قال تعالى: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ” (الرحمن: 26-27)، اللهم لا اعتراض اللهم لا اعتراض، رحم الله سلطاننا ووالدنا قابوس بن سعيد، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم اجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
لأول مرة، أنا لست بحاجة لمساعدة من موقع إلكتروني لتحويل التاريخ (هجري-ميلادي) فسيظل محفوراً في الذاكرة تاريخ الرحيل: جمعة مباركة (14 جمادى الأولى 1441هـ/ 10 يناير 2020م)، وتاريخ إعلان الرحيل: سبت ثقيل (15 جمادى الأولى 1441هـ/ 11 يناير 2020م).
طويل ومفصلي يوم الرحيل، يكاد لا ينتهي، عقارب ساعته لا تتحرك: إعلان الوفاة، فتح الوصية، مراسم التشييع. اختلط كل ذلك بمرارة الفقد وسواد اللحظة؛ لكن انتشت القلوب فخراً برجال الوطن فأنعم بهم من رجال قدموا درساً قصيراً بليغاً للعالم أجمع وهي النتيجة المشرفة لهذا الاختبار الطويل من الأحداث والجهود (50 عاماً): الوحدة العُمانية درس الأمة العُمانية.
فقيد الوطن، فقيد الانسانية: يعز عليّ تأريخ عهدك بين رقمين، فبمنطق التاريخ واللغة عهدك الزاهر (1970-2020م)، وبمنطق الحب والوفاء (1970- ).
من صعوبات تاريخنا قلة مصادره وأحداثه وشهوده، أما تاريخكم فسيكون أصعب ما فيه ضخامة مصادره عدداً وضخامة أحداثه نوعاً، فكل شعبك شاهد عيان.
سيدي الراحل جسداً والحاضر روحاً: خطاباتك تاريخ، صورك تاريخ، أحداث عهدك تاريخ، يحاصرنا التاريخ فكيف سنشفى من فراقك يا سلطاننا يا بطلنا يا أيقونة التاريخ. كيف سنؤرخ أيامك: اليوم الأول للرحيل، اليوم الثاني للرحيل، اليوم الثالث للرحيل، اليوم المائة بعد الرحيل، أم اليوم الألف بعد الوجع! كم هي اللغة ضيقة بعدك!
أهنالك وصفة طبية تساعدنا على وقف الدموع التي ما فتئت تنهمر كلما رأت صورتك، كلما سمعت صوتك، هي هكذا ونحن حبيسي الجدران وكل الخمسين سنة الماضية تمر كشريط سريع على ذاكرتنا المتخمة ألماً ووجعاً.
كم هو العبور بين عهدين ثقيل ومؤلم، وفاؤنا لك دائم قولاً (بالدعاء) وفعلاً (بالعمل بوصيتك) باختيار جلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق بن تيمور سلطاناً للوطن، وعزاؤنا أننا جميعاً راحلون وعُمان باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
د. أحلام بنت حمود الجهورية