا في سبيلها، ووضعٌ ماسيٌّ بالنسبة للكيان المحتل، وقد كفته الدول العربية مهمة إضعاف بعضها، وإذهاب هيبتها، وضمان ضعضعتها بالنسبة له، عبر الحروب والمقاطعة بيننا، وعبر دعوات التقارب مع دولة الاحتلال فوق ما كان يصبوا الكيان ويتخيل من تطبيع، فضلا عن نسيان قضايا الأمة وتصفيتها.
- انطلاق عملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨م، والتي فاقمت من الانقسام العربي العربي، وتضمنت هذه العملية مجازر كبرى ضد المواطنين في الملاجئ والمدراس واستخدام أسلحة محرمة دوليا كالأسلحة الفسفورية وغيرها.
ثالثا: تفصيل الحلقة؛
أ- التقسيم الزمني للحلقة
طول الحلقة ٢٣:١٣ دقيقة
٠٠:٠٠ – ٠٣:٤٤ مقدمة تمهد للحلقة قطع على الثانية ٤٩
٠٣:٤٥ – ١٤:٤٩ بداية التسجيل السمعي للحوار بين القذافي وابن علوي، يتكلم القذافي فيه خلال هذه المدة، ولا يكون لابن علوي فيه حديث إلا الدقيقة الأولى أثناء تسليمه الهدية (الخنجر)، والباقي يُومئ بصوته أنه منصت ومتابع كما يتطلبه البروتوكول ( الدقائق ٠٧:٠١، ٠٨:٣٠ ، ٠٩:٥٠، ١٢:٢٠، ١٢:٥٣، ١٣:١٧، ١٣:٣٨)، وفي الدقيقة ١٣:١٣ ظاهر قطع.
١٤:٤٩ – ٢٠:٢٣ يكون فيها ابن علوي المتكلم الرئيس
٢٠:٢٣ يدخل المقدم ليقدم لمقطع رديء الصوت قصير
٢١:٢٥-٢١:٣٥ بقية التسجيل الرديء
٢١:٣٥ رجوع المقدم (قطع في الدقيقة ٢١:٣٧، و ٢١.٤٣)
٢١:١٣ نهاية الحلقة
ب- المادة/ المحتوى
جاءت مقدمة الحلقة مذكرة للمتابع بتغريدته قبل يوم من ذلك أنه سيبث “تسجيلا صوتيا للحديث الذي دار بين القذافي ويوسف بن علوي وهما يتآمران على المملكة العربية السعودية لتفكيكها وتقسيمها” (د ٠٠:٢٣)، محاولا بهذا التركيب والألفاظ المختارة (التآمر التفكيك التقسيم) استباق حكم المشاهد وإشغال ذمته بهذه النتيجة الحتمية لما سيقبل عليه من مادة مسموعة، وبرمجة عقله الباطن نحو ذلك، مستغلا الاصطفاف والتلاسن القائم بين دول الخليج، محاولا فيما يبدو استعداء المتابع لشخص يوسف بن علوي خاصة، واستعداء السلطان وحكومته بعد مغازلة المقدم لها بالفصل بين عمان وسلطانَيْها عن ابن علوي (د ٠١:٢٦) محاولةً للدفع لعزله من قِبل الحكومة والسلطان، وأملا بتحقيق ذلك، وربما أيضا محاولة لاستمالة السلطان الجديد ليتخذ موقفا مغايرا لموقف السلطان الراحل قابوس -طيب الله ثراه- في الحياد، ويصطفَّ مع فريق دون آخر، وقد صرح بطلب عزل ابن علوي وإقالته في تقديمه عندما حث السلطان هيثم على ذلك (الدقيقة٠٣:٠٠)، وقد قام بالتضليل على المستمع أيضا عبر استخدامه للفظة المشروع الفارسي (د ٠٠:٣٥) وتوَسُّعه رغبةً في السيطرة على مكة والمدينة (د ٠٠:٤٣)، واستثارة عصبية المشاهد العربي بذكر إيران والفرس (د ٠٠:٥٣) ،أيضا جعله تفكيك السعودية تفكيكا للأنظمة والدول في الكويت والبحرين والإمارات وقطر جميعا (د ٠٢:٣٠ ) يعمل ذلك على إثارة حمية مواطني هذا الدول المتابعين له، مع ظاهر التناقض كيف لقطر أن تعمل على تفكيك السعودية إذا كان يؤدي ذلك لسقوط نظامها أصلا؟! أيضا يظهر تدليسه