ينتشر اسم نور في محافظة ظفار بشكل كبير وواسع، وهو من أجمل الأسماء العربية وأجلها معنى؛ ولأننا مسكونون بالتاريخ يصبح للاسم قيمة أكبر إذا اقترن بسيدة عُمانية لها مكانتها الاجتماعية ونفوذها السياسي والتجاري، وهي السيدة نور بنت معروف بن حسين المنتمية إلى أسرة آل همام، وهي أسرة ذات مكانة سياسية واقتصادية واجتماعية في مدينة مرباط بمحافظة ظفار. عملت هذ الأسرة في التجارة، وتمتعت بنفوذ سياسي واقتصادي خاصة في نهاية القرن 12هـ وبدايات القرن 13هـ، نهاية القرن 18م وبداية القرن 19م، بحسب ما يذكره حسين باعمر في كتابه “تاريخ ظفار التجاري”.
وُلدت السيدة نور في ظفار، وبالتحديد في مرباط المدينة الساحلية التي كان لمينائها مكانة اقتصادية مهمة في التاريخ العُماني، ولا تورد المصادر تاريخاً محدداً لولادتها وربما حسب المعطيات التاريخية وُلدت في نهاية القرن 12هـ/18م. ورثت السيدة نور هذا النفوذ من جدها النقيب حسين. في حين يعد والدها النقيب معروف من أشهر شخصيات آل همام، وكان له تعاملات تجارية نشطة في ميناء مرباط في الربع الأخير من القرن 18م. وتكشف الوثائق التاريخية بعض أوجه النفوذ الذي تمتع به والد السيدة نور، حيث تضمنت إحدى الوثائق تعاملاً تجارياً بينه وبين السيد سلطان ابن الإمام أحمد بن سعيد (1792، 1804م) بحسب ما يورده باعمر.
بدأ يبزغ نور سيدة الجنوب بعد وفاة والدها معروف والذي تزامن مع الفراغ السياسي الذي خلّفه وفاة السيد محمد بن عقيل السقاف في العام 1245هـ/1829م -بحسب لوريمر أعلن السقاف سلطته على ظفار في عام 1218هـ/1804م- وهو ما أتاح للسيدة نور فرض سلطتها على مرباط خاصة في العقد الرابع من القرن 19م، وقامت بوضع القوانين التي تدير المدينة، واتخذت من حصن الحسينية في مرباط -بناه جدها النقيب حسين- مقراً للحكم. ومما يُذكر في هذا الشأن تبعاً لما أورده لوريمر في دليله التاريخي عن الخليج، أن السلطان السيد سعيد بن سلطان (1804-1856م) أرسل حملة عسكرية لإحكام السيطرة على ظفار في العام 1829م بعد مقتل السقاف.
ولأن الوثيقة ذاكرة الأمة، وشاهد عيان للتاريخ؛ تكشف لنا وثيقة تاريخية مؤرخة في عام ١٢٤٧هـ/ ١٨٣٢م حجم النفوذ الذي تمتعت به الحرة الطاهرة -اللقب الذي ذُكرت به في الوثيقة- حيث تضمنت الوثيقة الإشارة إلى بعض التسهيلات التي قدمتها السيدة نور لإحدى سفن السلطان السيد سعيد بن سلطان الراسية في ميناء مرباط؛ ونتيجة لهذا النفوذ لُقبت بـ(الحاكمة).
تُوفيت السيدة نور في مرباط، وبحسب الموسوعة العُمانية لا تورد المصادر تاريخا محددا لوفاتها، ولا تزال الروايات الشفوية تنقل كرم وقوة ونفوذ هذه السيدة الاستثنائية، فخلود سيرتها العطرة في المجتمع تتناقله الألسن جيلاً بعد جيل. فهي نموذج مؤثر ومشرف للمرأة العُمانية يجسد حضورها في مختلف المجالات عبْر فترات التاريخ الإنساني.
المراجع:
باعمر، حسين بن علي، “تاريخ ظفار التجاري (1800-1950م)”، د.ن، 2009م، ص97-98.
ج.ج. لوريمر، دليل الخليج (القسم التاريخي). مجلد2، مكتب صاحب السمو أمير دولة قطر، الدوحة: د.ت، ص897-899.
مجموعة مؤلفين. الموسوعة العُمانية. مجلد10، وزارة التراث والثقافة، مسقط: 2013م، ص3711.
وثيقة تاريخية، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، سلطنة عُمان، الرمز المرجعي: (5) OM.NRAA.A.2.1.3.3.
وثيقة مؤرخة في العام 1247هـ/1832م تكشف عن تسهيلات قدمتها السيدة نور لإحدى سفن السلطان السيد سعيد بن سلطان (1804-1856م).
د. أحلام بنت حمود الجهورية