السيدة لقب يطلق على المرأة بداعي الاحترام والتبجيل، ويضاف إليه معنى أكبر في حال انتماء المرأة إلى أسرة لها مكانة اجتماعية وسياسية. وفي كتاب الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، الذي يُؤرخ لفترة تاريخية مهمة من تاريخ الدولة البوسعيدية نحاول رصد بعض السيدات اللواتي أشار إليهن ابن رزيق -في هذه الفترة بالتحديد- ولم يذكر أسماءهن صراحة وله أسبابه التي أوردها في أكثر من موضع من فتحه المبين. ففي موضع يذكر أبناء الإمام أحمد بن سعيد: “ترك من الأولاد سبع نفر، وهم: هلال وسعيد وقيس وسيف وسلطان وطالب ومحمد، ومن الإناث ثلاثاً، ما أوردت ذكرهن للزوم الأدب”. وهن: السيدة موزة والسيدة عفراء والسيدة ميرا (ابن رزيق، الفتح المبين، ص341).
ونذكر بعض السيدات التي أشار إليهن ابن رزيق في فتحه المبين ولم يصرح بأسمائهن. والبداية مع السيدة المُبشِّرة، وهي سيدة أرض السر(الظاهرة)، التي بشرت أحمد بن سعيد بالإمامة. فيذكر ابن رزيق أن أحمد بن سعيد مضى في يوم من أدم إلى الغبي بالظاهرة فوصلها في يوم عيد وكان من عادتهم الاستباق بعد الصلاة، فلما أراد أحمد بن سعيد أن يركض ناقته في الميدان أمسكت تلك المرأة زمام ناقته، قائلة: “يا إمام عُمان، لا يجمل بك أن تراكض بناقتك إبل هؤلاء القوم، فإنِّهم رعاياك وأنت إمامهم، وإمام عُمان قاطبة”. فكان رده: “كأنك تتهكمين بي لقولك إني إمام عُمان”، فقالت: “لا والله، وإن هذا الشأن الذي ذكرته لك لصائر إليك عمَّا قريب، على رغم أنف كل حاسد”. وعندما سألها أحمد بن سعيد عن اسمها، قالت: “أما اسمي فمبشرة، وأما داري فتنعم، وأنا زفيتية النسب”. وأخذ الإمام أحمد بن سعيد بنصيحة السيدة المُبشرة، ولم يشارك في سباق الإبل. وقد أكرم الإمام أحمد هذه السيدة، حيث سأل عنها عندما تولى الإمامة وقيل له إنها ماتت، فأجزل العطاء لأهلها حتى موته (ابن رزيق، الفتح المبين، ص309-310).
ونكمل مع الإمام أحمد، فبعد مبايعته بالإمامة، كان أمام وضع داخلي غير مستقر، وفي سبيل تحقيق الوحدة الوطنية والتحقق من عدم وجود خائن، كان لسيدة ينقل دور في مساعدة الإمام أحمد في ذلك، فهي السيدة التي اختبأ في بيتها الإمام أحمد حتى يختبر بعض المناوئين له في الحكم، وكانت هذه السيدة تزوده بالأخبار التي انتشرت بعد مشاهدة ناقة الإمام بدونه، فشاع أنه قُتل، وظهرت رؤوس الفتنة، عندها خرج الإمام أحمد من بيت سيدة ينقل إلى صحار ومنها إلى جعلان، حيث دارت معركة شرسة بينه وبين مهددي الوحدة، وكانت النتيجة انتصار الإمام أحمد والمحافظة على وحدة عُمان (ابن رزيق، الفتح المبين، ص324-326).
ومن السيدات اللاتي أشار إليهن ابن رزيق: زوجة من زوجات السيد سلطان بن أحمد وهي أخت حميد بن ناصر بن محمد الغافري، حيث حدث خلاف بين السيد سلطان وأخ زوجته المتوفية، ومفاد ذلك أن حميد بن ناصر الغافري رفض أن يُعطي سلطان شيئا من إرث زوجته لزعمه أن كل ما في يدهم من المال هو بيت مال، لا إرث فيه. وبسبب ذلك الخلاف العائلي بين الطرفين قامت حربٌ كان من نتائجها كسر مدفع حصن جبرين! (ابن رزيق، الفتح المبين، ص381).