وانتقائيته رغبة بتضليله المتلقي في عدم ذكره دولا، وتعمده الاقتصار على دول أخرى رغم ذكرها جميعها ، فقد ذكر في المشروع أو المخطط الوهمي المزعوم قطر واليمن والأردن وابن علوي (عمان) وإيران، وأولاء معلوم وضعهم في خارطة التحالفات والانقسامات العربية والإقليمية بالنسبة لدول التحالف في اليمن، ولقضايا محورية كفلسطين بالنسبة للأردن، بينما لم يذكر مصر والمغرب، وقد ورد في التسجيل الصوتي أنهما ضمن من رحَّب بخطة الأمريكان لتقسيم السعودية مع قطر والاردن والمغرب (د ١٠:٠٣)، وهاتان دولتان معلوم موقفهما من تحالف اليمن، ومن غيرها من الاصطفافات، فهما ضمن التحالف، وتزيد مصر أنها ضمن دول المقاطعة لقطر، ولم يعرج المقدم أيضا على الأمريكان، وهم كانوا مدار حديث القذافي ومحرك هذا المقطع الصوتي الأكبر (من الدقيقة ٥:٢٤ د إلى آخر المقطع)، ولم يعنَ بهم أصلا!! فلما قام في افتتاحيته فأخفى أسماء رئيسة، وأبدى أخرى وطعنها بما ليس منها -كما سيظهر- علمنا أنه متهم فيما ينقل، غير بريء النية، ولا صافي السريرة، من ثم اجتهاده وتأويله غير جدير بالتقدير، ولا إضاعة الوقت في الاستماع له، لولا زوبعة ما أثير حوله.
رابعا: التسجيل الصوتي
يبدأ بالقذافي يستقبل هدية الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية (الخنجر)، ويظهر اعتزازه بها، وأيضا رسالته وشكره للسلطان لاستقبال سعيد حفيانة
ثم ينتقل في الدقيقة (٠٤:٥٥) ويبدأ بسرد وضع الأمة وتراجعها، وأن هناك خرائط جديدة وعولمة عند الأمريكان الذين يعملون على رسم خريطة جديدة للعالم، ثم تكلم القذافي عن آل سعود وأنهم أضروا بالأمة، وأن الأمة الإسلامية أهم من عائلة سعود (د ٠٦:٠١)، وأن أعداءنا (والحديث للقذافي) الذين كانوا يحمونها (يعني الأمريكيين) أيضا مستاؤون منهم (د ٠٦:٢٠)، ويعبرون عن ذلك مباشرة له عند لقائه، منهم أعضاء من الكونجرس، وموظفون كبار من وزارة الخارجية وحتى من المخابرات الأمريكية (د ٠٦:٣٥)، وأن عائلة آل سعود عند الأمريكان منتهية (expired) وينتظرون البديل فقط، وهنا جاء تداخل ابن علوي مُعِيْنًا القذافي على ترجمة (expired) التي كان يبحث عنها عابرا أثناء حديثه (د ٠٧:٠١)، ودار الحديث كله منه حول الأمريكان ورغبتهم بالتخلص من الوهابية عبر التخلص من آل سعود، ووجوب أن ينتهز العرب الفرصة، فرصة رغبة الأمريكان بالتغيير واستعدادهم، ولكن لا يسمحوا بحرب جديدة يشنها الأمريكان على السعودية على غرار حرب العراق، بل عن طريق حثهم على إثارة شعوب المناطق السعودية وتفكيكها سلميا كما فعلوا في السوفييت ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا (د ٠٨:٠١)، وكل الحديث للقذافي، وكان ابن علوي في كلها يومئ بصوت أو يقول نعم أو معلوم وما شابه لتأكيد متابعته لحديثه، وذكر أن الأمريكان يرون تخليص الحجاز من آل سعود، وبه سيتم الخلاص من دعاة الوهابية المتربصين بالحجيج (إشارة إلى تجنيدهم في الحركات الجهادية) (د ٠٨:١٥)، وأن الأمريكان يؤيدون سعودية