تبذل وزارة العدل جهودا كبيرة في تنظيم مهنة المحاماة في السلطنة من خلال تمكينها للمحامين العُمانيين من الترافع أمام المحاكم العُمانية على اختلاف درجاتها ، وحققت تقدما طيبا في هذا الشأن يثلج الصدر إذ هي تسعى لتمكين الكوادر الوطنية من تلابيب القضاء، خاصة وان الوزارة بالتعاون مع وزارة القوى العاملة والصندوق الوطني للتدريب نفذت برنامجا تدريبيا مقرونا بالتشغيل في مهنة المحاماة لعدد من المحامين العمانيين بلغ عددهم 20 محامياً عمانيا لمدة سنة كاملة بجامعة نوتنجهام بالمملكة المتحدة.
إلا أنه ومن الأهمية بمكان اختصار المدد الزمنية للترافع أمام المحاكم التي تُعد عقبة كأداء في تدرج المحامين العُمانيين في هذه المهنة.
فاليوم لكي يترافع المحامي أمام المحكمة العليا يحتاج على اقل تقدير 14 سنة تقريبا ، إذ يشترط وبعد القيد في محاكم الاستئناف أن يمكث 7 سنوات ، وقبلها لكي يقيد في المحاكم الابتدائية يحتاج لـ 5 سنوات، وقبلها عاما تدريب قبل أن يقيد كمحام في المحاكم الابتدائية ، فهذه المدد الزمنية تعد عائقا لتدرج المحامين العُمانيين في هذه المهنة وتحد من جاذبيتها لهم.
الأمر الذي يتطلب من الوزارة مراجعة هذه المدد على ضوء التطورات العلمية والمعرفية التي أسهمت في إثراء المحامين كغيرهم من فئات المجتمع ، وشحذ قدرات الكثيرين في الترافع أمام المحاكم بغض النظر عن طول مدة الخبرة التي لا يجب أن تكون هي وحدها المعيار للترافع أمام المحاكم الأعلى .
بلا شك أن إدارة مهنة المحاماة في السلطنة كاحدى المهن الحرة مشرفة للغاية من حيث التنظيم وتمكين أبنائنا وإخواننا المحامين ، ونتطلع أن تحذو كل الجهات الحكومية حذو وزارة العدل في تمكين الكوادر ذات العلاقة بالاختصاص بعملها ، فهناك مهن كثيرة كالطب والهندسة وغيرها تحتاج لتنظيم مماثل يسهم في تمكين أبنائنا .
فالوزارة نظمت المهنة بقصر الترافع أمام المحاكم الابتدائية على المحامين المواطنين منذ عام 2009 ، وهو تطور طيب أسهم في تمكين الكثير من المحامين من الانخراط في العمل في هذا المجال ، خاصة بعد صدور تشريع في عام 2013 بعدم جواز الجمع بين الوظيفة والعمل في المحاماة مما أسهم في تفرغ الشباب للعمل في مكاتبهم .
إلا أنه وبعد تزايد أعداد المحامين المواطنين نتيجة مخرجات كليات القانون من داخل وخارج السلطنة ، فمن الأهمية بمكان النظر في تقليص المدد الزمنية لترافع المحامين أمام المحاكم إلى مدة معقولة تأخذ من الاعتبار الخبرة وكذلك المتغيرات الجديدة في مثل هذه الأمور ، ومراجعتها وتحديثها بين فترة وأخرى والاستماع إلى ما يقوله الشارع وكذلك جمعية المحامين العُمانية كممثل لهذه الفئة.
فعلى سبيل المثال وكاقتراح تقليص مدة الترافع أمام المحاكم الابتدائية إلى ثلاث سنوات بدلا من سبع ، وكذلك قصر مدة الترافع أمام المحكمة العليا إلى 5 سنوات بعد قيد المحامي في محكمة الاستئناف ، و بعد انتهاء فترة تدريبية لمدة عامين في مهنة المحاماة ، هي مقترحات تهدف لتسهيل الأمر للشباب العُماني للانخراط في هذه المهنة ، والحد من تركز المحامين غير العُمانيين في الترافع أمام الاستنئاف والعليا.
الجانب الآخر الذي يجب أن تعمل عليه وزارة العدل هو تطبيق آخر مهلة لترافع المحامين غير العُمانيين أمام محاكم الاستئناف التي تنتهي في ديسمبر 2020 القادم ، بعد سلسلة من التمديدات منذ عام 2012 ، خاصة مع تزايد أعداد المحامين المواطنين بإمكانياتهم العالية والمثبتة في ساحات المحاكم ، خاصة وأن هناك أكثر من 100 مكتب للمحاماة تدار من قبل محامين غير عُمانيين ، من شأنها أن تضم اكثر من 400 محام عُماني من الباحثين عن عمل بعد مرورهم بمراحل التدريب والتدرج ، فالتمكين يعد أمرا ضروريا وبشكل ممنهج يسهم في إحلال الكوادر الوطنية في هذه المهنة ..
لكن من الأهمية كذلك ضبط مكوث الوافدين الذين سوف يقتصر وجودهم في مكاتب المحاماة كمعاونين أو مستشارين للمحامي العُماني ، فوجود المحامين الأجانب في المكاتب وعدم منعهم من الدوران بين مكاتب المحاماة قد يشكل وضعا سلبيا على مهنة المحاماة ويكرس مفهوم التجارة المستترة والذي يشكل كما نعلم ضررا على مشروع إحلال العُمانيين .
بالطبع البعض قد يثير المخاوف من إحلال الكوادر الوطنية في كل المهن ومنها مهنة المحاماة برفع شعار عدم كفاءة المحامين وانعكاساتها على مسارات التقاضي وحقوق الناس إلى غير ذلك من تكهنات غير دقيقة ولا واقعية وتسعى لتحقيق أهداف معروفة وبالتالي لا يتعين الإصغاء إليها .
نأمل أن تواصل وزارة العدل دورها في تعزيز دور المحامين العُمانيين من هذه المهنة من خلال قصر مدد الترافع في المحاكم بدرجاتها المختلفة ، وتعجيل تنفيذ قصر الترافع امام محاكم الاستئناف على المحامين العُمانيين بعد تأجيلات دامت ما يقارب من عشر سنوات كافية في إفراز محامين عُمانيين أكفاء للترافع أمام محاكم الاستئناف.
علي بن راشد المطاعني
٢٠٢٠/٦/٢٥م