مرحلة مفصلية يعيشها العراق.. فهل ينجح؟
كان العام 2011 مفصلياً بالنسبة للعراق، وهو موعد إنسحاب القوات الأمريكية بموجب إتفاقية تسمى “إتفاقية وضع القوات” والتي أرادت واشنطن من خلالها تأمين الحصانة القانونية لقواتها العاملة على أرض بلاد الرافدين منذ العام 2008 وفي عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن.
إلا أن الواضح كان أن هناك نية أمريكية لعدم الانسحاب العسكري، بعد تعزيز إنتشارها، وعدم السماح لإيران بالإستحواذ على العراق على حد زعمها، فتح شهيتها لإيجاد صيغ كثيرة تستطيع من خلالها البقاء، لكن شرط أن يكون ذلك بطلب رسمي عراقي تضمن فيه الناحية القانونية خاصة ضد الرافضين لوجودها تحت أي مسمى كان، وهنا لا يسعني أن أرى وجودها إلا إحتلالاً مهما تغلف بمسميات أخرى، فالجميع يعلم أن في العام 2011 تشكلت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، حينها قرر الرئيس السابق أوباما، بموافقة من مستشاريه، إبقاء القوات في العراق، وفي حزيران/ يونيو اتّخذ الرئيس القرار بشأن حجم القوات (5000 جندي في النهاية) وحصل على موافقة السيد المالكي على إجراء محادثات جديدة حول “اتفاقية وضع القوات”، وهذه معلومات متاحة للجميع وبشكل موسع.
ما يعنيني هنا، أن الانسحاب الأمريكي، على الرغم من الإتفاقية المبرمة بين الجانبين، لكن لا ضير إن كانت لا تصب في صالح العراق من الناحية القانونية، يصبح إلغاءها أمر طبيعي، تقرره الحكومة والمسؤولين العراقيين إن تطلبت مصلحة العراق ذلك، فالجميع يعلم أن العام 2014 كان مفصلياً وهو دخول تنظيم داعش والذي هو صناعة أمريكية مع بعض الأطراف إلى العراق، والإجرام الذي امتهنه معروف للقاصي والداني، الأمر الذي أدخل القوات الأمريكية تحت مسمى “قوات التحالف الدولي” لمساعدة العراق في دحر داعش المصنوع أمريكياً بإعتراف هيلاري كلينتون المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية وزوجة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ، والجميع يعلم الدور الأمريكي في ذلك، وكيف تشكل الحشد الشعبي العراقي على خلفية حاجة مساندة جيش البلاد في التخلص من هذا التنظيم ، ليصار لاحقاً وضمه كله تحت مسمى الجيش العراقي الذي يضم كل أبناء العراق والذي هو منقذ الشعب العراقي وخلاصه من كل الأوضاع الهجينة التي تجتاح العراق، ما يعني شموله ما يشمل الجيش العراقي وهذا حق مع إنتفاء الحاجة للإستقلال حالياً، طالما الكل عراقي الهوى والهوية.
الفكرة التي أريد إيضاحها، أن ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية واضحة لجهة عدم تقدم العراق، وكل الشعب العراقي يدرك هذه الحقيقة، وبموجب الدستور العراقي والقانون العراقي والدولي، لا تستطيع أي قوة البقاء على أرض لا تملكها إلا عن طريق الاحتلال، فإن كانت واشنطن قد خلصت العراق من النظام السابق، وتدعي محاربتها تنظيم داعش، فوجودها اليوم لم يعد مهماً خاصة في البدء بإستعادة الجيش العراقي لقوته وترميم نفسه، لحماية كل العراق، فلماذا يحتاج هذا الوضع إلى مفاوضات عن لم يكن يوجد لدى البعض رغبة ببقائهم وهذا نابع من مصلحة شخصية تغلب مصلحة العراق، وبناءً على ذلك يجب أن يعي العراقيون ذلك ويرفضون وجود الأجنبي لينهضوا ببلادهم.
