في الوقت الذي سُمحت فيه للكثير من الأنشطة الاقتصادية في البلاد بإعادة مزاولة نشاطها تحت ظلال (كوفيد 19)، بعد الإقرار بضرورة وحتمية التكيّف مع الفيروس عبر وضع التحوطات الصحية في الاعتبار، غير أن الصحافة الورقية لم يحالفها الحظ في الاستفادة من رفع الحظر عن الأنشطة وعودتها للحياة، كأن الصحافة أو الطباعة الورقية إحدى مسببات كورونا بخلاف غيرها من الأنشطة الاقتصادية المجتمعية التي يقل فيها التباعد الاجتماعي المسبب الأول لانتشار الفيروس، وهو ما يجب أن تنظر له اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع تأثيرات فيروس كورونا في اجتماعها القادم لإعادة الروح للصحافة وأهميتها للبلاد والعباد.
إنّ دول العالم وعت لأهمية الصحافة التوعوية ورسالتها في مثل هذه الظروف التي تزداد فيها جهود التوعية، ولم تشملها بقرارات حظر الأنشطة الاقتصادية باعتبارها النشاط الفكري المهم الذي من شأنه أن يغيّر في فكر المجتمع على النحو المطلوب، وليس جدير بها أن تتوقف لأي سبب كان باعتبار أن الكلمة هي الأساس للمحتوى الإعلامي الذي ترتشف من رحيقها الأدوات الإعلامية زادها في بلورة رسالتها.
بل إنّ الصحافة توثق تاريخ البلاد في فترة عصيبة كهذه التي نعيشها، إذ سوف تسقط من روزنامة التاريخ عن قراءة الأحداث وتتبعها في المستقبل وإجراء الدراسات والبحوث حول حالة المجتمع العماني في هذه الفترة، فإيقاف الصحف عن الصدور غير موفق ولا يستدعي ذلك صحيا إذ أوقفت ثلاث دول فقط صدورها بين دول العالم.
من جانب آخر فإنّ هناك كوادر تعمل في الصحف والمطابع تأثرت من إيقاف هذا النشاط تحتاج أن تعيش وتأكل مثل البشر ولا يمكن أن يستمر الإيقاف إلى ما لا نهاية بدون أي مبررات صحية كافية وبدون بدائل جيّدة وهو ما يجب النظر إليه بعين الاعتبار خاصة مع بدء الأنشطة الاقتصادية لممارسة أعمالها بدون الصحافة.
فتوقف الإعلانات – المصدر الرئيسي للصحف – نتيجة عدم صدورها وعدم قناعة المعلنين بالإعلانات بالنسخ الإلكترونية، فضلا عن خسارة عوائد التوزيع التي تشكّل مصدرا لا بأس به يغطي بعض الشيء من الإيرادات، كل هذا فاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعاني منها الصحف أصلا، وهو ما يجب تقديره.
فعدم صدور الصحف اليومية يؤدي إلى إحداث ربكة في تنفيذ الأحكام ويُبطل بعضها لعدم اكتمال الإجراءات، بل إنه قد يترتب على عدم النشر بالصحف الورقية التأخير في تحقيق العدالة الناجزة، حيث أشارت المادة 11 من قانون الإجراءات المدنية والتجارية إلى أنّه (إذا تبيّن لأمانة سر المحكمة أنَّ المطلوب إعلانه ليس له موطن معروف بحيث يتعذر إعلانه بالطرق العادية، وجب عليها إثبات ذلك في أصل وصورة الإعلان، وعرض الأمر على رئيس المحكمة أو القاضي المختص؛ ليأمر بإجراء الإعلان بطريق النشر في صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار، وينتج الإعلان أثره من تاريخ النشر).
أما إذا ما تم الإعلان بالنشر في إحدى الصحف من خلال النشر الإلكتروني وإذا ما دفع أطراف الدعوى وقبل دفعه هذا من المحكمة المختصة فإن بطلان الإعلان الذي تم بالنشر الإلكتروني تترتب عليه آثار قانونية عديدة التي قد تحتاج لإعلان بالنشر في صحيفة ورقية، وتعذر الإعلان هذا قد يعطّل تنفيذ الأحكام النهائية الباتة وحصول طالب التنفيذ على حقه الذي طالما انتظره حتى حصوله على حكم نهائي وبات.
بالطبع فإن نسخ الصحف الإلكترونية ونظام الـ “PDF” ليس بديلا كافيا لعدم صدور الصحف التي لها وضعها ووزنها لدى شرائح واسعة من المجتمع وتشكّل وثيقة يمكن الاعتماد عليها.
لا ننكر أن على الصحف الورقية تطوير ذاتها عبر اللحاق بالركب الإلكتروني، وهناك صحف كثيرة على مستوى العالم أقنعت القارئ بأنها في ثوبها الإلكتروني الجديد تستحق الاحترام الذي كان يكنّه لها في ثوبها الورقي، لكن لا يعني ذلك تمهيدا لتوقف الصحف الورقية أو إيعازا لها بذلك أو كسبيل للتجربة.
بالطبع نقدّر الجهود المبذولة لتعزيز وسائل الإعلام ومنها الصحف، إلا أن ذلك يجب أن يعود للعديد من الغايات والأهمية التي تمثلها كقيمة حضارية وفكرية لا يُستهان بها في تشكيل الرأي العام ووعاء الكلمة التي تتطوَّر منها الرسائل الإعلامية.
نأمل أنْ تنتهي أزمة إيقاف الصحف وتبعاتها على كافة الأصعدة وإعادة الروح إليها ولا يمكن مقارنتها بمحلات الحلاقة في التباعد الاجتماعي.
علي بن راشد المطاعني
٢٠٢٠/٦/٢٤م