كان بيت الشيخ سعيد بن خلفان الهدابي أجمل ضفاف وادي فنجاء وعلى بسطه المغزولة من نبات الرَّسَلِ ينيخ العابرون المطايا.
عرفته من جغرافية والدي إِبَّان تقلده الولاية والقضاء في حصن بدبد ، فكان الشيخ سعيد الهدابي جليسه على بُسُطِ شجر الرَّسَلِ بالحصن.
وقبل أن تتلاقى الضِّفَّتان بأول جسر معلق عَرِفَتْهُ عمان على وادي فنجاء كانت سبلة الشيخ سعيد بن خلفان الهدابي بين أهم جسور فنجا بين “السيح الأحمر وجبل الحمري” وشواهق “سعال” وشوامخ “حميم”.
وكانت سبلته مفتوحة دوماً على قمم شجر الزَّعتر فتعبق بسيرة الرجال المقاديم.
وكان الشيخ سعيد بن خلفان الهدابي وككل آبائنا الذين لا يعرفون كرة القدم ولا عدد اللاعبين الذين يتحركون في المستطيل الأخضر لركل الكرة الدائخة بين الأرجل وبأقوى ما تنتجه صناعة الرياضة من أحذية إلا أنني فوجئتُ بعمامة الشيخ تبرق من أحد المدرجات الرياضية وهو يتابع المبارة بحماس ويشجع بتعصُّب ، فتبددت دهشتي حين عرفْتُ أن فنجا كان يلاقي خصماً عنيداً في لقاء مصيري قد يقرِّبه من الكأس فيحافظ على سجله الذهبي أو يخرجه من السباق إلى القمة فتحتفي الملاحق الريايضية للصحف بولادة بطل جديد ، إذْ كان الشيخ فنجاويَّاً حتى نخاع النخاع ، ولذلك تجشَّم عناء المجيئ للمدرجات ليؤازر فريقا يرتدي الفانيلة الصفراء.
وقد ورثَ أنجاله ذات الشمائل والخصال فكان بيت الشيخ محمد بن سعيد بن خلفان الهدابي في أبوظبي سفارة عمانية قبل فتح السفارة.
واستمر بيت الشيخ الهدابي رديفا في تمثيل الشمائل العمانية بعد فتح السفارة.
وكان نجله الثاني الشيخ سليمان الهدابي في قلب المعمعة الفنجاوية لتبقى الفانيلة الصفراء حديث الكؤوس والدروع.
ولقد تلقيتُ هذا النهار رسالة مفجعة من الشيخ منير الهدابي حفيد الشيخ سعيد الهدابي ينعي فيها خاله الشيخ محمد بن سعيد الهدابي الذي ارتقت روحه الراضية إلى ربها وهو في بيته بأبوظبي فتزاحمت المحطات من وادي فنجا إلى سبلة والدي في الصافية بسمائل إلى بُسُطِ الرَّسَلِ بحصن بدبد إلى فرحة رجل أشيب يتابع صفارة حكم تعلن عن تسديدة موفقة للاعب من فريق فنجاء في شباك مرمى الخصم إلى بيت الشيخ محمد بن خلفان في أبوظبي.
ورغم أن الموت أمرٌ حتمي وسيأتي أطالَ الزمن أم قَصُرَ ، ومع ذلك تزلزلنا أنباء الورود إليه خاصة في الكبار الذين يزهرون في وجداننا فنتوهم بديمومة مواسمهم فيهوي هادم اللذات بفأسه ليجتث شجر الفرح.
إلا أن العزاء في رحيل هامة كبيرة كالشيخ محمد بن خلفان الهدابي في بقاء الجسر الموصول بين الضفاف والسبلة المفتوحة النوافذ على شجر الزعتر كآبائه الميامين الذين سبقوه.
لقد رحلت الأبدان وعادت المآثر لتتفترش بُسُطَ الرَّسَلِ لتزهر الحكايات.
—————————-
حمود بن سالم السيابي
مسقط في ١٢ يونيو ٢٠٢٠م.