مفككة؛ إلى الحجاز (هاشمية) والإحساء (شيعية) ونجد (شمرية)، ونجران وعسير (زيدية وإسماعلية)، لأن الوهابية مفروضة عليهم فرضا، وجميعهم من غير الوهابية لا يشكلون خطرا على الأمريكان (د ٠٨:٥٢)، وعند الأمريكان خريطة لسعودية مفككة (د ٠٩:١٥)، وألمح أنه يعلم ما خلف المجاملات الظاهرة بين عمان والسعودية من خلافات تعتمر القلوب (حسب زعمه) (د ٠٩:٤٠)، وبعض العرب أظهروا للأمريكان ترحيبهم بزوال السعودية وتفكيكها؛ الأردنيين والمصريين والعلويين في المغرب والقطريين (د ١٠:٠٥)، ونريد من عمان (القذافي يريد) إذا كان ما فهموا الأمريكان بذات الترحيب والرسالة (وهذا دليل عدم وجود خطة مسبقة ولا مشروع فقط محاولةً من القذافي لتشجيع عمان بالقيام بما قام به مَن زعم من الدول العربية)، عليهم (أي العمانيين) أن يفهموهم (أي الأمريكيين) مثل بقية الدول العربية المذكورة (د ١٠:٤٣)، والتعبير للأمريكان أننا (العرب) ضد تفكيك السعودية بالحرب مثل العراق، ولكن بتقرير مصير الشعوب السلمي (د ١١:٠١)، لتشجيع الأمريكان وتحريكهم برؤية العرب مجتمعين على هذه العائلة (د ١١:٢١)، فالأفضل (والكلام ما زال للقذافي) تكون الدول العربية معهم، لتأمن سلمية التغيير، وأيضا لضمان عدم التعدي على الدول العربية بالدور من قبل الامريكان، مثلا إذا انتهوا من السعودية انتقلوا إلى عمان ثم يفكروا في الكويت (د ١١:٤٥)، ثم جاء (القذافي) بفلسفة ركوب الموجة ، والعدو الاستراتيجي والعدو الثانوي، مبينا على أنه يمكن الاستعانة بالعدو الاستراتيجي (أمريكا) على العدو الثانوي (آل سعود) ( د ١٢:٣٥)، ليرجعوا للدرعية ويتركوا أرض العرب للعرب وبترول العرب للعرب (د ١٣:٠٠)…. بعدها يحصل انقطاع ويلفق مقطع منفصل جديد إلى المقطع السابق (١٣:١٣ د)، وفيه يطلب القذافي الحفاظ على سرية الحديث، وفيه يؤكد لابن علوي أنكم الأقدر على إيجاد البديل بحكم التواصل الطبيعي والقبلي بالقبائل ذات الإمارات القديمة داخل السعودية كما إمارة شمر في حايل والشعلان والعنزة وآل الرشيد (د ١٣:٤٢)، ثم تحامل من جديد على آل سعود وأنهم مسحوا ديننا ومسحوا آثاره ومسحوا كل شي وحولوه إلى موسم سياحي (د ١٤:٣٠)
ابن علوي:
بدأ ابن علوي فعليا الحديث والجواب على ما سمعه من القذافي في الدقيقة (د ١٤:٤٩) وبدأها بقوله: “على كل حال كل شي يأتي في وقته، وهناك علامات وشواهد كثيرة، بتبان (ستظهر) ولكن تحتاج بعض الوقت” (د ١٥:١٠ )، وأوضح أنه يعتقد بأن المحرك الكبير الذي سيكون في أربع أو خمس سنين قادمة سيبدأ من طهران (د ١٥:١٥)، وهنا يسأل القذافي تعتقد أن طهران تؤثر؟! وهل في مصلحتنا نحن العرب التغيير يأتي بالطريقة هذي أو ليس من مصلحتنا؟! (يتساءل القذافي) (١٥:٣٥ د)، ليجيب ابن علوي أن السلمي أفضل ولكن الأمور تتفاعل بشكل كبير، وهم في الرياض الخوف الكبير عندهم من هذا الوضع (د ١٥:٤٥)، ثم يقول وهم (يعني الأمريكان أو السعوديين) يقدروا عدد المقاتلين من السعودية في العراق بـ ٤٠٠٠ مقاتل (د ١٦:١٥)، تداخل هنا