إن القانون فوق الجميع، وكل بلد دستوري لديه برلمان وحكومة يكون أساس الحكم فيه بإستخدام القانون، بما يضمن مصالح العراق، لكن لا يخفى على أحد أن هناك بعض الأفرقاء والذين يحملون أجندات خارجية لا يطبقون القانون، على الرغم من خروج أسئلة مشروعة من الشعب العراقي، أضيء على البعض منها، كملفات المفقودين والمهجرين وتعويضاتهم، قضايا الأيزيديات، وقضايا بعض المسؤولين عن إدخال الجهاديين، لم نسمع بمحاكمة واحد منهم، ليبقى السؤال المهم، من المسؤول عن إغفال هذه الملفات ولماذا لم تتم المسائلة قانونياً حولها حتى الآن؟
هذا يضعنا أمام سيناريو خطير جداً وهو مسألة التقسيم الديموغرافي، العراق، وسوريا واليمن، فالولاءات الخارجية والطوائف لا تجلب الحقوق القانونية لأي شعب، إن لم يجمعه قانون موحد بكل مكوناته، ودستور جامع يكفل حق الجميع بكل الأطياف، يكفي أن نحمل طرفاً أخطاء كل الأطراف، ويكفي أن نتراشق الإتهامات والحقائق واضحة وساطعة كالشمس، لقد وقع المحظور، والآن دوركم في رأب الصدع وإغلاق كل هوة وردم كل حفرة، وإلا سنقول على هذه الأمة السلام.
لقد ابتكر السومريون في حضارة بلاد الرافدين الكتابة المسمارية ووضعوا أسس الرياضيات وعلم الفلك، وظهر في أرض العراق أولى نصوص القانون وقبل شريعة حمورابي، شهدت المنطقة ظهور العديد من النصوص القانونية الأخرى التي جاءت لتضبط قواعد الحياة بالمجتمع ولعل أهمها قانون أوروكاجينا، والي القرن 24 قبل الميلاد وقانون ليبيت عشتار، ويصنّف قانون أورنمو الذي يعود للقرن الـ 21 قبل الميلاد، كأقدم قانون مدوّن موجود حاليا حيث ظهر هذا التشريع القانوني في عهد الملك أورنمو، فلقد وضع أورنمو منذ نحو أربعة آلاف عام مجموعة من القوانين التي نسبت إليه، فحملت اسم “قوانين أورنمو” وقيل إنها تضمنت 57 قانونا كتبت على ألواح الطين. وشيّدت بإنجازاته في إقامة العدل والقضاء على الفساد الاقتصادي المتمثل في تعرض الحقول والأغنام والمواشي للسرقة، وحددت نفقات المعبد الشهرية لتجنب التحيّل والتبذير والسرقة. كما أكدت على المساواة بين الجميع وحفظ حقوق الضعفاء.
ما أعنيه هنا، البلد العريق صاحب أعرق الحضارات ومسقط رأس القانون، يعرف أن إتفاقية العام 2008 تنتهي في العام 2011، وإن تم التمديد بحجة وجود داعش، أيضاً إنتهى، ما يعني الوجود الأمريكي الحالي غير شرعي، وسيقول البعض ماذا حول إيران؟، ببساطة الوجود الإيراني لا يعتبر وجود بموجب إتفاقية بل أقرب إلى تواجد بحكم الجوار والعلاقات الإستراتيجية خاصة من الناحية الاقتصادية، لكن وإن كان خروجهم تحت أي صفة كانوا موجودين بطلب عراقي، فهنا أقف مع قرار العراق السيادي وأحترمه لأنه حق لهم.
خلاصة القول، خروج الغزاة والمحتلين والطامعين لا يحتاج إلى مفاوضات، بل يحتاج إلى تصميم وإرادة حية، يحتاج إلى مسؤول يخاف على العراق الواحد، يخاف على وحدة العراق، فما حدث في هذه البلد منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا لم يحدث يوماً، فلتتنبهوا لما يُحاك، وإنهضوا بهذا البلد العظيم التاريخي والديني والثقافي والعلمي، لكم الحق في العيش الكريم فلا تضيعوا فرصكم.
المستشار عبد العزيز بدر القطان
كاتب ومحامي كويتي