في كل حدث يلم بالناس يشتد التدافع بين قوى الخير والشر، ويصطدم الايجاب مع السلب، وتصارع العزيمة للوصول نحو الهدف متسلحة بالإصرار لا تلتفت إلى المتخاذلين اليائسين. في كثير من الأحيان ما نجد الكثير من الرسائل السلبية كقول أحدهم: الإرادة ستنهار، وقول الآخر إنّ مآل القوة الضعف، ونهاية الفتوة الهرم.
في ذروة حدث شاهين وما خلّفه من هول وفزع وانكسار، نجد أبناء عمان المخلصين يصنعون في مسيرتهم الحافلة بالعطاء والقدوة حدثا يدل على القوة والتماسك وينبئ بوجود جيل مشرق يتمسك بأصالة الأجداد وأخلاق الإسلام ، تجسد كل هذا في التسابق في تلبية نداء الواجب نحو التخفيف من آثار شاهين في الباطنة خصوصاً ، لقد سارع أبناء عمان من كل فج من ربوعها المباركة للالتفاف حول بعضهم وشد آزر اخوانهم للتخفيف مما أعقبه ذلك الإعصار.
إنها الإرادة الحقيقية التي شهد لها القاصي والداني لكل أبناء عمان الأوفياء من مختلف المناطق والولايات.
وقد تعالت أصوات من هنا وهناك بنداءات خفية لتثبط الهمم، وتكبح المسيرة حتى لا تبلغ هدفها المنشود في تحقيق الاستغاثة وتضميد الجراح الذي تركه شاهين.إنّ رياح الإرادة وقوة العزيمة والهمة العالية أركعت تلك النداءات المثبطة وعصفت بها فكانت هباء منثورا.
لقد هب الجمع وتسابق من أبواب متفرقة، دخلوا البيوت التي أذهب بهاءها شاهين وعملوا بكل تفان وجهد فأعادوا الحياة لها ورمموا ما تهالك منها ، فظهر رونقها وقرت عين ساكنيها ، تساندهم في ذلك الحكومة الرشيدة بمختلف مؤسساتها العسكرية والمدنية ، مستلهمين عزمهم من الأوامر السامية لقائد البلاد المفدى التي قضت بضرورة تقديم المساعدة العاجلة للمتضررين.
ما قدمه ويقدمه أبناء هذا الوطن زاد على توقعات تلك الفئة الخاسرة. فالعماني الأصيل يواصل رحلته في العطاء والتضحية، ويستمر في دربه بروح عالية وإصرار أكثر عن ذي قبل لتحقيق طموحات اخوته للمتضررين والمحتاجين.
فقف أيها المعتبر وتأمل قليلا بين ثنايا تلك الملحمة واستحضر تلك المواقف المثالية التي جرت بين المتعاونين والمتحابين لغوث إخوانهم ستجدها حالة فريدة في العالم المعاصر المختلف بكل تفاصيله ومجريات أحداثه.
يوم الجمعة المبارك، الذي صادف الأول من ربيع الأول لعام 1343ه هو إحدى مشاهد التاريخ العماني الذي لا تزال أمجاده تتوالى حينا بعد آخر، حيث انقضى وقت ذلك اليوم وبقيت مجريات أحداثه وما تحقق فيه حديث الشارع داخل عمان وخارجها.
وجدنا الكل سطر ملحمة إنجاز بطريقته الخاصة ووفق قيادة منظومة العمل التي اجتمعت في ذلك اليوم، وخسر هنالك المحبطون.
هنالك اكتمل التلاحم واستعيدت الفرحة التي سلبها إعصار” شاهين” ، وتقاسم الوطن منجزات ذلك اليوم وما علينا إلا أن نواصل المسير ونكمل اللوحة التي بدأتم برسمها أيها الأوفياء ، فلتدم عمان وطنا معطاء لا ينضب عطاؤه، وليدم قائدها عاهلا مبجلا، وليدم أبناؤها أوفياء كرام.
عزيز بن خليفه الرحبي