القذافي أن هذا ما يزعج الأمريكان ويريدون تجفيف هذا النبع، ليتساءل ابن علوي أين سيذهبون إذا جففت العراق؟! (د ١٦:٢٥)، ثم بدأ ابن علوي يستطلع قدرة تأثير دول الجوار على الداخل السعودي (في جواب ضمني للقذافي بعدم إمكانية تطبيق دعوته بتفكيك السعودية وتيئيسه من الفكرة بسبب محدودية النفوذ والتأثير لدول الجوار)؛ اليمن مؤثر لكن بسبب تفرقهم واختلافهم تأثيرهم بسيط محدود ما إلى هناك (د ١٦:٤٥)، وإخواننا في الخليج تعرف دول صغيرة وتأثيرها إلى حد ما محدود، باستثناء الشيخ حمد بن خليفة رجل جسور (د ١٧:١١)، (أقول: والتأثير هنا أراه بمعنى تغيير موقف الحكام في السعودية وخط سيرهم والضغط عليهم بذلك)، والامريكان (الكلام لابن علوي) لا شك عندهم خطة، ثم ذكر زيارته للبيت الأبيض قبل ثلاثة أسابيع (د ١٧:٥٣) ووجدهم بالفعل عندهم نوع من التبرم والموقف من قادة السعودية، وأن جميعهم فوق الثمانين سنة أعمارهم، حتى وصفوهم بالقيادة السوفييتية السابقة، وقال: ربما شي سيحصل، ومع الألم في العراق، على العراق والعرب، ولكن كما في المثل رب ضارة نافعة (يعطيه أن الأمل موجود وهنا أيضا يظهر أنه تعاطي أطراف حديث وليس تناول خطة أو مشروع) (د ١٧:٤٠)، (ويستطرد) وكلامكم هو الصواب وهو ما ينبغي أن يكون (١٨:٤٣) (ومن كلام القذافي وجوب عدم ترك الأمريكان وعدم السماح لهم بشن حرب على السعودية مثل العراق ولو لتفكيكها وهو ما عبر عن رغبته به ولكن سلميا كما مر)، وإذا هم عرفوا (أي القادة في السعودية) على أنفسهم وتبنوا خط آخر كان أمر آخر (أي من موقف الأمريكان المستعد للتقسيم أو القيام بإجراء استراتيجي قاسي على السعودية) (د ١٨:٤٨)، ولكن الرسالة (والحديث لابن علوي) التي ذكرتُ لكم إياها خلقت نوع من التوجس عند الأمريكان (د ١٨:٥٥)، ثم جاء ابن علوي على مثال شاه إيران وكيف سقط (دون تفكك لإيران)، وبعد ما كان في عظمة، وصداقة حميمة مع أمريكا، لم تستقبله أمريكا لما غضبت عليه وهو مريض ولم تعطه حتى الدواء، في غضون ٦ أشهر أسقطوه بإثارة الشارع بقطع الكهرباء عبر منع قِطع الغيار عن إيران (د ١٩:٠٧) (في إشارة إلى أن الأمريكان لا يؤمن مكرهم ولو على صديق إذا اختلفوا معه وأرادوا كيده)، ثم يقول ابن علوي: بعض الأمور تظهر كأنها صدفة لكنها مشيئة رب العالمين ومخطط لها (د ٢٠:٠٨) ثم دخل هنا مقدم الحلقة ليعرض مقطعا رديئ الصوت، فيه صوت ابن علوي وهو يعبر عن الحاجة للتنسيق مع الأردن واليمن والدوحة، ولكن مقدم الحلقة ذكر الأردن والدوحة فقط (هل نسي اليمن أو لم يسمعها؟!) في تنبيهه قبل عرضه المقطع الرديء.
ختام الحلقة
لأن الغاية من هذه الحلقة الكذب والتدليس وقول الزور -جهلا أو عمدا- وليس الحقيقة أبدا -فوراء الأكمة ما وراءها- من ذلك طفق الرجل يستقطع أقصى ما يمكن أن يخدم أجندته، فذكر بعضها التي أرى أن من تسورها مدركا لبطلانها إنما يعمل على جَنْيَ رؤوس الشياطين من شجرة الزقوم التي ستكون طعام كل معتد أثيم وكذاب أشر، فضلا عن خزي الدنيا وعارها.
