صدر قبل أيام المرسوم السلطاني السامي بإنشاء “جهاز الاستثمار العُماني” ليكون كياناً استثمارياً موحداً، يضم عدة كيانات استثمارية ورقابية وتنفيذية تحت مظلته، وهذه الكيانات هي: صندوق الاحتياطي العام للدولة، وصندوق عمان للاستثمار، ومديرية الاستثمار بوزارة المالية، وكافة الشركات الحكومية عدا شركة تنمية نفط عُمان، ثم تبعه بعد أيام مرسوم سلطاني آخر بتعين رئيس للجهاز برتبة وزير، وفي هذه المقالة استعرض أهمية هذه الخطوة التي كان ينتظرها الكثير من المراقبين الذين كانوا يطالبون بها منذ فترة، وتكررت مطالبتهم في السنوات الأخيرة، وخاصة فيما بعد عام 2015، بعد أن كثرت الشركات الحكومية بدرجة ملحوظة، وتكررت وتداخلت أنشطتها في أحيان كثيرة.
تكمن أهمية إنشاء جهاز الاستثمار العُماني في عدة نواحٍ، وأهمها ما يلي:
انعكاس واقعي للخطاب الأوَّل لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- أيده الله ونصره – الذي أشار إلى ثوابت مؤسسية منها تنظيم أعمال الشركات الحكومية وتمكينها، وتجويد استخدام موادرنا المالية، وزيادة الدخل لخزينة الدولة والتوازن المالي المُنضبط.
الحوكمة: منذ عام 2013 تمَّ تبني أنظمة حوكمة إدارية ومالية واستثمارية في الصندوق الاحتياطي العام للدولة وأثبتت هذه الأنظمة الصارمة فاعليتها، وأكملت حوالي 7 أعوام من المُمارسة، وطورت بشكل مستمر، وبدون شك سيتم نقل وتطبيق أفضل هذه الأنظمة والممارسات على الجهاز الجديد، فالموضوع لن يكون اجتهادات وقرارات ارتجالية من كل صندوق أو شركة، بل إنَّ هناك نظاما مؤسسيا موحدا يطبق على الجميع.
التوجه الاستثماري: وجود كيان استثماري موحد، لديه خبرات تراكمية من كياناته السابقة، يجعل خريطته الاستثمارية واضحة لها خطوط عريضة وأطر متينة، يمكنها من جعل المحفظة الاستثمارية منوعة من أسهم وسندات وعقارات وودائع واستثمارات مباشرة محليًا وعالمياً تقلل من المخاطرة قدر الإمكان.
التصنيف الائتماني: وجود كيان استثماري موحد يجعل موقفنا الائتماني لدى المنظمات الدولية أفضل من السابق، لأنه عندما تقرأ هذه المنظمات المؤشرات العُمانية من حيث الأصول والالتزامات والموجودات تقرأها كأنها رقم واحد، لذلك يظهر لهم الرقم كبيراً، وبالتالي يرفع من تصنيفنا الائتماني الذي يظهر في التقارير الدولية لدى الأطراف الأخرى المُراقبة والمحللة والجهات المتوقع أو الراغبة في الاستثمار.
الوضع الإقراضي: تكلمة للنقطة السابقة، أضف إلى ذلك استطاعة السلطنة بكل سهولة في حال رغبة السلطنة في الاقتراض في المستقبل، ذلك يؤهلها بفوائد تنافسية لأنه يبين للجهات التمويلية أنّ الملاءة المالية جيدة، ولا يكون ذلك إلا بوجود كيان استثماري ضخم كجهاز الاستثمار العماني.
تخفيض التكلفة التشغيلية: وجود الصناديق الاستثمارية السابقة والشركات الحكومية ومديرية الاستثمار، وضمها تحت كيان واحد لا يعني وجودها في مبنى واحد، لكن الكثير من المصاريف التشغيلية سوف تقل من حيث عدد الموظفين، والتقريب من مزاياهم الوظيفية والمتفاوتة بشكل ملحوظ بين جهة وأخرى، والاستفادة القصوى من المباني المؤجرة، وتقليل المصاريف في نواحٍ كثيرة خاصة فيما يخص الخدمات المشتركة، والاستفادة من القوة التفاوضية للكيان الجديد، ويمكن رصد الوفرات المالية اللازمة بشكل أكثر عمقًا ووضوحًا مع مرور الوقت.
وضوح الاختصاصات وتفادي التشتت: في الوضع السابق كان هناك تداخل في نوعية الاستثمارات، فتجد تداخلا في استثمارات الخدمات بشكل أو آخر بين “عمران” و”أسياد” و”الطيران”، ويتكرر ذلك في مجالات أخرى مع بقية الشركات الحكومية أو الحصص الكبرى التي تمتلكها الحكومة أو الصناديق الاستثمارية السابقة.
