الفتح المُبين في سيرة السادة البوسعيديين مصنف تاريخي للمؤرخ العُماني حميد بن محمد بن رزيق بن بخيت المشهور بابن رزيق. وفي هذا المصنف يؤرخ ابن رزيق لتاريخ عُمان عمومًا من خلال فصول فتحه الثلاثة، مع تخصيص المساحة الأكبر للدولة البوسعيدية. فالفتح المبين يتتبع نسب السادة البوسعيديين، ويُؤرخ لبداية حكم الدولة البوسعيدية بدءاً بمؤسسها الإمام أحمد بن سعيد ثم الإمام سعيد بن أحمد فابنه حمد بن سعيد، ثم سلطان بن أحمد. كما يتضمن المصنف ملحقاً تحت عنوان: فصل عن السيد سالم بن سلطان بن الإمام أحمد (ت: ١٨٢١م). ويتوقف ابن رزيق عند عهد السلطان سعيد بن سلطان، من خلال السيرة التي كتبها بعنوان: بدر التمام في سيرة السيد الهُمام سعيد بن سلطان، والتي أضافها للمصنف لاحقاً.
وُلد صاحب الفتح المبين ابن رزيق في مسقط في أواخر القرن ١٢ الهجري في حدود عام ١١٨٧هـ/ ١٧٨٣م، وتُوفي في عام ١٢٩١هـ/ ١٨٧٤م. وكان لأسرته ارتباط وثيق بهذه الأسرة منذ عهد المؤسس الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي. وهذا الارتباط يعود إلى جده رزيق بن بخيت الذي كانت تربطه علاقة مودة وصداقة، فكان رزيق موظفاً في النظام الضريبي بفرضة (ميناء) مسقط منذ أواخر عهد اليعاربة، وتوطدت العلاقة بسبب النصيحة المهمة التي قدمها رزيق للإمام أحمد بن سعيد -عندما كان والياً على صحار- بعدم الذهاب إلى مقابلة الإمام سيف بن سلطان اليعربي حتى لا يقع في الفخ الذي صنعه له، فقد كان ينوي حبسه؛ وذلك لتنامي وارتفاع مكانة أحمد بن سعيد بين الناس لعدله وإنصافه، وهو ما أثار حفيظة الإمام سيف بن سلطان اليعربي تجاهه. أخذ أحمد بن سعيد بنصيحة رزيق بن بخيت: “ارجع سريعاً إلى صحار، فإنَّ الإمام يُريد قتلك، وأنا لك من الناصحين” وقد كلفت رزيق هذه النصيحة غالياً، حيث أمر الإمام سيف بحبسه ومكث في الحبس ثلاثة أشهر ثم أُطلق سراحه، وإزاء ذلك فقد منصبه كمسؤول عن قلم الحساب في فرضة مسقط (ابن رزيق، الفتح المبين، ص: 308).
عندما تولى الإمام أحمد بن سعيد حكم عُمان لم ينس صنيع رزيق فأعاده إلى عمله وكتب له عهداً، يقول فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم، من إمام المسلمين أحمد بن سعيد إلى كافة أولاده خصوصاً، وإلى النَّاس عموماً، أما بعد، لتتركوا رزيق بن بخيت، ومن تناسل منه مثل ما تركته في الفرضة على قلم الحساب، وتمموا له الفريضة كما تممتها له، وهي مرقومة في دفتر السركار، وأحسنوا إليهم مثلي، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إنَّ الله سميع عليم” (ابن رزيق، الفتح المبين، ص310). وتولى محمد بن رزيق مكان أبيه في الفرضة على قلم الحساب، وكانت له مكانة ومنزلة عالية عند السيد سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد. فكان من الشخصيات التي يستشيرها ويأخذ برأيها. كما أنَّ تجار مسقط وأكابرها كانوا يجتمعون في مجلس محمد بن رزيق. ومن الشواهد على تلك الحظوة والمكانة أنَّ السيد سلطان بن أحمد حين أراد دخول مسقط، وانتزاعها من أخيه الإمام سعيد بن أحمد، استعان بمحمد بن رزيق من أجل مخاطبة التجار وأصحاب المصالح وأكابر البلد، كما كان في استقباله عند دخوله مسقط. كما كان لمحمد بن رزيق دور مهم في المفاوضات التي جرت بين السيد سلطان بن أحمد ومحمد بن خلفان الوكيل البوسعيدي للصلح بينهما (ابن رزيق، السيرة الجلية، ص٢٢).
وكان لحميد بن محمد بن رزيق ما كان لجده ووالده من المكانة والحظوة. فكانت علاقته قوية بالسيد سالم بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد-الأخ الأكبر للسيد سعيد بن سلطان وتُوفي سنة 1236هـ/ 1821م بسبب مرض الفالج- فكان صاحبه الذي يسمر معه ويستشيره، كما صحبه في معاركه وحروبه. نال ابن رزيق مكانة خاصة لدى السيدين محمد وحمد بن سالم بن سلطان، وألف ابن رزيق كتابه الفتح المبين لسؤال سأله السيد حمد بن سالم له عن سيرة الإمام أحمد بن سعيد، فكانت الإجابة هذا المصنف التاريخي المهم. وتواصلت علاقة ابن رزيق بالأسرة البوسعيدية، فكانت تربطه بالسلطان ثويني بن سعيد وابنه السيد سالم بن ثويني علاقة طيبة وقد أهدى السلطان ثويني للقس بادجر مخطوطة الفتح المبين وقام بترجمتها تحت عنوان: تاريخ أئمة وسادة عُمان، وكان لهذه الترجمة فضل كبير في تعريف الأوربيين بتاريخ عُمان.
وبصفة عامة يُعد الإنتاج الأدبي والتاريخي لابن رزيق غزيراً، والمطبوع من مؤلفاته: الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، والصحيفة القحطانية، والصحيفة العدنانية، والشعاع الشائع باللمعان في ذكر أئمة عُمان، والسيرة الجلية المُسماة سعد السعود البوسعيدية، وسلك الفريد في مدح السيد الحميد ثويني بن سعيد، ديوان ابن رزيق. وبعض إنتاجه لازال مخطوطاً، مثل: سبائك اللجين، وقلائد المرجان في مدح الشيخ ناصر بن أبي نبهان، ونور الأعيان وضوء الأذهان في مدح الشيخ محسن بن زهران.
د. أحلام بنت حمود الجهورية