وهنا نقف أمام ملخصه ورسائله المغالطة التي أراد تأكيد تلقي العقل الباطن للمتلقي لها وتصديقها، فقدم لها أول بعثه، وثناها آخر حشره، وهنا نحن نوردها لكبتها وإنزالها دركتها المستحقة…
- زعمه أن ابن علوي قال للقذافي؛ إن المخطط بدايته من طهران؛
- أولًا لم يرد اسم مخطط ولا مفهومه في كل التسجيل
- طهران لم تطرق إلا مرتين فقط في التسجيل وسريعا:
- أولها؛ عندما قال قراءته وما يعتقده ويظنه في أربع الى خمس سنوات قادمة بالنظر إلى واقع التصعيد بين طهران والرياض، والعلاقة يومئذ بين بعض العرب وعلى رأسهم السعودية ومصر وبين المقاومة وداعمها الأول طهران على أشدها (صدامهما في حرب تموز بلبنان، وحرب كيان الاحتلال على غزة والتصعيد بينهما، ومواقفهما المتناقضة تماما في ذلك)، بل وذكر أن ذات التخوف والشعور بالقلق موجود في الرياض، وتخوف القذافي من إمكانية ذلك وضر المصالح العربية من جراء ذلك إن وقع، دليل على أن كلام ابن علوي هو قراءة تحليلية بأدوات الدبلوماسي الخبير ونظرته الفاحصة… قراءةً تحليلية طبيعية ومحقة لسياسي مخضرم من الطراز الرفيع، تربى في مدرسة رجل السلام الأول في العرب بل والعالم أجمع، قراءة تحليلية ليس إلا بالنظر إلى الأحداث والإشكاليات بين طهران والرياض، ولم يكن تآمرا ولا مشروعا فارسيا كما قدم له المفتري والكذاب.
- أما الثانية فذكرت فيها طهران في سياق التدليل على خطر الأمريكان على أصدقاءهم إن فقدوا الثقة وانقلبوا عليهم، وضرب مثلا على ذلك بشاه إيران ومصيره التعيس.
- زعم إقامة الحوثي على اليمن ليكون رأس حربة على السعودية؛
- أولًا لم يرد اسم الحوثي ولا الاشارة اليه
- ثانيا وضع اليمن ذكر على الاعتراف بأنها أمة مفترقة ومختلفة لذلك فتأثيرهم على السعودية ضعيف ومحدود
- ثالثا الزيارة هذه كانت والقذافي في الحكم، قبل الحوثي وانخراطه السياسي والعسكري
- رابعا صعود الحوثي له تعقيدات كثيرة، ولا يتخيل أن يكون من ٢٠٠٦ مخططا له، بل للسعودية في هذا الصعود والنزول والتحكم فيه يد طولى وسيطرة.
- انطلاقه الأخير من الصوت الرديء ليعلن أن (المشروع هو أردني قطري فارسي حوثي يحيط بالمملكة العربية السعودية ويفجرها ويفتتها)، هذا على رغم تبرئته للأردن في المقدمة (د ٠١:١٠)، وقد بينا في العموم تخبطه وخلل استنتاجه وزعمه فيما مر من تحليل وبه كفاية، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أخيرا فالتسجيل جاء في سياق ما قدمنا من تمزع وتمزق، وكان ابن علوي ضيفا على القذافي، وليس متوقعا منه إلا مراعاة هذا المقام بالاستماع إليه، فضلا عن أن شخصية القذافي ومواقفه المجنونة لا تخفى على أحد عَلَنًا، فقوته الإنجازية ليستْ كبيرة، ولا يُخشى جانبه، فكما في المثل (بو تفح ما تلدغ). ثم بتعميمه وصرف ما يريد بصيغة ذكية إلى الإرادة الإلهية، وما قد تقوم به أمريكا، فضلا عن تيئيسه من تفكيك السعودية عبر إبراز ضعف قوة المحيط العربي بالسعودية وعجزه ومحدودية تأثيره عليها، وهي دبلوماسية عالية، مقابل دبلوماسية المراهقين اليوم، فالحديث كان تحليلا وقراءة لاحتمالات، مع كون القذافي صرح بخيار التفكيك، إلا أن ابن علوي لم يأت على لسانه أي تأييد لذلك أو تصريح به، بل التعريض بعجزه وفشله، وما قاله له وتعبيره: كلامكم هو الصواب وهو ما ينبغي أن يكون (١٨:٤٣) فهو عموم الصواب فيه من وجوب عدم السماح لأمريكا بالاستفراد بالسعودية أو شن حرب عسكرية عليها على غرار حرب العراق لتفكيكها أو لإسقاط حكومتها، وعندما قال ابن علوي وعلق الحال وتغيره بقوله؛ وإذا هم عرفوا (أي القادة في السعودية) على أنفسهم وتبنوا خط آخر كان أمر آخر (د ١٨:٤٨)، فقد صدق، فلولا تبنيهم خطاً جديدا نقيض خطهم التقليدي الديني، وتراجعهم الأخير عن ما عرف بفترة الصحوة، وهي الفترة التي نشط فيها التيار الديني (الفكر الوهابي)، وسخر له مقدرات عظيمة من أموال الدولة لتخريج والإنفاق على جهاديين ومقاتلين جهة الشيشان وأفغانستان وغيرهما، والتي على ذات أصولها قامت الحركات اللاحقة كالقاعدة وداعش، إلا أن القيادة الجديدة في السعودية بقيادة ولي العهد الشاب تحولت عن تلك الحقبة، وكان لها موقف صارم اتجاهه، ولا شك أنه أسعد الأمريكان، وبالتالي فطلبهم القديم وتفكيرهم لتفكيك المملكة لم يعد مجديا، ولا مطروحا، بعد ما كفتهم مأونةَ مكافحة (الإرهاب)، وتصحيحَ الفكر، وعولمةَ الحياة العامة في السعودية القيادةُ الفتية الجديدة فيها، وتعميقِ العلاقة الاقتصادية معهم.
