تعد الأفلاج العُمانية شاهد عِيان على الابداع العُماني في الهندسة والفلك منذ ما يزيد على ألفي عام، وتتعدى أهميتها كونها بناء هندسي إلى كونها منظومة اجتماعية واقتصادية قام عليها المُجتمع العُماني. وبحسب مشروع حصر الأفلاج الذي قامت به وزارة موارد المياه يبلغ عدد الأفلاج في عُمان حوالي 4112 فلجاً. وتم إدراج خمسة أفلاج عُمانية في قائمة التراث العالمي لليونسكو في يوليو 2006م تعبيراً عن المكانة الحضارية والإنسانية لهذا النظام المائي الفريد. وهذه الأفلاج:
- فلج دارس: يقع في ولاية نزوى بمحافظة الداخلية.
- فلج الخطمين: يقع في نيابة بركة الموز بولاية نزوى بمحافظة الداخلية.
- فلج الملكي: يقع في ولاية إزكي بمحافظة الداخلية.
- فلج المُيسَّر: يقع في ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة.
- فلج الجيلة: يقع في ولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية.
ونتيجة للأهمية الاجتماعية والاقتصادية للأفلاج كونها كانت محور الحياة الزراعية للإنسان العماني نشبت حولها بعض الخلافات، وهو ما وثقه الشيخ الفقيه القاضي محمد بن إبراهيم الكندي (ت: 508هـ/ 1115م) في كتابه بيان الشرع الجامع للأصل والفرع (71 جزء)، فتوجد أبواب خاصة بتلك الخلافات، مثل: “باب في الدعاوي والحكم في المساقي” في الجزء التاسع والثلاثون. ونذكر بعض النزاعات التي وثقها الشيخ الكندي في كتابه حول الأفلاج:
– خلاف بين أهل فلجي ضوت والخوبي:
فلج ضوت فلج غيلي يوجد في قرية ضوت في ولاية نزوى، وفلج الخوبي هو أيضا فلج غيلي يقع في قرية سعال في ولاية نزوى. وتوثق إحدى فتاوى كتاب بيان الشرع اختلاف أهل فلج ضوت وأهل فلج الخوبي في عام (488هـ/ 1095م)، وتم الاحتكام إلى القاضي أبي محمد نجاد بن موسى المنحي (ت: 513هـ/ 1119م) لحل الخلاف بحضور عدد من المشايخ والعلماء. ونص الفتوى الواردة في كتاب بيان الشرع (ج39، ص13-14): “كان قد اختلف أهل فلج ضوت، وأصحاب الخوبي في مدر ضوت بالتراب وقطع أحبله في عرض الوادي وأحسب أنه أيضا طرح فيها التراب فنقص من ذلك فلج الخوبي فتحاكموا إلى القاضي أبي محمد نجاد بن موسى المنحي، وكان في جملة من حضر الشيخ أبو محمد نبهان بن أبي المعمر، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم ويوسف بن محمد بن يوسف والحسن بن محمد بن الحسن، وحضر من حضر من جباة الفلجين فجرى الاتفاق على إزالة الحبل المعترضة في الوادي وعلى أنهم يمددوا بالتراب على وجين الساقية الشرقي، وأن لا يقطع للمدر أغرز من الساقية… وأحسب أن ذلك في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة سنة”.
– فلج ذي نيم (الدنين):
فلج ذي نيم (التسمية القديمة) أو فلج الدنين (التسمية الحالية) هو فلج غيلي يوجد في قرية سعال بولاية نزوى، وهو فلج صدر فيه حكم قضائي كتبه الشيخ محمد بن إبراهيم الكندي بخط يده في عام 428هـ/ 1037م، وبموجب هذا الصك تم تنظيم الاستفادة من مياه الفلج، وقد أثبت الصك القاضي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن السعالي (حي: 510هـ/ 1116م)، ومما جاء في نص الفتوى (ج39، ص13-15): “…حضرنا يوم الأحد لعشر خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة سنة إلى حيث يخرج فلج ذي نيم، فرأينا له شريحاً مغرباً من حد القلعتين اللتين يخرج الماء شرقي ساقيته إلى المغرب نحو خمسة وثلاثين ذراعاً مختلطاً بالساقية الشرقية …”.
تلك أمثلة على نزاعات مجتمعية نشبت بسبب الأفلاج، وهي تدل على أهمية الماء كشريان انساني واقتصادي سيما وأن المجتمع العُماني في القرن 5هـ/ 11م كان مجتمعاً زراعياً وكانت الأفلاج مكون رئيسي وأساسي في اقتصاده. وختاماً يمكن القول أن الماء مثَّل قيمة حضارية للإنسان العُماني، وهو فلك دار حوله المجتمع بفئاته ومكوناته.
المرجع:
الجهورية، أحلام بنت حمود. المجتمع العُماني في القرنين (4-5هـ/ 10-11م) من خلال بعض مسائل بيان الشرع لمحمد بن إبراهيم الكندي (ت: 508هـ/ 1115م). ط1، دار مسعى للنشر والتوزيع، الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، مسقط: 2019م، ص١٩٣-١٩٧.
د. أحلام بنت حمود الجهورية