مكانة السلطنة وترتيب جهازها دولياً: بالرغم من أنَّ السلطنة لا تبدي اهتمامها بهذا الموضوع إعلامياً، لكن خطوة إنشاء كيان استثماري بهذه الضخامة، سوف يرفع الترتيب الدولي تلقائيًا للمنظمات المالية والاستثمارية الدولية.
القرار الاستثماري: سوف يصبح القرار الاستثماري مرناً ويتسم بالعقلية المهنية والطابع التجاري الربحي لأنه أصبح أكثر استقلالية، ولا يُدار من جهة حكومية يقابلها العديد من الإجراءات والخطوات البيروقراطية.
تقييم أداء الشركات وبقية الاستثمارات: مع وجود كيان ضخم، أصبح من السهولة جداً تقييم أداء كل شركة حكومية على حدة، ومعرفة تفاصيل ما قامت به، ومسارها، وضرورة اتخاذ القرار الاستثماري الصحيح في “دمجها” أو “رفع رأس مالها” أو “إعادة هيكلتها” أو “إغلاقها” أو “طرح” جزء منها أو جميع أسهمها للاكتتاب العام أو الخاص.
الاستفادة من الخبرات الاستثمارية المشتركة: كما هو معروف أن الشركات الحكومية السابقة كانت تتبع من حيث النشاط إلى الوزارة المختصة، وملكيتها إلى وزارة المالية، لذلك تجد الخبرات البشرية في مجال الاستثمار قلة، أما الآن ومع عملية تكوين الجهار الاستثماري العماني، فأصبح واضحاً أنه يمكن الاستفادة من الكوارد البشرية المؤهلة في صندوق الاحتياطي العام للدولة وصندوق عمان للاستثمار، وتكون قرارته مبنية على معايير مهنية مبنية على الربح والخسارة والقيمة المضافة.
منع التصرفات الأحادية: في ظل وجود كيان موحد، أصبح لايُمكن لأي شركة حكومية أن تتخذ قرار أحاديا كالاستثمار أو الاقتراض، لذلك سوف يصبح القرار مؤسسيًا، ويتفادى ويقلل أي انزلاقات مالية لاحقاً.
رقابة الدولة على الاستثمارات: وجود كيان استثماري موحد يجعل كشوفاته من الحسابات الختامية وقوائم الربح والخسارة سهلة للجهات الرقابية والتقييمية التي أن أرادت أن تقوم بمهامها وألا تدخل في متاهات مصطنعة.
حماية القطاع الخاص: ستكون للجهاز الاستثماري الجديد استراتيجية واضحة في أوجه الاستثمار والشراكات الاستراتيجية، وأتوقع أنه سوف يتفادى منافسة القطاع الخاص العماني في أنشطته، بل سوف يسعى لتمكينه، وإصلاح بعض التشوهات التي بشكل أو بآخر نافست القطاع الخاص في خدمات الضيافة والنقل واللوجستيات والإنشاء والصحة وغيرها.
القيمة المحلية المضافة (ICV): فوجود كيان استثماري موحد ومهني سوف يدعم الاقتصاد المحلي بشكل أو آخر، ولن يكتفي بذلك، بل سينقل الخبرات الفنية (know-how) إلى السلطنة، خاصة مع وجود قوانين جديدة للشراكة والتخصيص والاستثمار الأجنبي، هذا الكيان سوف يسعى للاستفادة القصوى من هذه القوانين وتوظيفها بالشكل المُناسب الذي يفيد النشاط الاقتصادي المحلي.
ديناميكية التشريعات الاستثمارية: وجود مؤسسات وصناديق وشركات استثمارية وشراكات إستراتيجية عالمية تحت كيان واحد ووجود مجلس إدارة ورئيس للجهاز يجعل تأثيره الإيجابي أكثر قوة من ذي قبل لدى الجهات التشريعية، خاصة وأن أدوار واهتمامات الجهاز لن تكون تقليدية، فهو يسعى للقيام بأدوار ريادية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوطين ونقل المعرفة الفنية والتكنولوجية إلى السلطنة، وهذا يتطلب ديناميكية التشريعات ومرونتها وتأقلمها مع المتغيرات والمستجدات العالمية.
وختاماً.. إنَّ إنشاء الجهاز الاستثماري خطوة من عدة خطوات في الطريق الصحيح، وهذه إحدى الخطوات المدروسة التي وعد بها مولانا السلطان المفدى- حفظه الله ورعاه- ونراها أصبحت واقعًا، فهذه الخطوة سوف تحقق فوائد غير مباشرة أخرى، إضافة إلى ما ذكر أعلاه، وقفزة نوعية لعُمان بإذن الله، والتي من الطبيعي ستزيد من نسبة التفاؤل والاستبشار للعمانيين، وترفع من مصداقية وثقة المنظمات الدولية المتخصصة، كلنا ثقة وإيمان ودعاء بأن القادم أفضل.
خلفان الطوقي