ختاما أراد صاحب المقام المنقود ومن مالأه النيل من ابن علوي والإطاحة به بمثل هذا التسريب، بينما في تقديري قام هو -للناظر الفطن- بإثبات مكانته وتعزيزها، من ثم لا يستغرب إن أصر عليه السلطان هيثم، ولم يزده دعاءه (أي المقدم) إلا نفورا مما يدعو، وتمسكا بابن علوي، فهو قد أثبت أنه استحق تلكم الثقة من لدن جلالة السلطان قابوس بجدارة، ويستحقها مضاعفة من خليفته ومنتقاه السلطان الجديد هيثم، ما دام معالي يوسف بن علوي قادرا على العطاء، فليس ثم أجدر منه بقيادة الدبلوماسية العمانية، وقد أثبت ذلك حتى عندما أراد أعداؤه الكيد فيه، وكأنا بالمثال الشعري السائر قائما وشهيدا هنا..
وإذا أتتك مذمتي من ناقص/ فهي الشهادة لي بأني كاملُ
حفظ الله عمان والسعودية والخليج العربي وحفظ الوطن العربي والعالم من الشرور
ملاحظة؛ اطلعتُ بعد كتابتي البيان أعلاه على التعقيب الذي قام بتسجيله ذات المقدم للحلقة قبل ١٧ ساعة من الآن في رسالة يتناول فيها ردود الفعل على مقطعه الأول، وما ناله من تخوين وتهمته بالعمالة لبعض الجهات الاستخباراتية، إلا أنه لم يأتِ فيها -فوق تبرئة نفسه وتأكيد ولائه- بجديد سوى تأكيده لخصومته الشخصية لابن علوي، مع أربعة نفر آخرين ذكرهم بأسمائهم، وربما ما أحب تذكيره به، إن وصله مقالي هذا، أنه ومع وزن السعودية الإقليمي والخليجي اليوم، وأهميتها الكبرى في أمن الخليج والوطن العربي عموما إلا أنه كان الخليج ولم تكن السعودية لمئات السنين بل لألوف، وكانت مكة والمدينة ولم تكن الطائفية التي يروج لها اليوم موجودة، بمعنى الحروب وطلب سيطرة الشيعة عليها إصرارا وعملا دؤوبا، وكانت عمان هكذا باسمها وفخامتها وعمقها التاريخي لآلاف السنين، ولم تكن أيضا السعودية، فالإيحاء بأنه بالسعودية الخليجُ ودولُه، وبدونها هلاكُه وهلاكُ دوله مقاربةٌ غير علمية البتة، وزعم يكذبه الواقع والتاريخ، مع تأكيدنا على أمن السعودية وكل الدول الخليجية والعرب، وأنه من أمننا الشخصي ومن أمن وطننا الغالي عمان، هكذا علمنا جلالة السلطان قابوس رحمه الله، وهكذا كان آخرَ عهده بنا، وإنا على ذلكم العهد لحافظون.
الإثنين
عبدالحميد بن حميد الجامعي
٢ شوال ١٤٤١هـ
٢٥ مايو ٢٠٢٠ م