أما أشهر وأهم سيدات الفتح المبين فهي السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد، وأخت السادة: هلال، وسعيد، وقيس، وسيف، وسلطان، وطالب، ومحمد. وعمة السلطان سعيد بن سلطان والوصية على عرشه. لم يذكر ابن رزيق اسمها صراحة -كما أوضحنا ذلك سابقاً للزوم الأدب- وكان يشير إليها بلقب السيدة بنت الإمام. سكنت السيدة موزة حصن الفليج الذي بناه السيد سلطان بن أحمد في عام 1799م، وكانت في الحصن مع ابنيه سالم وسعيد عندما جاء خبر موته في 13 شعبان 1219هـ/ 16 نوفمبر 1804م. يذكر ابن رزيق أن تقديم سعيد على أخيه الأكبر سالم جاء برأي من السيدة موزة: “وكان تقديم السيد سعيد في الملك على أخيه سالم بن سلطان بعد وفاة أبيهما رأيا من السيدة بنت الإمام، ورضاء من أخيه سالم” (ابن رزيق، الفتح المبين، ص 388، 408).
ومن الحوادث التي استفاض ابن رزيق في ذكرها ما جاء بين السيدة بنت الإمام وزوجة محمد بن ناصر الجبري، ومفاد ذلك أنه كثر الوشاة بين السيد سعيد بن سلطان ومحمد بن ناصر الجبري-كان وصياً على السيد سعيد مع السيدة موزة- وكان من نتائج ذلك أن أمر السيد سعيد بالقبض على محمد بن ناصر الجبري وإيداعه السجن. وكان للسيدة موزة موقفٌ تمثل في: “فلما علمت السيدة بنت الإمام بقبض سعيد لمحمد، وكانت عندها بنت جبر بن محمد زوجة محمد بن ناصر، قالت بنت جبر لابنة الإمام: أهكذا حِشمتي عندكم، قيدتم محمداً بعد أن كتبت لي بالوصول إليك، وفي حال وصولي إليك جرى على محمد ما جرى، فأنا الآن أخشى عليه القتل. فقالت لها ابنة الإمام: أما القتل فلا، وأما تسليم حصن سمايل وبدبد فلابد من ذلك، فإنهما أمانة من سعيد لمحمد، والأمانة أحق بها أهلها”. حوار جميل وعميق يحمل وراءه الكثير من سيدتين عُمانيتين عاشتا المشهد السياسي في عُمان خلال فترة حكم السيد سعيد بن سلطان. (ابن رزيق، الفتح المبين، ص435
وكان للسيدة موزة الكثير من المواقف التي من خلالها يُستشف حضورها بحكمة وفاعلية في معترك السياسة. فهذه السيدة كانت تنهى وتأمر، تأخذ قرار الحرب والسلم، وفي الكثير من مواقفها حكم تتداولها الأجيال، نذكر منها، قولها: “هذه مسقط هي كنز عُمان فينبغي أن نحمي كنزها برجال لا يميلون إلى خيانة، ولا يعن لهم الجبن عند الإعانة، فطمع الرجال لا يقطعه إلا سيوف رجال لا تنبو بأوجال” (ابن رزيق، الفتح المبين، ص475).
ختاماً.. إن محاولة رصد حضور المرأة وكل ما يشي بوجودها في مصادرنا التاريخية ليس بحثاً عن إجابة لسؤال: هل ساهمت المرأة في التاريخ العُماني؟ أين يكمن دورها؟ أين تظهر مشاركتها؟ بقدر ما هو محاولة البحث عن دليل لذلك الدور ولذاك الحضور، فلا يمكن لكل هذه الأحداث التي يحفل بها تاريخنا وينتفي حضور المرأة في أغلبها إلا أن يكون بفعل فاعل، وبقصد أو ربما بدونه، فدور المرأة ومشاركتها في صناعة الحدث التاريخي أياً كان نوعه وأياً كان شكله، ذاك أمر مفروغ منه فلا يمكن لأي مجتمع أن ينمو بدون امرأة؛ لكن ما يؤرقنا –كباحثين- ندرة توثيق ذلك الدور. كما تدخل هذه المحاولة في إطار البحث عن المهمشين في التاريخ، بعيدا عن الجنس أو العرق أو السلم الطبقي أو الوظيفة الاجتماعية. لهذا وذاك كان الاهتمام بسيدات الفتح المبين اللواتي قدمن صورة ولو كانت خجولة عن موقع المرأة من الحدث التاريخي في مُحيط مجتمعها.
د. أحلام بنت حمود الجهورية