في الوقت الذي كنا ننتظر فيه ردًا عمانيًا قويًا، يردّ الاعتبار للشعب العماني على انتهاكات الإمارات لكرامة عُمان والمواطنين العمانيين، بعد أن حكمت ظلما على شاب عُماني بالسجن المؤبّد، وبعد أن قتلت شابا عُمانيا أعزل بدون ذنب اقترفه، إذا بنا نتفاجأ بتغريدةٍ لعلي تبوك -الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة- يقول فيها: “بمشيئة الله وتوفيقه، تم اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، توقيعُ مذكرة تفاهم مع “بلوك سفن” لإقامة مدينة الابتكار وتقنيات الجيل الرابع، تشمل داتابارك وأكاديمية للتكنولوجيا ومرافق مساندة للمدينة التكنولوجية، حجم الاستثمار يقدر ب 350 مليون د.أ على مساحة 500 ألف متر مربع”.
لن أطيل في مقالي هذا؛ لأنّ الخبر نفسه، يكفي أن يرفع ضغط الغيورين من العمانيين، ويزيد من ألم المرضى، ويرفع نسبة السكر في الدم، فلا داعي لرفع ضريبة على العصائر والمشروبات المحلاة بالسكر، فتلك العصائر لن تكون مضرة بصحة العماني أكثر ممّا تضر صحتَه مثلُ هذه الأخبار.
لا أملك أيّ إجابة على ما يحصل، ولكن لدي مجموعة من الأسئلة المحيِّرة، لعل أهم سؤال دار في خلدي هو هل الدولة في عُمان قد أصيبت بالعمى والصمم والبكم، وهل الدولة لا تعرف مبدأ “لا يلدغ المرء من جحر مرتين”؟!. لست أدري متى سترتقي الدولة إلى تطلعات المواطنين العمانيين؛ فالتجاربُ الماضية أثبتت أنّ كلّ المشاريع التي تمّ الاتفاق معها كانت حبرًا على ورق، وما واجهةُ ميناء السلطان قابوس البحري في مطرح إلا دليلا واحدا، تصطف بجانبه أدلة أخرى.
تجربتُنا مع الإمارات، أثبتت – أكثر من مرة – أنّها تدخل المشاريع العمانية لتُعطّلها، ولتتجسّسَ على قوة الاقتصاد العماني، وعلى قدرة الموانئ العمانية على تقوية الاقتصاد العماني مستقبلا؛ وهو ما فعلته مع الكثير من الموانئ في آسيا وإفريقيا. ومن حقنا – كمواطنين – أن نعرف هل لا توجد شركاتٌ في العالم تستطيع أن تنفّذ
مشروعا كهذا غير أبوظبي؟ وما الذي تتميّز به حتى يتم الاتفاق معها؟!
ربما تكون هذه، هي المرة الأولى التي يطالب فيها العمانيون الأجهزة الأمنية بالتدخل لإيقاف المشروع؛ ويظهر هذا جليا من التعليقات على الخبر في موقع تويتر. وفي ظني أنّ هذا مؤشر له معناه ومغزاه؛ فإذا استمرت الأمور بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب، فإنّ ذلك يُنذر بعواقب وخيمة، ومع ذلك أرى أنّ الأمر عندما يصل إلى المطالبة علنا بتدخل الأجهزة الأمنية، فهذا أراه من الإيجابيات، لأن مجلس الشورى الذي يفترض به أن يكون لسان المواطن لدى الدولة، لم يحرّك ساكنا طوال المصائب الماضية، أو أنه تحرّك ولم يؤخذ برأيه، وهي في الواقع مصيبة.
ماذا فعلت هذه الاتفاقية؟!.
لقد ألغت هذه الاتفاقية، الجهود الكبيرة والجبارة، التي بذلها شباب عمانيون غيورون، عندما فتحوا حسابًا في تويتر بعنوان “هاكر عمان”، قدّموا فيه بالأسماء والأرقام والأدلة، ما اقترفه مغرّدون ينتمون إلى أجهزة الإمارات الأمنية من إساءات لعُمان، سلطانًا وحكومةً وشعبًا ومذهبًا وتاريخًا.
يحقّ للسفهاء أن يفعلوا ما يشاؤون؛ فما يفعلونه هو خير مرآة لأخلاقهم وتفاهتهم وعُقدهم النفسية؛ واللوم في ذلك لا يقع عليهم بقدر ما يقع على أنفسنا. كما أنه يحقّ لمن يشاء أن يحلم بأن يقيم إمبراطوريته كيفما يشاء، ولكن الذي يجب أن نعرفه – نحن العمانيين – أنّ سكوتنا على الإساءات قد زاد عن حده؛ فالجماعة أطلقوا أكثر من بالون اختبار، كنا نسقط فيه بجدارة، حتى وصل الأمر إلى القتل، ولن يكون ذلك القتل الأخيرَ بل سيكون الأول، لأنّ ردة الفعل العمانية قد شجعت المزيد من القتل، فحتى الآن لا نعلم ماذا تم بخصوص ذلك المواطن المقتول؟!.
