الصدمة التي أصابت البعض ممن سرى عليهم قرار الإحالة إلى التقاعد ممن أكمل الثلاثين عاماً من الخدمة في شتى المجالات تدفع بالتفحص والتأمل في شأن موضوع التقاعد؛ لكونه مرتبطاً بنواة المجتمع الأولى وهي والأسرة وتنطلق منها نحو المجتمع في تأثيرات اجتماعية وصحية ومالية ونفسية ومهنية.
دعونا نتفق بأن المتقاعدين هم خبراء في الحياة وفي المجال الذي كانوا يعملون فيه، وهنا أتفهم وجهة نظر من يقول أن البعض ممن تأثر بقرار الإحالة إلى التقاعد لم يحقق المرجو منه من الإنتاجية العالية في العمل، وبشكل عام يمكننا الرد على ذلك بأن إنتاجية العمل ليست شرطاً أن تكون مرهونة بالفرد نفسه بل بالبيئة الوظيفية التي تساعد على تكامل عناصر الإنتاجية وفي المجال الضيق تبقى تباينات الحالات الفردية كما هو طبع البشر منذ أن خلقهم الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
تلك الآية وغيرها من القرائن تدل مما لا شك فيه أن ربط الإنسان بالعبادة لا ينتهي إلا بالموت وذلك شأن من ينتهي إلى التقاعد حيث يكون ذلك نقطة انطلاقة جديدة لاستثمار التجارب والخبرات التي يملكها وتعزيز الاحتياجات لديه، وعدم حصر التقاعد في مفهوم الراحة والاسترخاء في المنزل لما لذلك من آثار سلبية.
اجتماعيا فإن المتقاعد سيتملكه الفراغ الذي قد يعرضه تدريجياً للاكتئاب ونحو ذلك، ما لم يشغله بالمفيد وهنا تقع المسؤولية على المجتمع في تعزيز المكانة الاجتماعية للمتقاعدين وتنمية الخدمات المجتمعية لهم وإلحاقهم ببرامج صحية ونفسية لاستدراك ما تأثر فيهم بفعل سنوات الخدمة الطويلة، وتلك خطوة استباقية مهمة وبدونها قد تتكبد الدولة -بما فيها المجتمع- تبعات تجدها مضطرة عليها اجتماعياً وصحياً ونفسياً ومالياً.
بلا شك أن نسبة ليست بالبسيطة من المتقاعدين قامت بالادخار لمثل هذا اليوم، وهنا تأتي أهمية التوجيه بشأن استثمار ذلك الادخار في مجال التجارة وتكوين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تجد فرصاً كبيرة تؤهلها للنجاح وذلك لوجود الخبرة الإدارية المطلوبة، وهذا يعزز تنمية سوق العمل للرقي نحو الأفضل مما يخفف العبء عن الحكومة مع التأكيد على الأخيرة بدعم ذلك من خلال التشريعات النافذة والقوانين المعينة والدعم المهني في سوق العمل وهذا بلا شك مطلب الجميع.
إن قرار الإحالة للتقاعد لهو درس لنا جميعاً من أجل تكوين ثقافة إعداد خطة ما بعد التقاعد مسبقاً، وأن نتخلص مبكراً من أي التزامات مالية كبيرة، وألا نجعلها تتراكم حتى لا نكتوي بنارها عند التقاعد.
وهذه كلمة أخيرة أوجهها لإخواننا المتقاعدين…
أنتم جيل النهضة الذين نفتخر ونفاخر بهم، وقد بدءتم لتوكم مرحلة جديدة عنوانها الاستمتاع بالحياة، ومهم جداً الاستمرار في نفس المجال الذي عملتم فيه وفق الآلية التي تناسبكم، وعليكم واجب تفريغ ما لديكم من خبراتٍ لمن هو بعدكم؛ تحقيقا لمبدأ استمرارية الحياة.
محمد سيفان الشحي
١١ يونيو ٢٠٢٠ م