على الغلاف وجه كهل رتع الزمان في تقاطيعه فناءَ بحمْل الأماني الثقال ، ودنا بسنينه وأشواقه ليسكبها في أذني سيد الوطن ليقينه أنها ستجاب.
وفي الصفحات دفء الوشوشات ورائحة السُّيوح والوطن الذي يكبر.
وجاء السرد شفيفا ونبيلا ، فكتاب “الإنسان في فكر السلطان” من الغلاف إلى الغلاف يضيئ سيرة زعامة وطنية ، منذ العمر الغض لطفل تبرق “الحواجيل” في يديه إلى أن وضعته أقداره وتكليفاته ليصوغ الحلم ، فشبَّ عن الطَّوق سريعاً بعد أن استعجله الوطن ليقود التاريخ.
ويسكبُ الكتاب الصادر عن اللجنة العمانية لحقوق الإنسان في أذن القارئ عُمْراً يخرج من حيطان القصر إلى خشونة البرِّ فينقل مشاهد معفَّرة برمل السيوح حيث يترجل البطل من سيارته الخضراء ليستكمل وشوشات اللقاء المفتوح مع رجال لهم استحقاقاتهم المشروعة ، وشباب يعقدون على الجولات الميمونة في الولايات الآمال.
ذلك الطفل هو قابوس بن سعيد.
ومنذ مستفتح العهد يتخذ جلالة السلطان قابوس من أشواق الناس لمجيئه حضورا باتساع انتظاراتهم الطويلة فتنتصب خيمته الخضراء في السيوح لأجل أن يفكر وبصوت مسموع مع جواهر المكان فتتعانق السواعد وتتعمر الأرض .
ويواكب الكتاب حياة البطل في مرابع العشق لتقترب الكاميرا من مناجاة في أصيل الشتاء مع رجال أتعبوا الزمان ، إلى بساط على حصباء الولايات استدعى فيه السلطان تاريخ الأسلاف المعمّد بحب الرعية فأصاخ السمع لطلب مواطن عقدت الفرحة لسانه فتقدم بطلبه مكتوبا ، إلى لقطة أبوية امتدت فيها اليد الحانية لمصافحة شاب جاء على عكازتين يسابق الفرح وآخر أسرعت به عجلات كرسيه على مدرج اللقاء ، إلى صورة لزيارة لبيت شيخ عماني بدا البطل في المشهد بلباس الميدان يهز فنجان قهوته السمراء ويحفز طفلا للحديث عن حلم يشعشع في العينين ولقطة أخرى وهو يصافح طفلة لعل اليوم لها العديد من الأطفال .
وعبر مائة وثلاث وسبعين صفحة وعشرات الصور كانت فصول الحكاية تنساب أودية ممرعة ووهاد ساحرة ، من سيح افترش ليله فجالس الخريطة على مصباح يقايس أبعاد المسافات بين رنين جرس هذه المدرسة ورائحة طباشير المدرسة الأخرى ، إلى قهوة منتصف الطريق على مسير المواكب تكون فيها عمان شؤون وشجون الحديث لتزهر الأرض نخيلا وسواري أعلام.
ويقدم الكتاب سيرة البطل الذي انتصر بالبناء والتعمير فكانت الطباشير في مواجهة الرصاص ، وزجاجات الدواء في وجه قنابل الفناء.
وكما كانت الثقافة التفاتة العهد الميمون كان الكتاب الصادر عن اللجنة العمانية لحقوق الإنسان في قلب الرعاية السامية للثقافة فاحتفل الإصدار بالمشهد الشامخ لجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه وأكرم مثواه وهو على منبر اليونسكو يجسِّر الحوار بين الحضارات.
وفي مشهد حضاري آخر يتلقى جلالته من فريدريكو مايور مدير عام اليونسكو الأسبق وسام الإعلان العالمي لحقوق الأنسان في الذكرى الأربعين للإعلان.
وتطرَّقَ الإصدار إلى جوانب أخرى لهذا الإهتمام الثقافي فعرض مشاهد متعددة لجلالته وهو في مكتبته يقرأ الكتب أو يطالع الصحف أو يواصل التطواف بصروح العلم لحث الناشئة على القراءة.
ويتوقف الكتاب عند صورة تحت شمس الوطن تجمعه بالطلائع في جلسة يموسقها “الأكورديون”.
كما ينقل مراسم تقليده الإيطالي فرانكو زيفيرلي مخرج حفل الافتتاح الرسمي لدار الأوبرا السلطانية وسام التكريم ، وانتهاء بمشهد نيله الدكتوراه الفخرية من جامعة أوتاوا الكندية اعتزازا من الجامعة العريقة في دعم جلالته للبحوث العلمية العالمية.
ولأن عهده كان عهد السلام فقد أضاء كتاب الإنسان في فكر السلطان سيرة ذلك الإطفائي الإستثنائي للحرائق السياسية في العالم ليحفل بصور لجلالته مع كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة ، ومشاهد لجرحى المعارك من اليمنيين وهم يحطون على أرض عمان لتلقي العلاج ، ليختتم الإصدار. بصورة للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وهو يسلِّم معالي يوسف بن علوي جائزة السلام الممنوحة لجلالته كاعتراف أممي بزعيم يستقبل عند ثغر بلاد العرب الشمس قبل غيره ، ويعمل على إطفاء الحرائق السياسية في جنبات المعمورة أكثر من غيره.
ولقد جاء هذا الإصدار الأنيق في شكله ومحتواه كما وصفه المشرف عليه المكرم الشيخ عبدالله بن شوين الحوسني رئيس اللجنة العمانية لحقوق الإنسان بأنه “وفاء لفقيد الوطن والأمَّة وعرفانا لمسيرته طيب الله ثراه”.
لقد اجتمعتْ حروف الأستاذ عماد البليك وعدسة الفنان محمد مصطفى لسرد حكاية حب تكبر فصولها كل يوم ، وذلك بمتابعة وتنسيق من الأستاذين صالح بن سعيد العبري وسالم بن خلفان الروشدي.
ليبقى الغلاف الذي رسمه المبدع فهد بن عبدالله الزدجالي “دفء الوشوشات ورائحة السُّيوح والوطن الذي يكبر ولا يشيخ.
—————————————-
حمود بن سالم السيابي
—————————————
مسقط في ٢٥ يونيو ٢٠٢٠م.