لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتشدق ليل نهار بأنها واحة الديمقراطية في العالم وأنها مهد الحريات، وغيرها من المصطلحات الرنانة التي تتفاخر بها كذباً في كل محفل وتحت رئاسة أي قائد، فمن جورج واشنطن إلى بوش الأب والابن إلى أوباما وحتى الرئيس الحالي دونالد ترامب، تظل أمريكا هي أمريكا، بعنصريتها البغيضة وجرائمها اللامحدود بحق الإنسانية، سواء في الداخل تجاه المواطن الأمريكي وخاصة أصحاب البشرة السوداء، أو في الخارج، وخاصة في دول الشرق الأوسط.
لقد سقطت آخر ورقة توت عن تمثال الحرية المزعوم الذي يحتل قلب نيويورك، وكشفت عن سوأته، فتعرت الولايات المتحدة مجددا للمرة الألف، وتجلى وجه العنصرية المقيت، ذلك الوجه الذي أودى بحياة اثنين في أقل من أسبوعين، من أصحاب البشرة السوداء، فعادت إلى الأذهان مآسي العبيد التي وقعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. تكررت المأساة قبل أسبوعين، مع تعمد شرطي أمريكي أبيض القبض على مواطن أمريكي آخر من أصول أفريقية، لدوافع عنصرية في داخله، فتعامل معه بعنف شديد، وأخذ يُسدد له اللكمات واحدة تلو الأخرى، حتى طاح أرضًا، لكنه لم يكتف بذلك، بل تعمد إزهاق روحه، بأن ضغط بركبته القوية على عنق هذا المسكين، فظل الآخر يصرخ صرخته التي ملأت العالم بعدها بأيام قائلاً بنفس متهدج لا يكاد يُسمع “لا استطيع التنفس”، وتحولت هذه العبارة إلى شعار أصيل في كافة المظاهرات التي اشتعلت في أنحاء العالم، وحتى في داخل الولايات المتحدة نفسها. مات الرجل تحت أقدام الشرطي القاتل، مات الرجل لتولد حركة جديدة باسم “حياة السود مُهمة”.
من المؤسف أنَّ الولايات المتحدة تتباهى كذبًا بأنها دولة الحريات والديمقراطية، لكنها في حقيقة الأمر دولة الظلم والعدوان، على حقوق البسطاء، وخاصة السود، دولة تناصر الكيان الصهيوني في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وتعادي الصين لأنها فقط تتجرأ وتناطح الدولة العظمى حول العالم.
لقد آن الأوان أن يدرك العالم جيداً حقيقة القيم الأمريكية الزائفة، آن الأوان أن يتحد العالم ليقول للظلم والعدوان كفى، حان الوقت لكي يعلم الجميع أنَّ من يتشدق بالمُثل العليا هو أول من يدنسها وينتهكها.
علي بن بدر البوسعيدي