يشهد سوق العمل من ناحية عامة تغيّرات جوهرية، هي ليست وليدة اليوم، كما أنها ليست وليدة الصدفة، وقد بدأت إرهاصات التغيير منذ سنوات مضت عندما فرضت التكنولوجيا نفسها على واقعنا المُعاش وبات الإنترنت يسيطر وبنحو حاسم على مفاصل الحياة الحديثة.
التجارة الإلكترونية استطاعت أن تفرض نفسها بقوة، والمتاجر الافتراضية باتت هي الأقرب للمتسوقين، والوصول إليها لا يحتاج لتكبد مشاق الذهاب وقطع المسافات الطويلة للوصول للمقر، وباتت الأموال تسافر وتهاجر فوق رؤوس الجميع غير معترفة بالحدود الجغرافية ولا المكانية.
هذا الواقع الجديد فرض نوعا جديدا من الوظائف على الصعيد المحلي وهي وظائف تسليم البضائع على اختلاف أنواعها بدءا من الأطعمة مرورا بالأجهزة والمعدات الكهربائية والإلكترونية بل كل شيء يهم الإنسان دخل لخاصرة التجارة الجديدة المحدثة حتى الأسمنت والكنكري والحديد يُطلب الأن إلكترونيًا.
فالوظائف الجديدة وهي نتاج مخرجات التجارة الإلكترونية المحلية فطنت إليها العمالة الوافدة، سيما وأنها لا تحتاج إلا لسيارة خاصة وبلوحات خاصة لإكمال متطلبات الوظيفة، وبما أن الأمر بهذه السهولة نجد أن الشركات العاملة في هذا الحقل توظف عمالة غير مرخصة لامتهان هذه الوظائف التي يتزايد الإقبال عليها بنحو يومي ولحظي.
تقوم هذه العمالة – ومن ضمنها عمالة هاربة أو مسرحة – بنقل الطلبات للمنازل، وهي طلبات تشمل كل شيء يهم الإنسان تقريبا، فتتكون لدى تلك العمالة المتفلتة بمرور الوقت قاعدة بيانات عن السكان وإمكاناتهم المادية ومواقع منازلهم وأوقات وجودهم بالمنزل وأوقات مغادرتهم لها.
بل كل المعلومات اللازمة للسطو عليها إذا ما قرروا استخدام هذه المعلومات لتنفيذ جريمة سيما وأنها عمالة متفلتة في الغالب، فضلا عن أنها تستخدم سيارات قد لا تكون مطابقة لمواصفات سيارات نقل تلك البضائع أو الأطعمة.
بل إن بعض العمالة الوافدة تعمل «بارت تايم» للتوصيل في أعمال مزدوجة؛ ففي الصباح بوظيفة أو مهنة والمساء بتوصيل الطلبات وهذه الازدواجية يجرّمها القانون وفق بطاقات العمل وبالتالي ممارسة الأعمال بشكل غير قانوني.
لقد آن الأوان للالتفات لهذه المهن المحدثة وضبطها وتقنينها بنحو رسمي تمهيدا لإتاحتها للعمالة الوطنية؛ فالخطورة تكمن في أن تلك العمالة تتعامل مع من بالمنزل وقد يكون في المنزل في تلك اللحظات نساء فقط، والباقي لا نرغب في إيضاحه، ودرءا لكل هذا لا بد من السيطرة على هذه التجارة الآخذة في الازدياد ونعلم تماما أنها وخلال السنوات القليلة القادمة ستسيطر على السوق تماما، وتصبح الهواتف النقالة وتطبيقاتها الخاصة بالتجارة هي سيدة الموقف، وسيخرج من السوق كل التجار الذين يصرون على النمط القديم أو الذين فشلوا في تطوير قدراتهم التسويقية الإلكترونية، فالاتجاه المستقبلي التجاري باتت ملامحه واضحة.
فهذه المهنة ليست صعبة أو مستحيلة فهي شبيهة بسائق سيارات الأجرة لو أتيح المجال للعمالة الوافدة لن نجد مواطنا يعمل بها وهكذا دواليك الأمور تمضي ولا بد من هكذا إجراءات إذا رغبنا توفير فرص لأبنائنا.
نأمل من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة للسيطرة على هذه المهن الجديدة وإيقاف سيطرة العمالة الأجنبية عليها، ومن ثم فتح الباب واسعا للشباب العُماني للدخول لهذا الحقل المربح ماليا والمجزي تجاريا، ونحن إن فعلنا فما من شك أننا نكون قد أوقفنا مشروع جريمة مستقبلية مكتملة الأركان بعد أن استوفت كل شروط اكتمالها وهي (المعلومة).
والخطوة تبدأ من حصر الشركات والمؤسسات التي تروّج لمنتجاتها إلكترونيًا، وبعد ذلك تأكيد تشغيل العمالة الوطنية في مهنة توزيع البضائع والمنتجات، وبذلك نكون قد ضربنا أكثر من عصفور برمية حجر واحد فقط.. فمنع العمالة الوافدة من ممارسة مهنة التوصيل إحدى الخطوات لتمكين أبنائنا من تلابيب المهنة وإلا لن تجد من يعمل من المواطنين.
علي المطاعني