وفي الوقت الذي نتألم فيه على ما وصلنا إليه مع الجار، الذي لم يرقب إلاً ولا ذمة؛ فإنّ ما يؤلم أيضًا، أنّ بعض العمانيين الذين يُعلقون في مواقع التواصل الاجتماعي، منبطحون أكثر من اللازم. فعندما يتحدّث الغيورون عن الانتهاكات الإماراتية السافرة تجاه عُمان، إذا هم يرددون كالببغاوات عباراتٍ لا طعم لها، بأننا شعب واحد، وبأن هذه إثارة للفتن، ولكن عندما يتعلق الأمر بكلِّ تلك الإساءات الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ضد عُمان، إذا هم يخفون رؤوسهم في الرمال، وكأنّ على العمانيين أن يستقبلوا الإهانات، لدرجة أنّ الواحد أصبح يشك في مثل هؤلاء، هل هم فعلا عمانيون أم من الذباب الإلكتروني؟!
لا أملك الكثير لأقوله، ولكني أرى أنّ ما سبق لي وأن كتبتُه في صفحة صديقي سليمان المعمري، في الفيس بوك، تحت عنوان “خدُّنا الأيسر.. جاهزٌ للصفع”، ما زال يصلح، بل إنّ صلاحه يتجدّد مع كلِّ حدث من الجار، مع تغييرات طفيفة فقط أو تغيير بعض الأسماء. فقد تحدثتُ عن الحيرة لدى الشعب العماني، عندما ذكرت بأني لستُ وحدي في حيرة من أمري؛ وأنّ حالة الحيرة هذه، هي حالةٌ عامة يعيشها معظم العمانيين – إن لم يكن جميعهم – في قضية اسمها “الإمارات العربية المتحدة”؛ فالعلاقةُ بين عُمان والإمارات أصبحت علاقة ملتبسة عند الكلّ، ولا يكاد المرء يعرف كيف يصفها وكيف يصنّفها. هل هي صداقة؟ أم عداوة؟ أم زواج عرفي؟ أم ضعف؟ أم تبعية؟ أم غير ذلك؟ فأنا لست أدري، إلا أني أعلم أنّ العلاقة بين الجارتين – عُمان والإمارات – تشهد توترًا كبيرًا وملحوظًا هو “الأشد” في تاريخ العلاقات بين الدولتين، منذ نشأة الإمارات ككيان سياسي مستقل، عام 1971، حسب تصريح الأكاديمي العماني الدكتور عبد الله الغيلاني، لموقع “الخليج أونلاين”. فإذا كانت الأحاديث التي تدور في المجالس الخاصة والعامة، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدّث عن الخطورة التي باتت تشكلها الإمارات على عُمان، فإنّ تلك الأحاديث لا تخلو من المخاوف التي تنتاب العمانيين من تغلغل النفوذ الإماراتي داخل عُمان، عبر سيطرتها على مفاصل الاقتصاد العماني كله؛ وهو الأمرُ الخطير الذي يستتبعه فيما بعد السيطرة على القرار السياسي. ولكن الأغرب من ذلك هو الموقف العماني الرسمي، الذي يبدو أنه هشٌ جدًا، إذ أصبحنا نقرأ تصريحات فيها من الليونة ما فيها.
ذكرتُ في ذلك المقال أنه يبدو أنّ عُمان تتعامل الآن مع الإمارات، حسب القول المنسوب لسيدنا عيسى بن مريم، عليه وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام، حين قال: “إذا ضربك أحدُهم على خدِّك الأيمن، فأدر له خدَّك الأيسر، وإذا أخذ أحدُهم رداءَك، فأعطه إزارَك، ومن طلب منك أن تمشي معه ميلاً فامْشِ معه ميلين”؛ غير أنه يمكننا القول إن صيحة تسليم الخد الأيسر للصفع أمام الأطماع الإماراتية والتغلغل الإماراتي، إنما هي صيحة ضعف وذل، ولا ينبغي السكوت على الانتهاكات والبغي والظلم، فإنّ ذلك مما يشجع الجار على المزيد من التكبر والتجبر، ويغريه على المزيد من الأطماع في عُمان.
ستبقى مسألة “الحالة العمانية – الإماراتية” لغزًا كبيرًا بالنسبة لي، وبالنسبة لكثيرين، ولن تجد تفسيرًا مقنعًا أبدًا، لأنّ الواقع يقول: ربما الإمارات قد قطعت شوطًا كبيرًا في التغلغل داخل القرار العماني، (وعسى أن أكون مخطئا في هذا الظن)، ولن تشفع لنا تلك المقالات الإنشائية التي تتحدّث عن عُمق العلاقات بين البلدين؛ فتلك المقالات إنّما هي مقالاتٌ يرى أصحابُها الأمور بنظرة وردية، ولا يريدون أن يروا الواقع كما هو. ولكن المفارقة هي أن تهتم الإمارات بكلِّ ما يكتبه الكتّاب العمانيون وتدرسه، وعلى ضوء ذلك تتصرف؛ فيما تذهب آراء هؤلاء الكتاب العمانيين لدى حكومتهم أدراج الرياح! .
أصبحنا الآن نبحث عن مجرد “كرامة”. لذا فأنا أضم صوتي إلى الأصوات التي نادت بالتدخل في أمر هذه الاتفاقية؛ بل في كلِّ العلاقة مع الإمارات، حيث تُبنى هذه العلاقة على أسس قوية وجديدة، وأن تشمل المراجعات كل الاتفاقيات التي وقعت معها، وما الضير أن تتم مراجعة اتفاقيات الحدود التي وقعت بين البلدين، بحيث تعود الحقوق إلى أصحابها؟!
زاهر بن حارث المحروقي